خسارة اليساريين في انتخابات إسبانيا.. هل هي لحظة فارقة نحو إعادة التفكير وتقدير الموقف؟

3 يوليو / تموز 2016 - آخر تحديث 3 يوليو 2016 / 15:23

   التعليقات 0

ــ بقلم: إبراهيم داهي

تزداد تعقيدات المشهد السياسي الإسباني وحرارة النقاش الداخلي الحاد الذي لم يتوقف منذ النتائج غير الحاسمة التي أسفرت عنها الانتخابات العامة في أواخر السنة الماضية ،حيث لم تتمكن الطبقة السياسية من عقد تحالفات كافية لتشكيل حكومة وطنية’، وهو ما أدى الى اعادة ثانية للانتخابات العامة أتت هي الاخرى بنتائج لا تختلف كثيرا عن سابقتها، من حيث عدم منح أي تشكيل حزبي التفويض الكافي لتشكيل الحكومة، مما يرجح مرة اخرى احتدام الاستقطاب السياسي وترجيح كفة الحسابات تحت الطاولة الحاسمة.

لقد كانت النتائج المسجلة في الانتخابات الاسبانية الاسبوع الماضي في مجملها منطقية الى حد ما بالنظر الى عوامل رئيسية تتعلق بطبيعة أداء الاحزاب السياسية بعد الانتخابات العامة الاولى خلال شهر ديسمبر من السنة الماضية، بعد أن لم يتمكن الزعماء السياسيون من حسم خلافاتهم في المعسكرين اليميني واليساري لأخذ زمام مبادرة تشكيل حكومة توافقية، هذه الخلافات التي لمسها الناخبون بجلاء كان لها وقع كبير في تحديد خيارات هؤلاء اثناء الاعادة الثانية للانتخابات، الشيء الذي انعكس في تسجيل عزوف ولو بنسبة قليلة حددها المراقبون في اكثر من مليون ناخب بقليل، وايضا معاقبة قوى التغيير بأدائها الباهت والمتقوقع داخل دوامة المصلحة الحزبية الضيقة، في مقابل تعزيز مكاسب الحزب اليميني الانتخابية وفرصه في ريادة تشكيل حكومة جديدة.

إن ما شدني كثيرا الى أداء الاحزاب السياسية الاسبانية كمواطن صحراوي مقيم بهذا البلد ،هو بالضرورة ما يهم كل الصحراويين في استقصاء مواقف هذه الاحزاب والزعامات السياسية من القضية الوطنية بوصف اسبانيا القوة الاستعمارية السابقة للصحراء الغربية. سيعتبر قائل أن هذا القول مردود عليه، إذ المواقف الاسبانية من قضية شعبنا العادلة لا تحتاج الى تبيان ولا الى تحمل عناء البحث ،لان اسبانيا دولة ومؤسسات اصطفت منذ أمد الى جانب قوة الاحتلال الغاشمة مفضلة اللهث وراء أوراق المصالح الوهمية المؤقتة التي ما فتئ الاحتلال المغربي يلوح بها. ولعل هذا القول على جانب كبير من الصواب ويعكس حقائق لا يجب تجاهلها او تغافلها، بيد أنني هاهنا أردت استقصاء هذه المواقف لدى الحزب السياسي اليساري الصاعد(بوديموس) ، وان كانت مبدئيا داعمة لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال. لكننا نود هنا متابعتها ما أمكننا ذلك، ورصدها في سياق أدائه السياسي من خلال سعيه الى الظفر بمشاركة في الحكومة والسلطة مع ما يفترض ذلك من تموقعات جديدة في علاقتها بمواقف وبرامج الاخرين ممن يُحسب أنهم شركاء سياسيين منتظرين.

لقد كانت خيبة الشعب الصحراوي كبيرة في مواقف ما يسمى بالاشتراكيين الديمقراطيين من قضيتنا الوطنية، اذ اتسمت هذه المواقف بالنفاق والانتهازية منذ عهود كُونزالز الكذوب الى ثاباطيرو المنافق المتآمر، على الرغم من ان الامر ليس بغريب او مفاجئ، لأن ذاك ديدن الاشتراكيين الديمقراطيين بأوروبا الغربية عامة باعتمادهم الغموض المقصود الى حد التواطؤ في مواقفهم السياسية في هذا الباب.

