_ بقلم: شيخنا إبراهيم الأمين

تبخرت أحلام الشباب المغربي الذي خرج إلى شوارع ومدن وقرى البلد يوم 20 شباط (فبراير 2011) للمطالبة بالتغيير وعدم الجمع بين الثروة والسلطة وبإقرار العدالة والحريات والتوزيع العادل للثروات الوطنية، بيد أن دهاء الساسة الحقيقيون لا المزورون، كان أقوي من تجربة الشباب المغربي المطالب بالتغيير، إذ تعرضت أفكاره وشعاراته إلى القرصنة من قبل حزب سياسي يخلط بين الدين والسياسة لبلوغ شبه حكم، ويتقن جيدا فلسفة من أين تأكل الكتف.

ولعبت بعض الزوايا التي هي عبارة عن أحزاب سياسية سرية دورا خطيرا في وأد ثورة شباب الربيع العربي الأمازيغي بالمغرب.

فما هي أبرز مطالب الحراك الاحتجاجي الذي اجتاح المغرب زمن إذن؟ وهل من بارقة أمل لوقوع تغيير يعم مختلف ومناحي ومشارب الحياة بالبلد؟ وهل لازال الشباب يعتقد بإمكانية وقوع تغيير قبل نهاية العقد الجاري؟.

لماذا احتج المغاربة؟ وما هي أبرز مطالبهم؟

شهد المغرب حراكا احتجاجيا للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية عرف بالربيع العربي الأمازيغي، تزعمه شباب ملم بالشؤون السياسية وغير منخرط في الأحزاب السياسية التي تحولت إلى دكاكين سياسية فاقدة للمصداقية ولا تملك شرعية، وصارت وسيلة للإغتناء الفاحش والوصول إلى المناصب السياسية والكراسي الوثيرة الدافئة لا غير.

لذا لا ينخرط الشباب المغربي فيها، ويكره زعمائها الديكتاتورين الخالدون الملتصقون بكراسيهم. لأنها زاغت عن الغاية من وجودها، والتي يلخصها الفصل السابع من الدستور الذي يقول” تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية”.

تقول الأرقام الرسمية إن عدد الناخبين المسجلين 15 مليون و702 ألف و592 ناخبة وناخب، ثلثهم من الشباب؛ لم تتمكن جل الأحزاب المشاركة في العملية الانتخابية (اقتراع السابع من أكتوبر من العام الماضي) من إقناع سوى 43 في المائة من المسجلين في القوائم 6 ملايين و752 ألف و114 ممن صوتوا من أصل 15 مليون و702 و592 مسجل مما يقارب 26 مليون يفترض أن يكونوا ناخبين.

يبدو أن زعماء الأحزاب يكرهون ذكر الكلمات التالية: التناوب والديمقراطية الداخلية لذا يلتصقون بكراسيهم ويرفضون التنازل للشباب عن مناصبهم، ولضمان وجود رهط من الشباب داخل أحزابهم المترهلة للزخرفة لا غير، يقومون بكرائهم بمناصب وبعض المنافع لتدويخ المخزن والرأي العام.

أما المنظمات النقابية فقد تحولت إلى منظمات ديكتاتورية تأله أمنائها العامون وتقدسهم، مما جعلهم يرفضون أن يوجه إليهم أي نقد ويكرهون الديمقراطية وحرية التعبير ويعضون على مناصبهم بالنواجذ ويرفضون ترك مناصبهم التي أضحوا خالدين مخلدون فيها وتحولوا بالتالي إلى كائنات متحجرة متكلسة.

التصق زعيم نقابي بكرسيه مذ عهد الحماية وظل فيه إلى أن حيده الموت، وعلى نهجه صار نقابي آخر، إذ تشبث بكرسيه لأزيد من ربع قرن، ويرفض تركه رغم مرضه الشديد، وعلى خطواتهما سار آخرون، وسيقتدي بهم اللاحقون.
دفع انتشار الفقر والجهل وتدهور التعليم والصحة واستغلال ثروات البلد من طرف كمشة من ينعتون ب”الحيثان الكبيرة” و”القطط السمان”، الشباب المغربي إلى التظاهر للمطالبة بعدم الجمع بين الثروة والسلطة وبالتوزيع العادل للثروة الوطنية.

استنتج ريمي لوفو في كتابه الفلاح المغربي المدافع عن العرش، خلاصة مفاده أن” ثروات “المغرب النافع” ستظل تمثل مصدرا للنفوذ العائلي الأكثر بروزا”.
وعن الحراك الاحتجاجي الذي شهده المغرب، كتب الباحث فريد الزاهي في دراسة له تحت عنوان “حركة شباب 20 فبراير” ومشهد التغيير في المغرب” أن ” الحركة الاحتجاجية المغربية في المقام الأول، منتوج سوسيولوجي منغرس في النسيج الاجتماعي والثقافي والسياسي المغربي”. وأردف” لقد كان ربيع الديمقراطية العربي بما حمله من ميول وطقوس ثورية جديدة ومثيرة للانتباه وهي تهفو إلى تغيير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للشعوب المضطهدة منذ عقود، وهو بالذات ذلك العامل القوي الذي أربك وفجر الصمت المريب للصيرورة التاريخية للمجتمع المغربي”.

