الدور الأمريكي في تغطية الغزو والاحتلال المغربي للصحراء الغربية

1 نوفمبر / تشرين الثاني 2017 - آخر تحديث 1 نوفمبر 2017 / 21:49

   التعليقات 0

ــ بقلم: د. غالي الزبير (كتبه لموقع اتحاد الصحفيين والكتاب الصحراويين في 12/ 12/ 2008)

عملية الغزو المغربي للصحراء الغربية وما رافقها من تطورات دراماتيكية خريف سنة 1975م شكلت أزمة قانونية وسياسية وأخلاقية وإنسانية غير أن غياب رد فعل متناسب مع هذه العملية سواءً من طرف الدول الكبرى أو من طرف المجتمع الدولي يفرض طرح العديد من التساؤلات خاصة عندما نرى ردود الفعل العاصفة التي ترافق حوادث مشابهة كما هو الحال في عملية ضم الكويت من طرف العراق أو حادثة خريف براغ أو عملية التدخل الروسي في أفغانستان أو الحرب الأخيرة في القوقاز.

كيف أمكن للمغرب القيام بعملية ضم قسري بالقوة لإقليم تحضره الأمم المتحدة لتصفية الاستعمار؟ وكيف تخلت اسبانيا بكل البساطة عن التزاماتها القانونية والأخلاقية تجاه الإقليم الذي ظلت تستعمره لما يقارب القرن من الزمن؟ وكيف غضت الدول الكبرى البصر عن تصرف مخالف نصاً وروحاً للممارسات السياسية التي تحكم الساحة الدولية في ظرف تميز بدقة الحسابات السياسية والأيدلوجية لهذه الدول؟ كيف لعبت الولايات المتحدة دور الغطاء لمثل هذه العملية التي أجهضت مسعى تطبيق استفتاء تقرير مصير سكان الإقليم، هذا المبدأ الذي وضعه الرئيس ويلسون واعتبرته الولايات المتحدة مبدأ رئيسياً في سياستها لقيادة “العالم الحر”، وكيف غاب الدور السوفيتي الذي يعتقد حينها أنه حليف القوى التحررية والمرتبط بمصالح عميقة مع الجزائر التي وجدت نفسها في خضم صراع مسلح يجرى على حدودها الغربية ويمس بصورة مباشرة مصالحها الإقليمية وأمنها الإستراتيجي؟

الأسئلة عديدة والفرضيات كذلك ولكن في ظل غياب الوثائق والشهادات التي يمكن أن تضئ جوانب هذه العملية غير المسبوقة في العلاقات الدولية فإن الكتابات التي حاولت سبر أغوار هذا الملف نادرة والقليل من الباحثين من تعرض لتحليل هذه الظاهرة ومحاولة إعادة كرنولوجيا الأحداث التي توالت في منطقة شمال غرب إفريقيا خلال خريف عام 1975م والتي مازالت تلقي بظلالها على تلك المنطقة ومحيطها الإقليمي حتى الآن ومن هؤلاء الكاتب والصحافي الأمريكي جاكوب موندي الذي نشر في جريدة “لوموند ديبلوماتيك” قبل سنتين مقالاً في الذكرى الثلاثين للغزو المغربي للصحراء الغربية حول الدور الأمريكي في تغطية الغزو وهو مقال جدير بإعادة القراءة لاعتماد كاتبه على محاضر سجلات وأرشيف الإدارة الأمريكية خلال تلك الفترة.

الدور الأمريكي خلال الأزمة

يرى موندي أن الدور الأمريكي خلال الأزمة تراوح بين التغاضي عن عملية الغزو والتواطؤ في تنفيذها ويرى أن عملية الغزو ما كانت لتنجح لولا الدور الأمريكي في انجازها، هذا الاستنتاج الذي وصل إليه جاكوب موندي تدعمه جملة من الحقائق المعروفة سلفاً حول الدور الأمريكي في عملية ضم الصحراء الغربية إلى المغرب أواخر سنة 1975م، فقد صرح هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي حينها كما جاء في كتاب “صور وكلمات” أنه ” ينبغي أن نحول تماماً دون أمرين أثنين، أولهما نشؤ دولة جديدة في هذه المنطقة وثانيهما نشؤ صراع عسكري أطرافه من العرب”، كما صرح كيسنجر نفسه سنة 1975م لكل من مجلة الأخبار الأمريكية وعالم الريبورتاج بقوله “أن الولايات المتحدة ترى أن وجود صحراء “مغربية” أمراً مستحسناً”.

