مريم الحسان: لطالما حملتُ في داخلي هموم شعبي ورسالة قضيتي

23 أغسطس / آب 2015 - آخر تحديث 28 سبتمبر 2015 / 18:07

   التعليقات 0

إكراماً لروح فقيدة الشعب الصحراوي، الراحلة مريم الحسان، ولإطلاع القارئ الكريم على مناقب المرأة، يُعيد “الصحراوي” نشرَ مُقابلة أجراها الكاتب والصحفي الصحراوي الدّدْ مُحمّدنا، معها لموقع “اتحاد الصحفيين والكتاب الصحراويين”، يعود تاريخها إلى 11 أبريل 2004؛ هذا نصها الكامل:

مريم الحسان صوت قوي ومتميز ومقاوم، صوتٌ حميمي صاغتهُ مسارات نضال شعب بأسره، عاصرت لحظات ميلاد الأغنية الوطنية الصحراوية فكانت من الذين أسسوا لهذا الفن وأرسوا دعائمه.. استطاعت بعد جهد جهيد أن توصل رسالة الفن إلى الأجيال الصاعدة في وقت شهدت فيه الثقافة وأهلها انكماشا لا نظير له؛ غنت لثورة شعبها كما غنت لقضيتها، ألهبت حماس أبطال الانتفاضة الصحراوية فصارت كلماتها شعارا لكل من يسعى إلى التحرر من قيود الاحتلال.. سعينا إلى لقائها فلبتْ دعوتنا بصدر صحراوي رحب، فكان لزاماً علينا بعد ذلك أن نحوز على موافقة دار التسجيل العالمية Nubenegra التي يربطها عقد عمل مع الفنانة، فسمحت لنا دار التسجيلات دون عناء يُذكر، فكان لنا مع الفنانة مريم الحسان الحوار التالي:

ـ الفنانة القديرة مريم الحسان غنية عن التعريف، خاصة وأن اسمك ارتبط بصورة فعلية بقضية الشعب الصحراوي؛ حتى أنك حزت وبفخر على لقب “صوت الشعب الصحراوي”، هل يمكن أن تحدثي القارئ الكريم عنك وعن بداياتك في مجال الفن والأغنية؟

ـ مريم الحسان: بداية لابد من القول أنني نشأت في عائلة صحراوية محافظة تهتم بالتراث والشأن الثقافي، فكانت أمي تلقنني أصول الغناء والموسيقى الحسانية، وكانت تعلمني جزئيات التراث الصحراوي بمختلف أنواعه؛ أما بداياتي مع الفن بصفة عامة فقد كانت منذ نعومة أظافري، آنذاك بدأتُ أتعلم فن الغناء وأتعاطاه بشكل بسيط وعفوي؛ أتذكر أنني كنت أجتمع وصديقاتي أيام “الفركَان” في البادية، نتجمع حول الطبل أو ما شابهه ونشرع في ترديد الأشوار والأمداح النبوية، وأعترف أن هذا الجو خلق لدي إحساساً شديداً وميلاً لا حدود له تجاه الفن والأغنية بشكل خاص؛ فالإنسان إذا كان يملك إحساساً وميلاً تجاه شيء ما، ويعمل في ذات الاتجاه، لابد أن يصل يوماً إلى مبتغاه.

ومع بدايات الثورة، أي في مستهل السبعينيات، بدأتُ أتعاطى فن الأغنية بشكل مختلف عما كنت عليه في السابق، فقد كنت أرددُ الأشوار التقليدية، ولكن بكلمات جديدة تحمل مضامين الثورة ونبذ الاستعمار والتكالب على وطننا، ففي تلك الفترة ظهرتِ الأغنية الوطنية الثورية وكانت تغنى في المناسبات والأفراح والأعياد، كما ظهر الشعر الشعبي الوطني كذلك؛ وقد كانت هذه التجربة على بساطتها تمهيداً لتجربة أخرى بدأتْ في مخيمات اللاجئين، وتحديداً بولاية السمارة، حينها كنت أعمل ممرضة كما كنت أشارك في المنافسات والمناسبات، فكان أول ظهور لي على الركح في الذكرى الأولى لإعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وتوالتْ مشاركاتي بعد ذلك وتعززت في الذكرى الثانية لإعلان الجمهورية، حيث تم استدعائي للانضمام لفرقة الشهيد الولي مصطفى السيد الوطنية فتألقتُ حينها بأغنية “ياللالي مذا اطرالي”، وهي أغنية جميلة لاقت استحساناً منقطع النظير، ويتمحور موضوعها حول تكالب جيراننا واحتلالهم لأرضنا.