لذا اجتاحت البلد عدة تظاهرات سلمية منظمة بدقة عالية، طالب خلالها المتظاهرون “بإسقاط الحكومة وحل البرلمان والعفو الشامل عن المعتقلين السياسيين، مما جعل نظام الحكم ينحني للعاصفة ويتعامل بذكاء منقطع النظير مع الحراك، من خلال التمويه والإيهام بالاستجابة لبعض مطالبه .

أحلام موؤدة، ثمار منهوبة، أفكار مقرصنة.

تعرض الحراك المغربي لأكبر عملية قرصنة من قبل حزب يمزج الدين بالسياسة، وتم الالتفاف على مطالبه بعدم الجمع بين الثروة والسلطة وبالتوزيع العادل لثروة المغاربة، ولم تحقق أماني الشباب المغربي الحالم بالعيش الكريم وبالعدالة الاجتماعية وبالحرية.

وللتطبيل للدستور الذي وصف ب”الممنوح” من قبل المطالبين بالحريات والتغيير والكرامة، اعتمد النظام وحلفائه من أحزاب ونقابات وجمعيات مرضي عنها وزوايا، على الدعاية الإعلامية الرسمية والملقبة ب”المستقلة”، للإشارة لا توجد صحافة حرة ومستقلة في المغرب، هناك دعاية لا غير. إنه التطبيل والتزمير مقابل الدعم المالي.

تم تسخير”البلطجية” مقابل عمولات مالية سخية واستغل الدين لدغدغة عواطف المغاربة، الذين يسهل استغلالهم عندما يتم استعمال ورقة الدين، كما هو معروف تاريخيا. وأوحي لمن يزعمون أنهم “علماء” بإصداري فتاوى تدعو إلى التصويت على الدستور” الممنوح”، وأخيرا نطقوا بقدرة قادر وهم المعروف عنهم التزام الصمت وعدم الحديث إن ارتفع ثمن السكر أو الدخان. لا يسمح ل”علماء المخزن” بفتح فيهم إلا عند طبيب الأسنان فقط، والويل كل الويل لمن انتقد انتشار الفقر والبطالة وتدهور الصحة والتعليم واستغلال 10 بالمائة من علية القوم ل 90 بالمائة من خيرات البلد، سيطرد مباشرة أو يزج به في غياهب السجون.

لا أدري من أين حصلوا على لقب “علماء”، ربما سيصنعون القنبلة الذرية المغربية يوما ما. “علماء” لا يصنعون ولا يبدعون ولا ينتقدون ولا يكتبون أفكارا جديدة، يجترون ما خطه الأولون لا غير، عجبا عجبا أمر هؤلاء.

اتفق كل من الفاعلين السياسيين الحقيقيين وأغلب الأحزاب والزوايا والنقابات والجمعيات المرضي عنها بالبلد، على الوقوف في وجه الدعوات المطالبة بالتغيير والحريات والحقوق لحماية لمصالحهم، معتمدين على سياسة ميكيافيلية لصيانة الامتيازات التي ينعمون بها.

يهم القوى الدينية والسياسية والاقتصادية والأمنية الحفاظ على الأوضاع القائمة بالبلد، لضمان استمرار مصالحهم. لذا وقفوا في وجه الحراك مطالب بالتغير، وسيقفون في وجه كل مطالب بالحريات.

أمنية شباب الربيع المغربي في خبر كان !!!
حلم شباب حركة 20 فبراير بمغرب يعيش فيه المغاربة كمواطنين لا رعايا وتسود فيه الحريات ويكون القانون كالموت، يسري على الكل، بيد أن أعداء حقوق الإنسان والحريات كان لهم رأي آخر، وصارت بالتالي أمنية شباب الربيع المغربي في خبر كان.
تقهقر المغرب على مستوى حرية الصحافة واحتل المرتبة 131 من أصل 180 دولة، في الترتيب السنوي لمنظمة مراسلون بلا حدود، حول حرية الصحافة، وعدت المنظمة في تقريرها حرية الصحافة في المغرب بأنها” تبقى غير مستقرة”.

مهنة الصحافة في المغرب سائبة وغير منظمة، ولا تعد مهنة في البلد، نظرا للفوضى التي تسود القطاع.
بلغ عدد العاطلين بالمغرب حسب الأرقام الرسمية 1.169.000 شخص، وتقول المندوبية السامية للتخطيط أنه” خلال الفترة ما بين الفصل الأول من سنة 2015 والفترة نفسها من سنة 2016، ارتفع عدد العاطلين بـ12 ألف شخص، نتيجة زيادة بـ22 ألف في الوسط الحضري وانخفاض بـ10 ألف في الوسط القروي.

سجل حصول العديد ممن ينتمون إلى الحزب الذي يخلط الدين بالسياسة وجناحه الدعوي على مناصب شغل مباشرة بعد بلوغه إلى شبه حكم، بشكل ملفت للانتباه بالبلد.