ومن الممكن فهم الموقف الأمريكي الذي رسم معالمه هنري كيسنجر بالنظر إلى الظرف الدولي حينها فقد كان هنري كيسنجر عراب عملية السلام في الشرق الأوسط يعتمد على المغرب وعلى الحسن الثاني تحديداً في مد جسور الاتصال بين العرب وإسرائيل في حين كانت هذه العملية تلقى الرفض من طرف الجزائر وليبيا الحليفين لجبهة البوليساريو التي شهدت البعثة الأممية لتقصي الحقائق في الصحراء الغربية بالتفاف سكان الإقليم حولها وتأييدهم لمسعاها للاستقلال الكامل عن اسبانيا.

يقول جاكوب موندي ” شكل دور الحكومة الأمريكية خلال أزمة أكتوبر ونوفمبر 1975م موضوعاً للعديد من الأقاويل والتكهنات والقليل من الوقائع. إلا أن الأدلة المتاحة ومع ندرتها وعلى الرغم من كونها تأتي في سياقات ظرفية عارضة جعلت العديد من المراقبين يشككون في طبيعة رد الفعل الأمريكي على تطورات القضية الصحراوية خلال تلك الفترة ويصنفونه في درجة تتراوح بين السلبية والتواطؤ”.

ثم يضيف “الإدعاء بتواطؤ الإدارة الأمريكية مع المغرب ليست عارية من الصحة تماماً ” مقدماً جملة من الشواهد – على قوله هذا – لعل من أبرزها:

عقد البرلمان الإسباني جلسة مسائلة حول هذه القضية بعد مرور ثلاث سنوات على هذه الأزمة حيث أدعى عدد من المسئولين (الإسبان) أن فرنسا والولايات المتحدة قد ضغطتا على مدريد للانصياع لمطالب الحسن الثاني.
لاحقاً ألمح نائب مدير المخابرات المركزية الأمريكية اللفتنانت جنرال فيرنون والترز إلى أنه تدخل خلال هذه الأزمة لما فيه مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية. وقد تكررت تلك الإدعاءات في وقت لاحق من مصادر أخرى في صحيفة نيويورك تايمز في عام 1981م، وبالنظر إلى علاقات والترز الوثيقة بالحسن الثاني والتي تعود إلى فترة أنزال الحلفاء في الدار البيضاء فإن الصحفي بوب وودوورد وصفه ذات مرة بأنه ضابط الحالة الشخصية للملك (المغربي) في المخابرات المركزية الأمريكية.

دانيال باتريك موينيهان ممثل الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة خلال أزمة 1975 يرد في مذكراته مقارنة بين تماثل تاريخي تيمور الشرقية والصحراء الغربية فيقول ” الصين كانت تدعم بصورة كلية جبهة تحرير تيمور الشرقية وخسرت، وفي الصحراء الإسبانية كذلك فإن روسيا دعمت الجزائر و”جبهتها” المعروفة باسم البوليساريو وخسرت. وفي كلتا الحالتين كانت الولايات المتحدة ترغب في أن تسير الأمور كما سارت وقد عملت لتحقيق ذلك. وزارة الخارجية الأمريكية أرادت أن تثبت أن الأمم المتحدة غير فعالة تماماً في كل التدابير التي تعهدت بها، ولقد أوكلت هذه المهمة إلىَ و حققها بنجاح لا يستهان به”.

السفير الأمريكي في الجزائر خلال فترة الأزمة ريتشارد باركر كتب أخيراً أنه يعتقد أن من الممكن أن يكون الحسن الثاني قد تلقي “الضوء الأخضر” من الولايات المتحدة ليستولي على الصحراء الإسبانية خلال اجتماعه مع هنري كيسنجر في صيف 1975.