ـ ماذا لو تحدثينا حول أهم المراحل والأشواط التي مرت بها الأغنية الوطنية الصحراوية، لاسيما وأنك كنت من الرعيل الأول الذي حمل مشعل هذا الفن أيام فرقة الشهيد الولي مصطفى السيد منتصف السبعينيات كما اسلفتِ وفي الثمانينيات فيما بعد؟

ـ مريم الحسان: كانت بدايات الأغنية الصحراوية بسيطة ومتواضعة، والسبب في ذلك يرجع بالأساس إلى تواضع التجربة من جهة، وتواضع الوسائل والآلات الفنية من جهة أخرى؛ فعلى سبيل المثال لم نكن نمتلك أبسط الآلات الموسيقية، وهي الطبل، ناهيك عن بقية الآلات الأخرى بما فيها الميكروفونات ومكبرات الصوت، وبمعنى محدد ودقيق أننا كنا بدأنا مشوارنا من الصفر، وذات الحال ينطبق على عملنا أثناء التلحين والتدريب والتحضير إلى غير ذلك، وعلى النقيض من ذلك فقد كان الشعر الشعبي الثوري حاضراً ومتداولاً، وكان داعماً لمسيرة الأغنية ومساعداً دافعاً لها، فكان هناك شعراء كثيرون أذكر منهم لا على سبيل الحصر بَيْ ابّوهُ والبَشير ولد أعلي وعَلال ولد الدّافْ والخظرة منت المبروك.

في هذه الفترة كان لي شرف معرفة هؤلاء الشعراء وعلى أعضاء فرقة الشهيد الولي من فنانين وموسيقيين، وقد كانت هذه الفرقة مثالاً حياً للفن الصحراوي الملتزم والواعي بمضمون رسالته، وكان المسؤولون على الفرقة قدوة في التفاني والاخلاص والعمل الدؤوب؛ فمن خلال معرفتي بكل هؤلاء واحتكاكي بهم بدأتُ أتعلم أسس وقواعد الفن السليمة، حيث أنني لم أكن قبل ذلك على علم بأصول وقواعد الموسيقى والألحان، وقد أهلتني هذه التجربة إلى ظهوري الفعلي، والذي لازلتُ أذكره وأعتز به، وقد كان ذلك في الذكرى الثانية لإعلان الجمهورية كما أسلفت من قبل، وبصفة عامة فإن الأغنية الصحراوية الوطنية كانت قطعت في تلك المراحل أشواطاً متقدمة، كما أنها مرت كما مررنا بظروف عصيبة وشاقة أشبه بالولادة القيصرية، وشهدت تلك الفترة ميلاد الأغنية الوطنية الحديثة المستمدة من المقامات الموسيقية الصحراوية الأصيلة، فكانت بالنسبة لنا وبالنسبة لمجتمعنا نقلة نوعية نحو التأسيس لفن صحراوي وطني خالص ينحو إلى التفرد والخصوصية. ولا يمكنني بأي حال من الأحوال أن أنسى أو أتناسى ما كنا مررنا به نحن اللواتي حملنا مشعل الفن والأغنية الصحراوية من مصاعب في تلك الأثناء، فقد عانينا الأمرين بسبب تسلط العائلة والمجتمع وبسبب النظرة الضيقة والمتخلفة عن المرأة وعملها خاصة في مجالات الفن والظهور في الاحتفالات والمناسبات، وهي عقلية للأسف مازالت تعشش في أذهان الكثيرين منا حتى هذه الأيام.

ـ في مسيرتك الفنية الطويلة والشاقة كنتِ تسعين دائما إلى التميز والتفرد دون الخروج عن مقومات العمل الفني الغنائي الصحراوي الأصيل، وهو ما أهلك في رأيي للاحترافية وجعل الأغنية الصحراوية تتبوأ مكانة رفيعة لدينا كصحراويين ولدى الآخرين كذلك. ماهي أسس العمل الاحترافي في رأيك، وكيف للأغنية الصحراوية بكافة أنواعها أن تنهج نفس النهج؟

