ــ بقلم: إبراهيم داهي

في أفق باتت تتأكد فيه مؤشرات الانضمام القريب للنظام المغربي الى الاتحاد الافريقي ومؤسساته، وفي خضم معطيات توحي بمتغيرات وترتيبات جديدة يستعد المخزن وحلفاؤه من خلالها للشروع في حملات دعائية مكثفة على مستوى الدول الاعضاء في الاتحاد ومؤسساته. ولأن الدولة المغربية تدرك جيدا ميكانيزمات العمل داخل الاتحاد والمساطير القانونية الجاري بها العمل، المُتضمنة في القانون الأساسي المنظم للعلاقات بين الدول الأعضاء والمؤسسات الاتحادية، ستمتثل إجرائيا لهذه الضوابط الناظمة للاتحاد بعيد تقديم طلب الانضمام والمصادقة المباشرة على هذه القوانين فضلا عن التصديق عليها من طرف مؤسسات الدولة المغربية نفسها.

مرحلة جديدة من المواجهة المباشرة

جرت العادة في الدول التي تحترم المواثيق المؤسِسة للعلاقات الدولية المُجَسدة في الهيئات والمنظمات العالمية والاقليمية، المصادقة على شتى القوانين والمعاهدات بالطرق الشفافة الواضحة، بأن تمر هذه وتخضع للموافقة من طرف الهيئات التشريعية المعنية. غير أن الامر يختلف تماما عند النظام المخزني في المغرب، إذ تتعمد الاجهزة الدعائية والايديولوجية تغييب الرأي العام باختلاق سياقات وأطروحات أخرى بمقدمات ونتائج مناقضة تماما لواقع الحال الذي وجد المخزن أخيرا نفسه مكرها ومدفوعا الى التعامل على مضض وصاغرا مع حقائقه السياسية، التاريخية والقانونية المتمثلة في الوجود الكلي المتحقق والمادي للجمهورية العربية الصحراوية. فالنزال هذه المرة سيكون بالقطع مباشرا مع تقديرنا أن النظام المغربي وفي سياق سعيه العبثي الى التنكر للحقائق الماثلة، لن يتوانى عن اختلاق مبررات واهية بسيناريوهات مضللة عساها ترفع عنه الحرج ولو لفترة منظورة ومحدودة.
إن المصوغات التي شرع المخزن في الترويج لها تزامنا مع تطلعاته في الانضمام الى الاتحاد الافريقي والموجهة أساسا الى الرأي العام المغربي، تبقى عديمة الجدوى وفاقدة لأية مصداقية، رغم أن أطرافا أخرى للأسف تشترك معه في هذه المناورات المغرضة الهادفة الى الدفع بالاتحاد ومؤسساته العتيدة الى مستنقع التجاذبات والتشرذم، خدمة لأجندات حاقدة وعدائية تتطابق مع مصالح قوى وأطراف دولية متربصة يبدوا انها تحن الى عهود الاستغلال والسيطرة المظلمة، متخذة من النظام المغربي وأنظمة أخرى على شاكلته أدوات لتجسيد تلك الاحلام الاستعمارية الخسيسة.

وعلى النقيض من المسارات السابقة وفي مقابل ظرفية دولية ما فتئت تتسم بالتعقيد أملتها طبيعة المعايير المزدوجة وسياسات الكيل بمكاييل متعددة ومختلفة، فإن حسابات المرحلة الجديدة وقواعدها تضع بلا شك الجانب الصحراوي أمام تحديات تستدعي إدراك واستيعاب تداعياتها.

إننا لسنا في وارد التهويل او النفخ في قدرات العدو العاجز المترنح، لكننا بالإشارة الى أسئلة راهن الحال نبغي هنا التنبيه الى مخاطر تحركات ومؤامرات حلفاء العدو الحاقدين، ليس لأنها جديدة، بل لأنها هذه المرة تزحف نحو حيز طالما مثل بحق ما نعتبره عمقا استراتيجيا للدولة الصحراوية من حيث دلالته التاريخية فضلا عن كونه مجالا ظل يوفر الدعم والسند القويين للقضية الصحراوية في المحافل الدولية. فالأمر تأكيدا يكمن في محاولات يائسة من جانب نظام المخزن التوسعي وحلفائه للعب ورقة خلق حالة من الانقسام داخل الاتحاد وبالتالي التسلل الى مؤسساته للنيل من مكانته أولا، ولتحجيم موقفه القوي التقليدي الداعم لقضية شعبنا العادلة.