المحدودية التي طبعت دعم الولايات المتحدة الأمريكية لقرار الأمم المتحدة الموجه ضد المسيرة الخضراء يمكن الاستناد إليه كإحدى “القرائن الظرفية” التي تمنح المصداقية لتلك المزاعم المتعلقة بدعم واشنطن للحسن الثاني مع أن باركر لازال يعتقد أن ” المحاضر الرسمية لتلك الفترة لن تكشف الحقيقة كاملة” ومع ذلك فإنه يخلص إلى القول ” كل شيء كان ممكناً في تلك الحقبة”>

واستناداً إلى السجلات الأمريكية التي كشف عنها السرية ومصادر أرشيف وزارة الخارجية الأمريكية بالإضافة إلى المعلومات المحصل عليها من خلال the US Freedom of Information Act

يعيد موندي رسم خطوات السياسة الخارجية الأمريكية خلال الأزمة بما يظهر بجلاء أن الحياد الأمريكي الظاهري صاحبه ترتيب من خلف الكواليس مكن المغرب من ضمان ضم الصحراء الغربية إليه فيقول: “في مطلع أكتوبر 1975م وجه مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ويليام كولبي مذكرة إلى هنري كيسنجر يكشف له فيها ” أن الحسن الثاني قد قرر غزو الصحراء الإسبانية في غضون الأسابيع الثلاثة المقبلة” ثم يذكر “أن الحسن الثاني يخشى ألا يأتي قرار محكمة العدل الدولية داعماً لمطالب المغرب في الصحراء الغربية ولذا بدأ الإعداد لغزو عسكري. وقد كان الملك متيقناً أن الجيش الإسباني لن يبذل الكثير في حالة نشوب الحرب. بالإضافة إلى ذلك كما رأت المذكرة فإن” الحسن الثاني قد خلص إلى أن نشوب نزاع مسلح سوف يستحث وساطة دولية مواتية له” وهذا ما يفسر كيف وصل الحسن الثاني إلى مثل هذا الاستنتاج الخطير. ويضيف تحليل لاحق لوكالة الاستخبارات المركزية ” يبدو أن الحسن الثاني قد لقي التشجيع من قبل قادته العسكريين”

بعث كيسنجر برسالة عاجلة إلى الحسن الثاني يدعوه فيها إلى ضبط النفس ولكنه لم يتلق الرد إلا في 14 أكتوبر برسالة وعد الحسن الثاني فيها الولايات المتحدة بعدم مهاجمة أسبانيا وإنه لن يعطي مثل هذا التعهد لأي كان لما يشكله من تعارض مع طموحاته.

في صباح اليوم التالي لصدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية (الذي صدر في 16 أكتوبر) والإعلان عن المسيرة الخضراء أطلع هنري كيسنجر الرئيس فورد ومستشار الأمن القومي، الجنرال برنت سكوكروفت ، في المكتب البيضاوي في البيت الابيض على الوضع كما يلي:

كيسنجر : المغرب يهدد بمسيرة ضخمة على الصحراء الأسبانية. محكمة العدل الدولية أعطت رأياً تقول فيه أن أمر السيادة (على الصحراء الغربية) قد تقرر بين المغرب وموريتانيا. وهذا أساسا هو ما يريده الحسن (الثاني).
الرئيس : ما المحتمل حدوثه؟
كيسنجر : أسبانيا تميل إلى الاستقلال، وهذا هو ما تحبذه الجزائر. سأتحدث إلى السفير المغربي اليوم.

وهنا يلاحظ جاكوب موندي أن “المحكمة قد قالت شيئاً مناقضاً لذلك تماماً، و لعل الشخص الوحيد الآخر في العالم الذي شارك كيسنجر هذه القراءة المتحيزة للغاية لرأي محكمة العدل الدولية كان الحسن (الثاني)”. ثم يضيف ” عقب إعلان الحسن (الثاني) عن المسيرة الخضراء طلبت اسبانيا من مجلس الأمن وقف الحسن (الثاني)، غير أن الرد الذي اعتبرته الحكومة الإسبانية ضعيفاً أرغم مدريد على السعي إلى حوار ثنائي مع المغرب.

بعد زيارته المقررة سلفاً للمغرب لمناقشة قضية الصراع العربي- الإسرائيلي أرسل ألفريد أثرتون مساعد وزير الخارجية الأمريكي تقريراً في يوم 22 أكتوبر كشف فيه أن المغرب واسبانيا قد توصلا إلى اتفاق يحفظ ماء الوجه لكيلهما، و يسمح بإجراء المسيرة. وأنهما يريدان بعد ذلك استخدام الأمم المتحدة لإضفاء الشرعية على عملية استيلاء المغرب (على الصحراء الغربية) من خلال استفتاء متحكم به مما يمكن أسبانيا من الانسحاب (من الصحراء الغربية) بلباقة”.