ـ مريم الحسان: بصراحة نحن لا نمتلك أدنى فكرة عن الاحتراف بمعناه الواسع، كما أننا نفتقد حسَّ الاهتمام بجانبنا الثقافي والانتقال بفننا وثقافتنا من التقوقع والانكماش باتجاه الظهور والعالمية، وأتأسف كثيرا وأتحسر لأن الكثيرين من فنانينا وحاملي لواء الأغنية الصحراوية، وإن كانوا يحملون في دواخلهم هذه الأفكار ويسعون إلى تجسيدها في الواقع، إلّا أنهم لم يستطيعوا تحقيق مبتغاهم، ولذلك أسباب متعددة أبرزها عدم مساعدتهم ومؤازرتهم وتشجيعهم. كل هذا يحدث رغم أن ثقافتنا الصحراوية أصبحت معروفة في الصين وشتى بقاع العالم، فقد شاركتُ ـ ولا أمتدح نفسي هنا وإنما أتحدث بلسان حال الفنانين الصحراويين ـ شاركتُ في العديد من المهرجانات الدولية لغرض تقديم فنانينا وإيصال فننا وتراثنا للآخرين، وأبرز هذه المهرجانات كان مهرجان الجاز بألمانيا، وملتقى الثقافات العالمية ببرشلونة بإسبانيا، ومهرجان جاليات العالم بإسبانيا كذلك، وفي بريطانيا وغيرها. وقد كانت هذه المحطات فرصة لتمثيل القضية الصحراوية بالدرجة الأولى، كما أنها فرصة للاحتكاك بالخبرات العالمية المتمثلة في الفنانين وصناع الفن، وفي هذه المهرجانات والفضاءات كنا نلتقى بفنانين ومنظمين ومتعهدي حفلات من المغرب سعوا في الكثير من الأحيان إلى تدعيمنا والوقوف إلى جانبنا فهم هؤلاء، كما أننا كنا نتعرض لبعض المضايقات التي لا ترقى إلى مستوى الذكر.

على هذا النحو تولد وتتعزز المسيرة الاحترافية لأي فنان، أما بالنسبة لي فقد بدأتْ مسيرتي الاحترافية في العام 1998، ولابد في هذا المقام أن أشكر عميق الشكر دار التسجيلات العالمية Nubenegra التي فتحت لي الأحضان ودعمتني كما دعمت غيري. ويمكن القول بأن الفن المحترف يفتح أبواباً يستعصي على السياسة فتحها ويمهد الطرق للتعريف بتراثنا وتبليغ رسالتنا النبيلة. فمن خلال تقديم فننا التقليدي الذي يعبر عن هويتنا وأصالتنا وعمقنا التاريخي استطعنا أن نحظى بمعرفة وتأييد الآخرين لنا ولقضيتنا، وقد ارتبطت مع Nubenegra بعقود متواصلة عززت مسيرتي الفنية الاحترافية التي تدعمتْ بالتسجيلات التي سجلناها معاً والتي عرفت رواجاً كبيراً من خلال الدعاية لها وتسويقها، وللأمانة فإن هذه الدار سمحتْ لي في كل العقود التي وقعتها معها بتمثيل الثقافة الصحراوية، كما أنها وفرت لي الدعم الموسيقي والدعائي لصالح الفن والثقافة الصحراوية.

ـ هل يمكن الخوض بنوع من التفصيل في ملامح هذه تجربتكِ الاحترافية؟

ـ مريم الحسان: كما أسلفت فقد بدأت هذه التجربة في نهاية التسعينيات، آنذاك سجلت بمعية فنانين صحراويين مقتدرين مجموعة من الأغاني الوطنية بالتعاون مع دار تسجيلات فرنسية، وكان لي أمل في أن يرى هذا التسجيل النور وأن يتم توزيعه ووضعه في الأسواق، لكن هذا المشروع لم يحالفه الحظ. بعد ذلك بفترة وجيزة قمنا بإجراء تسجيلات مماثلة علمنا فيما بعد أنه تم تداولها وظهرت في الأسواق دون علمنا أو موافقتنا.