تابعنا جميعا مفاوضات اليسار الاسباني بقطبيه وسعيهما الى بناء تحالفات لتشكيل حكومة موسعة أساس أهدافها الاتفاق على ورقة عمل وبرامج ضامنة للعدالة الاجتماعية وكفيلة بمحاربة مظاهر الفساد المستشرية في هذا البلد المهدد بتفاقم ظاهرة ارتفاع مؤشر الفقر، غير أن هذه المحاولات كلها باءت بالفشل الذريع بفعل عامل رئيسي مهيمن تجلى في رغبة كلا الطرفين في الاستفراد بالزعامة واحتكار ما أمكنه من وسائل السلطة، وهي حسابات لا تخلو من دلالات، لتعريتها طبيعة نواظم العلاقات في المعسكر اليساري المؤطرة الى أمد قريب بقواميس ومفاهيم ومرجعيات الحزب الاشتراكي التقليدي في اسبانيا التي وان كانت تبدو نظريا متناقضة مع أولويات وتوجهات الحزب الشعبي اليميني العتيد ،الا أن الاشتراكيين كانوا دائما مستعدين لمجاراة التيار اليميني ومغازلته والتساكن معه في اطار وسياق قواعد لعبة منظمة بدقة عالية لتبادل الادوار وتكريس الثنائية الحزبية التقليدية مما يعني ذلك من احتكار كامل للمشهد السياسي.

لعل الاداء السياسي المثير للجدل للوافد الجديد(بوديموس) الى مسرح ومعترك الصراع من اجل السلطة كان مخيبا بشكل ملحوظ بعد نتائج الانتخابات المعادة خلال الاسبوع الماضي، حيث لم ترق الى التوقعات التي كانت ترشحه للعب دور ريادي في قيادة اليسار الجديد في اسبانيا وتصحيح مفاهيمه الجوفاء التي ظلت لعقود حبيسة نمطية انتهازية يطبل لها الحزب الاشتراكي الديمقراطي كما يحلو لقياداته تسميته انفسهم، في حين يموقعهم العارفون بالسياسة الاسبانية في خانة احزاب الوسط الاشتراكية الاقرب الى اليمين.

أصيب اليساريون الجدد في اسبانيا بالصدمة جراء الانتكاسة غير المتوقعة، وتراجعهم المحسوس في مقابل تنامي شعبية التيار اليميني وغزوه المعسكرات التقليدية للحزب الاشتراكي . وبالرغم من ان هذا الاخير يعتبر الخاسر الاكبر في هذه الانتخابات بحصده اسوأ نتيجة في تاريخه الانتخابي، الا ان قياداته كعادتهم في الخديعة وبيع الاوهام ،سوقوا هذه الهزيمة النكراء على انها انتصارا كاسحا تجلى في ما يزعمون أنهم “أفلحوا” في وقف زحف اليساريين الجدد ما يكشف اعترافا صريحا ومباشرا بالتآمر المبيت الذي خطط له الحزب الاشتراكي من خلال تنظيم حملات دعائية انتقامية ممنهجة بالاشتراك مع باقي القوى اليمينية لنشر التخويف و التهويل من الخطر القادم الذي سيعم اسبانيا في حال وصول حزب اليسار بوديموس المتحالف مع اليسار الموحد الى السلطة، وهي حملة تمكنت في اخر المطاف من تحقيق مبتغاها بكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة.

غير أن الحقيقة التي طفت على السطح من جديد وتأكدت مرة اخرى، إن كان ذلك يحتاج الى تأكيد، هي انتهازية الحزب الاشتراكي المتأصلة في النفاق السياسي الى حد الحقد والعدوانية ضد أولئك المفروض ان يكونوا رفقاء التغيير المنشود، وكأن الصورة تتوضح من جديد حتى يعيد اليساريون الجدد حساباتهم ويتداركون ما كان من اخطائهم الجسيمة في تقدير نوايا واستراتيجيات “رفاقهم” القائمة على المصلحة الحزبية الضيقة، فسياساتهم الداخلية والخارجية على السواء لا تخرج عن هذا الاطار و لا تتعدى هذه المرجعية الفلسفية المؤسسة على النزعة المحافظة ما يتناقض بنيويا مع طموحات (بوديموس) وحلفائهم التواقة الى التغيير والدينامية القائمة على الشفافية والديمقراطية.