حل للأزمة أم مؤامرة بمشاركة الأمم المتحدة؟

في عملية البحث عن صيغة للحل ترضي الحسن الثاني وتحفظ لإسبانيا ما تبقى من ماء الوجه من جهة وتعفي – لو أمكن وإلى الأبد- الأمم المتحدة من التزامها الذي قطعته على نفسها منذ سنة 1965 بتمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره يرى موندي أن كورت فالدهايم (الأمين العام للأمم المتحدة حينها) كان مشاركاً (في المؤامرة). وفى حديثه مع موينيهان (المندوب الأمريكي لدى الأمم المتحدة) يوم 29 أكتوبر، قال فالدهايم أنه قد اقترح حلاً يقوم على “سابقة إيريان الغربية”. (في سنة 1961 قامت اندونيسيا بغزو غينيا الجديدة الغربية التي تعرف الآن باسم غرب إ يريان جايا قبل أن تحصل هذه المستعمرة الهولندية على استقلالها، ولفترة قصيرة وضع هذا الإقليم تحت إدارة الأمم المتحدة سنة 1962 وفي سنة 1963م تم تمرير الإقليم إلى اندونيسيا وفي سنة 1969م حصلت اندونيسيا بصورة شكلية على السيادة على هذه الإقليم بعد إجراء استفتاء مثير للجدل لتقرير المصير).

أي أن المغرب يستطيع أن يتنازل عن فكرة المسيرة إذا قبلت اسبانيا بالانسحاب مع مطلع سنة 1976 ثم تقوم إدارة مؤقتة للأمم المتحدة بتنظيم استفتاء (مدبر). فالدهايم اعترف بأنه من الصعب العثور على ” صيغة ما لاستشارة السكان” تكون مقبولة من طرف الحسن (الثاني) ولكن مثلما ورد في تقرير موجز لوكالة للاستخبارات المركزية الأمريكية حينها فإن ” الأمين العام قد توصل بصورة غير مباشرة إلى الاعتقاد سلفاً أن المغرب سوف يقبل اقتراحه شرط أن تستعمل وصاية الأمم المتحدة (على الصحراء الغربية) بدهاء يمكن من تسليم الإقليم قريباً إلى الرباط ونواكشوط”.

وفي صباح يوم 3 نوفمبر اجتمع فورد و سكوكروفت و كيسنجر في المكتب البيضاوي حيث كانت المسيرة الخضراء الوشيكة من جملة القضايا التي نوقشت. وفي هذه الاجتماع يبدو أن فورد قد وضع اللمسات الأخيرة على المخطط الأساسي للسياسة الأمريكية تجاه الأزمة التي تلوح في الأفق على أساس الاقتراح الذي تقدم به كيسنجر :

كيسنجر:… على الصحراء الأسبانية ، الضغط الجزائري جعل اسبانيا تتراجع. الجزائر تريد ميناء (على المحيط الأطلسي)، وهناك مناجم الفوسفات الغنية. الجزائريون يهددوننا بموقفهم في قضية الشرق الأوسط. لقد بعثنا برسائل إلى المغاربة أمس. وأعتقد أنه ينبغي علينا الخروج منها (الأزمة). إنها الأزمة اليونانية- التركية مرة أخرى عندما فقدنا الطريق في الاتجاهين. يمكننا أن نخبر الحسن (الثاني) أننا نعارضه تماماً، ذلك يمكن أن يوقفها (المسيرة) ولكننا بذلك نتسبب في سقوط الرجل، أو نستطيع أن نجبر فالدهايم على المضي قدماً (في مؤامرة الاستفتاء المدبر).
الرئيس : اعتقد أنه على الأمم المتحدة الاضطلاع أكثر بهذه المشاكل. اللعنة! ، ما كان يجب أن نقوم نحن بكل شيء ونقحم أنفسنا.
كيسنجر : يمكن أن تقوم الأمم المتحدة بذلك كما فعلت في أريان الغربية حيث ادعت أنها تقوم بـ “استشارة رغبات الشعب” ثم تخرج من هناك.
الرئيس : دعنا نستخدام طريق الأمم المتحدة.