معادلات جديدة تستوجب معالجات جديدة

أمام الديبلوماسية الصحراوية إذن استحقاقات بمعادلات جديدة، المطلوب فك شفراتها باحترافية عالية حيث سيكون لعنصر الوقت جانب كبير من الاهمية، ناهيك عن العوامل التقليدية الاخرى التي بتظافرها وتناغمها الرفيع نتجاوز ونكسر التكالب المغربي المسعور.

لقد اتضح جليا أن النظام المغربي في مساعيه الجديدة قد تلقف ما يحسبه إشارات مواتية لتصعيد نهجه التآمري المستجد على المستوى الإفريقي، بالنظر الى المرحلة الانتقالية التي تجتازها جبهة البوليساريو وما يفترض ذلك من انشغالات كبرى في ترتيب البيت الداخلي، إضافة الى تمكنه من تحييد بعض الدول الافريقية وثنيها بوسائله المشينة المعهودة عن دعم الشرعية القانونية لوجود الدولة الصحراوية. في هذا السياق إذن يُصعد المخزن مدعوما بحلفائه من وتيرة سياساته العدائية الاستفزازية الرعناء ضد المنظمات الدولية المحترمة وعلى رأسها الاتحاد الافريقي الذي يروم الطعن في قراراته والنيل من مصداقيته، وهي سياسات تكشف سوء عاقبة هذا النظام الذي بات منبوذا يمثل حالة نشاز في جواره الاقليمي ومحيطه القاري.

المعركة الديبلوماسية المنتظرة لن تخلو دون شك من تعقيدات ربما تكون بعض معطياتها معاكسة للتوقعات، لأن أرقام المعادلة الراهنة تشي بإمكانية حدوث شيء من هذا القبيل، مما يتطلب استيعاب الحيثيات المحدِدة لذلك وبذل تضحيات جسيمة تقر تدشين إصلاحات جذرية تمس الادوات والخيارات كما تُرتب الاولويات ومفردات الخطاب الدبلوماسي المعتمد، سبيلا الى استحداث قفزة نوعية تحتوي وتتجاوز السلبيات المسؤولة عن الاختلالات المتواترة التي يعرفها العمل الديبلوماسي الصحراوي خصوصا على الصعيد الافريقي.

خلاصة
واستخلاصا، نؤكد ان الانجازات العملاقة للديبلوماسية الصحراوية في مختلف الساحات والمحافل بمرجعيتها التاريخية وقاموسها القانوني المتماسك، تظل بحقائقها الساطعة الخلفية الاساسية المُوجِهة لنشاطاتها وإن أصبحت تتطلب اليوم مراجعة دقيقة لمكامن الخلل والثغرات التي بدأ العدو الغاصب يستثمرها في مساعيه الجديدة على الساحة الافريقية، المجال الحيوي والاستراتيجي للديبلوماسية الصحراوية.

ينبغي أن نتحلى بالموضوعية والشجاعة في تقييم تداعيات الخطوة المغربية وما سيتبعها، ليس من باب التهويل او الانتقاص من شأن ديبلوماسيتنا، بل حرصا على استشراف آفاق خالية من المفاجآت غير السارة، وتقدير الموقف الصحيح الذي يجعلنا نتحكم بثبات في هكذا مستجدات. إن القراءة الواعية للمتغيرات الجديدة يجب أن تستحضر السياقات التي حدثت فيها هذه التحولات خارجيا وداخليا، ما يتيح فهما موضوعيا يمهد للمضي في تدشين إصلاحات تجديدية تؤسس لتوجهات باستراتيجيات وخيارات أكثر نجاعة تقطع مع الاساليب النمطية المعتمدة، وتكون السبيل الى الرد الحاسم على مناورات وتحركات النظام المغربي الاستعماري وأعوانه.

مواضيع من نفس الفئة

الوفد الصحراوي المشارك في الندوة الدولية حول الإقتصادي الرقمي يحظى باستقبال من ...

24 أبريل / نيسان 2024

الرئيس الصحراوي يكشف المحاور التي ستناقشها الأمانة الوطنية للجبهة في دورتها العادية ...

24 أبريل / نيسان 2024

في زيارة علنية نادرة.. مسؤولون من كوريا الشمالية يصلون إلى إيران

24 أبريل / نيسان 2024

فيديو: أسير إسرائيلي لدى القسام يشن هجوما لاذعا ضد نتنياهو

24 أبريل / نيسان 2024