بعد هذه التجربة ارتبطت بعقد مع Nubenegra سجلت خلالها عدة ألبومات ناجحة ورائجة، وتعود جذور هذا الارتباط إلى المهرجان الثقافي الدولي الأول بولاية السمارة، وتحديداً في العام 1998، أين وقعت هذه الدار عقداً مع وزارة الثقافة تقوم فيه الوزارة بدور الوسيط بين الفنانين ودار التسجيلات، وقد وقعنا نحن مجموعة من الفنانين على عقود مماثلة رغم جهلنا لمحتواها وكيفية سير العمل بموجبها. المهم في كل ذلك أنه كانت لـ Nubenegra بموجب هذا العقد جولة عبر المخيمات لإجراء بعض التسجيلات، وقد مرت هذه الجولة بالعديد من المصاعب سواء بالنسبة لطاقم Nubenegra أو بالنسبة لنا كفنانين، وكان من نتاج هذه الجولة مشاركتي في العديد من المهرجانات خارج الوطن أبرزها كان في السويد، كما كانت لي تجربة جديدة مع الفنان الاسباني  Luis delgad، فسجلت معه ألبوماً يتضمن أغاني من التراث العربي الأندلسي. ولابد هنا من الإشارة إلى أن هذه المرحلة على ثرائها وزخمها كانت قد مرت بصعوبات كبيرة تمثلت في صعوبة التنقل والحصول على تأشيرات الخروج إلى غير ذلك.

وفي نهاية سنة 2002 قررتُ المكوث في إسبانيا مع مجموعة من الفنانين، وقد سجلنا حينها شريطا عنوانه “المدح”، وضم التسجيل مجموعة هامة من الأغاني التقليدية الصحراوية وأمداح الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي العام 2004، وبعد النجاح الذي حققتُه في محطات فنية مختلفة بإسبانيا، اتجهت إلى الغناء بمفردي بصحبة عازفين صحراويين، وشرعت في التحضير لألبومي الأخير “أحلام”. ولم يكن التحضير لهذا الألبوم في الواقع بالأمر الهين لكننا رغم ذلك سعينا إلى التغلب على كل الصعوبات التي كانت تعترضنا، وقد كنت حينذاك أصارع مرض سرطان الثدي، وتقرر أن أجري عملية لاستئصاله في الوقت الذي كنت أرتبط فيه بعدد من المواعيد الفنية منها المشاركة في جولة فنية في بلجيكا وسهرة خاصة للتبرع لفائدة الأطفال الصحراويين بـ Guadalajara وغيرها. وفي نهاية المطاف تم تسجيل ألبوم “أحلام” قبل جولة بلجيكا بفترة وجيزة، كما تم إلغاء بعض المواعيد.

ـ غنيتي للشهداء وللسلام، وغنيتي للشعب وللقضية الصحراوية بمختلف صورها وللانتفاضة كذلك، ماهي رسالة الفن في رأيك؟

ـ مريم الحسان: خلال مسيرتي الفنية، ومنذ أن بدأتُ الغناء والتلحين وأينما حللت وارتحلت، لطالما حملت في داخلي هموم شعبي ومشاغل أهلي ورسالة قضيتي، فالفن برأيي هو الوعاء الحامل لرسالة الفنان ولهموم القضية وهو المشجع والمحفز، ولا يختلف اثنان على أهمية الرسالة الفنية لما للفن من دور في تبليغ هذه الرسالة، ولما لهذه الرسالة من دور في تقوية الفن وإعطائه قيّمه وأبعاده الحقيقية، وهذا ما يؤهل الأغنية بصفة خاصة، من خلال كلماتها القوية وموسيقاها المركبة ومن خلال صوت الفنان وأدائه المتقن، إلى إيصال رسالتها بشكل سريع ومستحسَن. فيمكن القول أن الأغنية بمثابة أداة إعلامية قوية الحضور والتأثير، ولذلك فقد حملت الأغنية الصحراوية هموم الثكالى وجراحات الحرب ومعاناة اللجوء، كما أنها كانت عامل تحفيز وتشجيع للمقاتلين وبلسماً للمعتقلين وأولياء المفقودين وعوناً ودافعاً للمنتفضين في وجه عنجهية القمع والاحتلال.

لقد سعيتُ دائماً إلى حمل مشعل القضية الصحراوية بمختلف صورها ومراحلها من خلال أغنياتي، ولك أن تتذكر أغنية الانتفاضة، هذه الملحمة الرائعة والخالدة والتي ما زلتُ أرددها أينما حللت، والتي شكلت دعماً وقوة لأهالينا المنتفضين في المناطق المحتلة، فقد ولدتْ هذه الاغنية من رحم الانتفاضة، وفي ظرف ساعة من الزمن استطعتُ بمعية الفنانة القديرة أم ادليلة لحزام، والشاعرين الفحلين بَيْ اَبّوهْ والبَشير ولد أعلي، وشقيقي الفنان بَيْكَة، أن ننجز هذا العمل لنؤازر به شبابنا وأهالينا بالمناطق المحتلة ولنشحذ عزائمهم ونلهمهم الصبر ومواصلة الدرب.