في صباح اليوم التالي بعد وضع فورد للتصور الواضح لسياسة الولايات المتحدة (تجاه الأزمة) قدم كيسنجر مذكرة موجزة للغاية حول أزمة الصحراء إلى الحضور أنفسهم : الصحراء فوضى، الجيش الأسباني يمانع أن يبدو بمظهر المطرود. خوان كارلوس قال أن المغرب كان يستطيع الحصول على الصحراء لو أنهم ألغوا المسيرة ولكنهم لم يستطيعوا (فعل ذلك).

وفي 5 نوفمبر ، عشية انطلاق المسيرة ناقش كيسنجر وموظفيه الأزمة في اجتماع صباحي مبكر. بدأ أثرتون يلخص آخر النشاطات الدبلوماسية وبدأت في الإشارة إلى اقتراح اسباني ولكن كيسنجر قاطعه قبل أن يفصح عن مضمون “الاقتراح المعقول.” قائلاً:

” فقط حولها (القضية) إلى الأمم المتحدة مع ضمان أنها سوف تذهب (الصحراء الغربية) إلى المغرب”.
بعد ذلك أشار مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الأوروبية ، آرثر إلى اقتراح “حراسة” بعض المشاركين في المسيرة عبر الحدود ، إلا أن أثرتون تمكن من القفز لإعطاء هذه التعليمات : “اسمحوا للمشاركين في المسيرة بالدخول لمسافة عشرة كيلومترات ، واسمحوا لهم بصورة رمزية بالمسير في الطريق المتجه إلى العيون وبعد أن يفعلوا ذلك يقومون بدورة ثم يعودون وبذلك يتم تحقيق انتصار كامل للحسن (الثاني)”.

مشيرا إلى أن ” الأمور تتجه نحو نقطة الحسم” أتجه أثرتون إلى أن هذا التنسيق قد لا يرضي جميع المغاربة. “مشكلة الحسن (الثاني)” يوضح أثرتون ” انه إذا ما بدأ (الحسن الثاني) مستسلماً فإنه سيواجه صعوبات في الداخل، بالطبع.”

سأل كيسنجر:” لكنه سيحصل على الإقليم (الصحراء الغربية) أليس كذلك؟”

رد أثرتون: حسنا، انه يريد أن يضمن ذلك مائة بالمائة واعتقد انه سيحصل على أقل من ذلك، ولكن من المحتمل أن يحصل على أكثر ما يمكن أن يتمناه في الوقت الراهن بالنظر إلى الموقف الذي اتخذته اسبانيا. ويجوز له…

يقاطعه كيسنجر: سيحصل على أكثر ما يمكن أن يتمناه…..

أثرتون : على سبيل الوعد أن الأمور ستسير في النهاية بالطريقة التي يريدها (الحسن الثاني) بعد المرور عبر إجراءات الأمم المتحدة وهي ليست مضمونة بنسبة مائة في المائة ولكني لا أرى أن هناك شيء أفضل يمكن أن يأمل فيه أو أن يحصل (له) على أي دعم من أي كان.

المخطط المسبق للأحداث

حقيقة أن المسيرة مضت إلى الأمام دون عوائق وأن اسبانيا لم تثر مسألة الغزو العسكري المغربي لشمال شرق الإقليم (الذي جرى أسبوعاً قبل المسيرة المغربية)، تظهر أن الأمور كانت تسير وفق مخطط مسبق محكم للغاية ولكن بالنسبة لواشنطن، كانت هناك بعض الشكوك حول ما إذا كانت الأمور ستسير لصالح الحسن (الثاني) أم لا.
في صباح العاشر من نوفمبر اليوم التالي لإعلان الحسن الثاني سحب المشاركين في المسيرة من الصحراء الغربية اجتمع في المكتب البيضاوي كل من كيسنجر وسكوكروفت وفورد ووفقاً لمذكرة الاجتماع فإن كيسنجر قال لهم:

– الحسن (الثاني) انسحب من الصحراء ولكنه إذا لم يحصل عليها فإنه سيكون قد انتهى. يتعين علينا الآن أن نعمل على ضمان حصوله عليها. نريد أن نعمل من خلال الأمم المتحدة لضمان تصويت موات (للمغرب في استفتاء متحكم به).