وتقول المندوبية في تقرير آخر إن نسبة البطالة قد تراجعت” بنسبة 0.3 بالمائة خلال العام الماضي، إلى 9.4 بالمائة مقارنة مع 9.7 بالمائة للعام السابق عليه، حسب المندوبية السامية للتخطيط ، وأردفت أن “عدد العاطلين عن العمل انخفض على المستوى الوطني بـ43 ألف باحث عن عمل، إلى مليون و105 ألف حتى نهاية العام الماضي.

وبلغت نسبة البطالة لدى الإناث 10.9 بالمائة حتى نهاية العام الماضي، مقارنة مع 8.9 بالمائة لدى الذكور خلال نفس الفترة، حسب المندوبية.

يحلم المغاربة بأن ينعموا بالحريات والحقوق وأن يعترف بهم كمواطنين لا رعايا، بيد أن للفا عليين الحقيقيين رأي آخر.

قدمت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرا أسودا عن وضعية حقوق الإنسان في البلد، وقالت المنظمة “تضمن دستور المغرب لعام 2011 أحكاما قوية بشأن حقوق الإنسان، لكن هذه الإصلاحات لم تؤدي إلى تحسين الممارسات، أو إقرار تشريعات تطبيقية، أو مراجعة القوانين القمعية. في عام 2014، مارس المغاربة حقهم في الاحتجاج السلمي في الشوارع، لكن الشرطة استمرت في تفريقهم بعنف في بعض الأحيان. كما أن القوانين التي تجرم الأفعال التي تعتبر مسا بالملك، أو الملكية، أو الإسلام، أو مطالبة المغرب بالصحراء الغربية تقيد الحقوق في التعبير السلمي، والتجمع، وتكوين الجمعيات. وتواصل المحاكم إدانة وسجن المتظاهرين في الشوارع والمعارضين من خلال محاكمات جائرة”.

وعن الطفولة احتل المغرب المرتبة 73 دوليا في ما يخص وفيات الأطفال أقل من خمس سنوات ، وبلغ عدد الأطفال الذين يعانون من داء فقدان المناعة المكتسبة ألف طفل خلال 2014، وخيم الفقر على 11 في المائة منهم خلال الفترة الممتدة ما بين 2010 و2014، بحسب تقرير لمنظمة اليونسيف، ويردف التقرير الذي يدرس وضع أطفال العالم خلال سنة 2016 أن” ظاهرة زواج القاصرات انتشرت بنسبة 3 في المائة في صفوف الفتيات المغربيات اللواتي لم تتجاوز أعمارهن 15 سنة، و18 في المائة بالنسبة لمن لم تتجاوز أعمارهن 18 سنة، ما بين عامي 2008 و2014، فيما أكدت انتشار العمالة في صفوف الأطفال، بنسبة 9 في المائة من الأطفال الذكور، و8 في المائة من الإناث.

يقول صندوق النقد الدولي أن البلد تراجع في محاربة الفساد ونموه الاقتصادي أصبح مثقلا بالعبء. ويؤكد في تقرير له أن المغرب لازال متأخراً عن ركب البلدان النامية في بعض مجالات الإصلاح الأساسية، وخاصة فيما يتعلق بالفساد، حيث تراجعت المملكة في مكافحته بحوالي 25 بالمائة خلال الفترة المتراوحة بين سنتي 2008 و 2016.
انتصر تحالف الفساد والاستبداد على شباب الربيع العربي الأمازيغي بالمغرب، بدعم من المنتفعين من كعكة خيرات البلد، وتم الالتفاف على مطالبه المتجلية في ملكية برلمانية ودستور ديمقراطي نابع من الشعب المغربي، وعدم الجمع بين السلطة والثروة وإبعاد رموز الفساد عن الحياة السياسية.
في المغرب، تصدح حناجر المتظاهرين بشكل يومي برفع عدة مطالب منها:

التحقيق في فساد الساسة وتبديدهم لأموال دافعي الضرائب، وإسقاط متابعة المعتقلين السياسيين والناشطين الحقوقيين، وإجراء تحقيقات في تعرض صناديق الحماية الاجتماعية والمتقاعدين للنهب من طرف ما ينعتون ب”أخطبوط الفساد” بالبلد، وتقليص أجور البرلمانيين والوزراء السمينة وإلغاء تقاعدهم المريح، وإلغاء الامتيازات المخصصة لمن يسمون ب” خدام الدولة” والموظفون السامون، وتحسين خدمات الصحة والتعليم والسكن للمشردين والفقراء.

مواضيع من نفس الفئة

سذاجة لقجع أم سخرية القدر؟

21 أبريل / نيسان 2024

العلاقات الجزائرية-الروسية تتجاوز التعاون العسكري

20 يناير / كانون الثاني 2024

ندوة الإعلام.. إستفاقة أم تكريس للفشل؟

31 ديسمبر / كانون الأول 2023

تاريخ حافل بالمتاجرة والمقايضة السياسية المشبهوة.. ماذا تخفي زيارة محمد السادس إلى ...

17 ديسمبر / كانون الأول 2023