إن اخفاقات اليساريين في اسبانيا المسجلة اليوم لابد ان تكون مدعاة للتفكير واعادة التفكير والتقييم الاستراتيجي على أساس النقد الذاتي الجريء والمتجرد دون اغفال أن الاخفاقات السياسية لا يمكن ابدا أن تكون القاعدة مصدرها او اسبابها ، بقدر ما تتحمل مسؤوليتها القيادات دون غيرها لاسيما بعد ثبوت سوء تقدير للموقف واخطاء جسيمة في توهم ثقة زائدة في حقيقة مواقف ونوايا الحزب الاشتراكي عبر تقديم تنازلات كبيرة ضمتها ورقة بوديموس ذات الاربعين اجراء والتي ٌأٌسقطت منها بعض المواقف السياسية المبدئية للحزب. إن زعامات تحالف بوديموس في وضع لا تحسد عليه اليوم، اذ هي مطالبة بتقديم التفسيرات المقنعة لهذه الانتكاسة وما يترتب عن ذلك من مسؤوليات، فشعبية هذه القيادات باتت على المحك ولا مناص من المساءلة والتقييم، لان الظرفية العامة تلح في ذلك، ناهيك عن ان التيارات اليسارية التجديدية تعتمد في حركيتها اليوم ونجاحاتها على اداء الزعامات والقيادات في صنع وابداع الحلول وابتكارها. لابد من قياديين كارزماتيين لتحقيق الانتصارات والمكاسب، فبعض ما نلحظه من تراجعات لليسار في بعض مناطق العالم اليوم يرجع في احد اسبابه الى غياب هذه القيادات. ومع هذا كله تبقى بوديموس القوة السياسية الصاعدة في اسبانيا بعنفوانها جديرة بمكانتها اليوم المكتسبة في اسبانيا واوروبا مثلما انها جديرة برفع تحد المضي الى الامام لقيادة التغيير الايجابي المنشود.

سيزهو الحزب اليميني الاسباني بانتصاراته الى حين، لكن ما أن يستفيق من نشوته حتى تحاصره مشاكل اسبانيا العميقة التي لا تنتهي، المتمثلة في نسبة البطالة المرتفعة وازدياد مؤشر الفقر الاعلى اوروبيا ناهيك عن معدل قياسي للفساد والرشوة ،عندها لن يكون بمقدور اليمين ومعه الاشتراكيين الانتهازيين من خلف الستار تجاوز تداعيات ازمة متفاقمة لان سياساتهم ومعايير مرجعياتهم ببساطة تكرس الفوارق الاجتماعية وتزيد من حدتها.

أحدث الإضافات

أبرز الأخبار

24 أبريل / نيسان 2024

نيروبي (كينيا)– استُقبل وفد الجمهورية الصحراوية المشارك في الندوة الدولية حول الإقتصاد الرقمي، أمس الثلاثاء، من طرف رئيس جمهورية كينيا، وليام روتو، وذلك في القصر الجمهوري، رفقة الوزراء الأفارقة المشاركين في هذا المحفل الدولي الهام. وقد شارك الوفد الصحراوي في تبادل وجهات النظر الى جانب الأشقاء الأفارقة مع الرئيس الكيني حول التحديات التي تواجهها افريقيا والفرص […]

أبرز الأخبار

24 أبريل / نيسان 2024

ولاية الشهيد الحافظ (الجمهورية الصحراوية)– ترأس اليوم الأربعاء، الرئيس الصحراوي-الأمين العام لجبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، أشغال الدورة العادية الرابعة للأمانة الوطنية للجبهة.  وفي كلمته الإفتتاحية لأشغال الدورة، أوضح إبراهيم غالي، أن الدورة ستتطرق  إلى محاور رئيسية من قبيل السياسي التنظيمي والميدان العسكري والأمني والميادين الإدارية والاجتماعية والاقتصادية والخارجية وملف الأمم المتحدة، وصولاً إلى بلورة خلاصات واستنتاجات ومن […]