محاضر الاجتماع لا تسجل أي رد من فورد أو سكوكروفت ولكن بالرجوع إلى مذكرات موينيهان نعرف ما الذي حدث بعد ذلك.
في اجتماع مماثل في اليوم التالي 11 نوفمبر وقعت تبادل الحديث التالي:
الرئيس : كيف تسير (مسألة) الصحراء الإسبانية؟
كيسنجر: لقد هدأت ، ولكنني أخشى أن يطاح بالحسن (الثاني) إذا لم يحقق النجاح. الأمل هو التلاعب في تصويت الأمم المتحدة ( أي في الاستفتاء الذي ستنظمه الأمم المتحدة للصحراويين) ، ولكن إذا لم يحدث…

ويضيف موندي ملخصا ًالتطور اللاحق للأزمة قائلاً : ” لسؤ حظ كيسنجر، فإن الأمم المتحدة لم تتمكن من تنظيم “التلاعب” خلال فترة الإدارة الانتقالية الثلاثية، عندما هرب نصف السكان الأصليين إلى عمق الصحراء قبل انسحاب أسبانيا في فبراير 1976. من خلال رفض صناديق الاقتراع (لتمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره) ، حاولت البوليساريو تحقيق تقرير المصير من خلال البندقية”.

وبعد استعراض أهم ما جاء في دراسة جاكوب موندي التي أعادت نشرها مجلة “دراسات شمال إفريقيا” في مجلدها الحادي عشر لسنة 2006م فإننا نرى بوضوح الدور التآمري الذي مارسته كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا واسبانيا مع المغرب وموريتانيا بمباركة ومشاركة مباشرة من طرف الأمم المتحدة ويتضح تكسر هذه المؤامرة الدولية على صخرة مقاومة الشعب الصحراوي العنصر المغيب من معادلة الحل والذي مثل رقماً صعباً يستحيل القفز على إرادته واختياراته فـ “الجماعة” التي كانت تمثل السكان خلال الفترة الاستعمارية أعلنت عن حل نفسها من خلال توقيع وثيقة القلتة التاريخية التي وقعها النصف زائدا واحد من عدد أعضاء هذه المؤسسة برئاسة نائب الرئيس المرحوم بابا ولد حسنة حين أعلنوا استقالتهم منها وانضمامهم للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو)، كما أن مئات الآلف من الصحراويين فضلوا اللجؤ والتشرد على الوقوع تحت براثن الاحتلال، واختارت جبهة البوليساريو مواصلة الكفاح الذي بدأت ضد الاستعمار الاسباني من أجل فرض الاختيارات الوطنية للشعب الصحراوي في مسيرة طويلة لازالت تتواصل إلى اليوم.

إن استمرار القضية الصحراوية وفشل كل الحلول المزيفة – بما في ذلك مقترح الحكم الذاتي المقدم من طرف المغرب- يكمن في كونها تحاول الالتفاف على جوهر الصراع والمتمثل في استكمال تصفية الاستعمار من هذا الجزء من القارة لافريقية وعقم الحلول التي تريد حرمان الشعب الصحراوي من تقرير مصيره بحرية ودون تزييف أو تلاعب من أي قوة مهما عظمت إمكانياتها أو تنوعت دسائسها وقد ختم موندي ً مقالته بقول الباحث الشهير في القانون الدولي توماس فرانك عام 1976، حين وصف وبحق سياسة الولايات المتحدة خلال أزمة 1975 بأنها “عمل من أعمال النفعية السياسية على خلفية التحالفات السياسية شرق – غرب.” وإلى حد بعيد يمكن أن يقال الشيء نفسه عن سياسة الولايات المتحدة “المحايدة” نحو نزاع الصحراء الغربية اليوم، إن لم يكن عن كل الصراعات الأخرى التي تنطوي على طمس تقرير المصير الوطني. والفرق الوحيد بين عامي 1975 و 2005 هو السياق التبريري الجيوبولتيكي، من الحرب الباردة إلى الحرب على الإرهاب ، حيث أننا نعتقد أن حيادنا المعلن هو ترف ليس بوسعنا بعد أن نسمح به. ولكن استمرار النزاع في الصحراء الغربية يدل على أوجه القصور في سياسة الولايات المتحدة “المحايدة” بخصوص الصحراء الغربية. وليس ذلك ما أدركته واشنطن في السنوات الثلاثين الماضية”.

————————-
هوامش وملاحظات:

جاكوب موندي حاصل على درجة الدكتوراه من معهد الدراسات العربية والإسلامية ، جامعة اكستر.
نص مقال جاكوب موندي في جريدة ” لوموند ديبلوماتيك” منشور على الانترنيت على الرابط التالي : http://mondediplo.com/2006/01/12asahara
وقد أعيد نشره في: The Journal of North African Studies,Volume 11, Issue 3, September 2006, pp. 275-306

العبارات الإيضاحية بين الأقواس عدى تلك المتعلقة بتعريف قضية أريان الغربية منن وضع كاتب المقال وليست بالنص الأصلي.

مسألة رغبة الجزائر في حصول على “ميناء على المحيط الأطلسي” لعلها من استنتاجات كيسنجر أو من إيحاء الطرف المغربي حيث لم ترد على الإطلاق في أي وثيقة جزائرية أو في أي تصريح لمسئول جزائري قبل الأزمة أو بعدها.

الغزو المغربي للصحراء الغربية كان مبيتاً بغض النظر عن نتيجة قرار محكمة العدل الدولية حيث أشار كولبي مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلى التحضير له قبل صدور قرار المحكمة بفترة، مما ينسف الحجة التي قدمها المغرب لغزوه للصحراء الغربية اعتماداً على الرأي الاستشاري للمحكمة حتى وإن كان هذا الرأي قد جاء بما يناقض الطرح المغربي.

كان المغرب واسبانيا قد اتفقا على كل التفاصيل بما في ذلك مسرحية”دخول المسيرة إلى الصحراء وانسحابها مرة أخرى” لحفظ ماء وجه الطرفين وكذلك ترتيب استفتاء متحكم فيه لضم الصحراء الغربية للمغرب تحت إشراف الأمم المتحدة قبل موعد المسيرة والغزو المغربي للصحراء بزمن كما كشفت عنه رسالة ألفريد أثرتون مساعد وزير الخارجية الأمريكي إلي كيسنجر في 22 أكتوبر 1975م.

موقف الأمم المتحدة ضد المسيرة المغربية على الصحراء الغربية حتى وإن جاء متواضعا ً، كان مجرد رفع عتب لأن الأمين العام حينها كان شريكاً في التحضير لعملية ضم المغرب للصحراء الغربية بمباركة الأمم المتحدة كما جاء في محضر لقاءه مع موينيهان (المندوب الأمريكي لدى الأمم المتحدة) يوم 29 أكتوبر 1975م أسبوعاً قبل تنفيذ تلك المسيرة.

تمثل عملية ضم المغرب وموريتانيا للصحراء الغربية بغطاء من الدول الكبرى وبمباركة من الأمم المتحدة مثالاً للتناقض الصارخ بين واقع الممارسة السياسية القائمة على النفعية الظرفية ومبادئ القانون الدولي وأولها حق الشعوب في تقرير مصيرها وميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على المساواة بين الشعوب والأمم كبيرها وصغيرها.

أحدث الإضافات

أبرز الأخبار

17 أبريل / نيسان 2024

نيويورك (الأمم المتحدة)– تحت رئاسة مالطا، عقد مجلس الأمن أمس الثلاثاء مشاورات مغلقة حول بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) تماشياً مع القرار 2703 (2023) الذي تبناه مجلس الأمن في 30 أكتوبر 2023. وكان مجلس الأمن قد طلب في قراره من الأمين العام أن يقدم إحاطات إلى المجلس على فترات منتظمة، وكذلك في […]

أخبار الصحراء الغربية

17 أبريل / نيسان 2024

ولاية الشهيد الحافظ (الجمهورية الصحراوية)– نظمت وزارة الصحة الصحراوية، عبر قسم الإعلام والتحسيس، يوما تكوينيا، لفائدة المشاركين في مبادرة “الإتصال من أجل تغيير السلوك”. وخصص اليوم التكويني لكيفية إعداد الحملات التحسيسية وأساليب الاتصال المتاحة في سبيل إيصال الرسالة الصحية، وكذا تزويد المشاركين في الحملات التحسيسية المزمع القيام بها  بالتقنيات الأساسية في مجال الاتصال والتواصل والتفاعل […]