أبرز الأخبار

24 أبريل / نيسان 2024

بيونغ يانغ (كوريا الشمالية)– قالت وسائل إعلام رسمية في كوريا الشمالية، اليوم الأربعاء، إن وفدا من بيونغ يانغ برئاسة وزير التجارة الدولية يزور إيران حاليا، وذلك في تقرير علني نادر عن تعاملات البلدين. وذكرت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية أن وزير العلاقات الاقتصادية الخارجية يون جونغ هو غادر بيونغ يانغ أمس الثلاثاء جوا على رأس وفد وزاري لزيارة […]

أبرز الأخبار

24 أبريل / نيسان 2024

غزة (فلسطين)– بثت كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- فيديو لأسير إسرائيلي محتجز في قطاع غزة، يندد فيه بما وصفه بإهمال حكومة بنيامين نتنياهو للأسرى ويطالبها بالعمل للإفراج عنه. ويعود الفيديو للأسير الإسرائيلي هيرش جولدبيرغ بولين (24 عاما)، الذي قال إنه من مواليد كاليفورنيا بالولايات المتحدة ويسكن مع عائلته في القدس المحتلة. وفي بداية حديثه، وجه الأسير كلامه […]

أبرز الأخبار

23 أبريل / نيسان 2024

الجزائر– إستقبل السفير الصحراوي بالجزائر، عبد القادر الطالب عمر، السفير الكوبي بالجزائر، هيكتور آكارثا، بمقر سفارة الجمهورية الصحراوية بالجزائر العاصمة. وتناول اللقاء العلاقات الثنائية المتميزة التي تربط البلدين والشعبين، الصحراوي والكوبي، حيث عبر السفير الكوبي عن دعم ومساندة كوبا لكفاح الشعب الصحراوي العادل من أجل حقوقه المشروعة في الحرية والاستقلال وبناء دولته المستقلة الجهورية الصحراوية. […]

أبرز الأخبار

23 أبريل / نيسان 2024

ولاية الشهيد الحافظ (الجمهورية الصحراوية)– نظم إتحاد الصحفيين والكتاب والأدباء الصحراويين بالتعاون مع وزارة الثقافة، ندوة إعلامية لتقديم كتب وإصدرات جديدة بمناسبة اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، بحضور مجموعة من الكتاب والصحفيين ووسائل الاعلام الصحراوية والمهتمين بشأن تدوين التاريخ والثقافة الصحراوية. وخلال كلمته أمام الحضور، نوه الأمين العام للإتحاد، نفعي أحمد محمد، بأهمية تدوين وحماية الموروث […]

أبرز الأخبار

23 أبريل / نيسان 2024

نيروبي (كينيا)– تشارك الجمهورية الصحراوية في أشغال الندوة الأفريقية حول الإقتصاد الرقمي، التي تحتضنها العاصمة الكينية نيروبي.  وأشرف على إنطلاق أشغال الندوة الأفريفية، التي تعقد تحت شعار “إطلاق العنان للتنمية بما يتجاوز حدود الربط الإلكتروني”، وتتواصل إلى غاية الـ25 من الشهر الجاري، الرئيس الكيني، وليام روتو، ويحضرها 16 وزيرا من مختلف دول أفريقيا، إلى جانب […]

أبرز الأخبار

23 أبريل / نيسان 2024

كانطابريا (إسبانيا)– احتضن مقر البرلمان الجهوي لمقاطعة كانطابريا بإسبانيا معرضا يوثق كفاح ونضالات الشعب الصحراوي  ضد الإستعمار، تحت اسم “رحلة نساء الصحاري”، أشرف على تدشينه رئيسة البرلمان الجهوي للمقاطعة، ماريا خوسي غونزاليث. وفي كلمة لها، أعربت غونزاليث، عن أملها بأن يشكّل المعرض الذي يضم صورا لمراحل الكفاح التحرري للشعب الصحراوي “إحياءً للإحساس المستمر بالقضية الصحراوية، وأن يكون […]