أبرز الأخبار

17 أبريل / نيسان 2024

عيتا الشعب (جنوب لبنان)– صعّد جيش الإحتلال الصهيوني، اليوم الأربعاء، من عملياته العسكرية على بلدات جنوب لبنان عقب استهداف حزب الله بالصواريخ والمسيّرات مركزا قياديا إسرائيليا في بلدة العرامشة بالجليل الأعلى، أسفر عن إصابة 14 جنديا. وقال جيش الإحتلال الصهيوني إنه قصف أهدافا عدة تابعة لحزب الله جنوبي لبنان، مضيفا أنه استهدف مصدر إطلاق الصواريخ التي قصفت شمال إسرائيل. […]

أبرز الأخبار

17 أبريل / نيسان 2024

تل أبيب (إسرائيل)– أثار إعلان أحد الناجين -ممن شاركوا في حفل نوفا الموسيقي في منطقة غلاف غزة تزامنا مع انطلاق معركة “طوفان الأقصى”- عن انتحار 50 ناجيا إسرائيليا تفاعلا على نطاق واسع بين الإسرائيليين. جاء ذلك خلال جلسة استماع عقدتها لجنة الرقابة في الكنيست الإسرائيلي -أمس الثلاثاء- وشارك فيها عدد من الناجين من الحفل الموسيقي، حيث تحدثوا […]

أبرز الأخبار

16 أبريل / نيسان 2024

الجزائر– استقبل الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، اليوم الثلاثاء بالجزائر العاصمة، الرئيس الصحراوي-الأمين العام لجبهة البوليساريو، إبراهيم غالي. وحضر اللقاء، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري، الفريق أول السعيد شنقريحة، ومدير ديوان رئاسة الجمهورية الجزائرية، بوعلام بوعلام.وعن الجانب الصحراوي، كل من الوزير المستشار للشؤون الدبلوماسية، محمد سالم ولد السالك، رئيس أركان جيش التحرير الشعبي الصحراوي، […]

أبرز الأخبار

16 أبريل / نيسان 2024

تنريفي (جزر الكناري)– إحتضنت جامعة “لالاغونا” بجزيرة تنريفي الكنارية عرض الفيلم الوثائقي “وني بيك” للمخرج الجزائري، رابح سليماني، الذي حاز على جائزة مهرجان السينما “فيـ-صحرا” في نسخته الماضية، والذي يتحدث عن كفاح الشعب الصحراوي وقضيته العادلة. الفيلم يأتي في إطار سلسلة الأنشطة التي تنظمها جمعية الوفاق للجالية الصحراوية بتنريفي شهر أبريل الجاري والتي تهدف إلى […]

أبرز الأخبار

16 أبريل / نيسان 2024

بمبلونة (إسبانيا)– وقع إتحاد عمال الساقية الحمراء ووادي الذهب إتفاقية تعاون وشراكة مع نقابة “LAB” الاسبانية، وذلك بمقر هذه الأخيرة بمقاطعة نابارا.  ووقع الإتفاقية عن الجانب الصحراوي، الأمين العام لاتحاد العمال سلامة البشير، وعن الجانب الإسباني الأمينة العامة السيدة كاربينيا. وتهدف الاتفاقية إلى تعميق مجالات التعاون مستقبلا بين المنظمتين.  وحضر التوقيع إلى جانب الأمين العام […]

أخبار الصحراء الغربية

16 أبريل / نيسان 2024

ولاية الشهيد الحافظ (الجمهورية الصحراوية)– قام اليوم الثلاثاء وفد تضامني ألماني بزيارة إلى مقر إتحاد الصحفيين والأدباء والكتاب الصحراويين، أين جمعته ورشة نقاش بمجموعة من الصحفيين والإعلاميين الصحراويين. وتمحور النقاش حول الطرق الكفيلة للمرافعة عن القضية الصحراوية بألمانيا في ظل التعتيم الإعلامي والابتزاز الذي يمارسه نظام الاحتلال المغربي على مجمل الدول الأوروبية. كما توسع النقاش […]