ـ من خلال ما تقدمتِ به لابد لنا من الوقوف على الراهن الثقافي، كيف ترين راهن الثقافة الصحراوية، وكيف يمكن لثقافتنا أن تستعيد مجدها كما في السابق وتتجه بخطى واثقة نحو التطور والارتقاء والاحترافية؟

ـ مريم الحسان: الثقافة معنى واسع وفسيح، وإذا أخذناها بالمعنى المراد طرقه يُمكن القول بأنها كانت تتجه بخطى ثابتة نحو التجسد والتطور، لكنها في فترة ما فقدت توازنها واندثرت بعض معالمها وربما أجزم بأنها تراجعت بشكل ما إلى الوراء، وأصبحت الثقافة عندنا تقتصر على المناسبات العائلية بصورة جلية وفاضحة، فإذا رجعنا قليلاً إلى ذكريات الماضي نجد جواً ثقافياً غنياً وزاخراً، فنتذكر المسرح وفنونه، ونتذكر المهرجانات الخاصة بفن الأغنية بصنوفها المختلفة، كما نتذكر المنافسات في جوانب فنون الأدب الشعبي والفصيح، كما كان الفن التشكيلي حاضراً بقوة، وقد تراجع كل ذلك وتضعضع شيئاً فشيئاً، اللّهم ما بقي من محاولات لا تتعدى الحصر، ولي أن أذكر هنا الحضور والتطور الذي شهده الشعر الشعبي الوطني والدور الكبير الذي لعبه الشعراء الصحراويين في تعبئة الشعب والتأريخ للثورة وأمجادها وشحذ الهمم ورص الصفوف، فمن خلال برنامج “في رحاب الثقافة والأدب الشعبي” الذي بدأ في شكل دروس تعليمية لمبادئ وقواعد الشعر والموسيقى الحسانية، لكنه تطور وأخذ اتجاهاً متقدماً، من خلال هذا البرنامج شاعتِ القصيدة الوطنية وأضحت تتردد على الألسن، كما خلق هذا البرنامج جواً ثقافياً لا مثيل له.

ما أتمناه من كل أعماقي أن تعود ثقافتنا إلى سابق عهدها، وأن يحقق كل الفنانين مبتغاهم، وهي لعمري مسؤولية تقع على عاتق المثقفين والفنانين، وعلى عاتق الجهات المعنية بالقطاع الثقافي، كما أنها مسؤولية المجتمع كذلك، ولابد من الإشارة هنا إلى أنه ليس من العيب أن يعمل الفنان في اتجاه تلبية متطلباته الخاصة وتحسين مستواه المادي، لكنه ملزم ومطالبٌ بالمساهمة في الحفاظ على الثقافة الصحراوية ودعمها وترقيتها في المقام الأول، وربما لن يتأتى ذلك إلّا بدعم الفنانين والمثقفين وخلق مناخ ثقافي متحرك ومتحرر، وخلق نوادٍ ثقافية في الولايات والدوائر لاحتضان الفنانين والمثقفين ولاكتشاف المواهب، وعلى المجتمع أن يساهم في دعم الذين يحملون لواء ثقافته ويسعون إلى تخليص تراثه من الاندثار والتلاشي.

ـ في المجال الثقافي دائماً، هل تعتقدين أن المؤسسات الثقافية والاعلامية لدينا تقدّرُ الفنان ودوره وتساعده كما ينبغي؟

ـ مريم الحسان: لا أود هنا الحديث عن نفسي وإنما أتحدث عن كل فنان صحراوي؛ ففي واقع الأمر فإن فنانينا عانوا ويعانون، رغم ما قدموه من تضحيات جسام، من واقع صعب ومجحف، ويصل هذا الواقع إلى حد الإهمال من طرف كل الجهات، سواءٌ الثقافية أو الإعلامية. إن قيمة الفنان والفن لدى الآخرين تكمن في اعتباره حافظاً ومدافعاً عن ثقافة المجتمع والقضية، أي قضية كانت، أما عندنا فالأمر مختلف تماماً، فلو أننا أعطينا للفنان وللفن وللثقافة هذه القيمة، معنوية وليست مادية، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن. أقول ذلك وكلي أملٌ في أن تأخذ التغيرات الأخيرة في عين الاعتبار وضع الثقافة والفنان على حد سواء.

ـ في أعمالك المختلفة تبدو سمات العمل الدؤوب والجاد، كما أنه يُوحي بأن طاقماً كبيراً يقفُ وراء هذه الأعمال. هل يمكن أن تضعينا بشكل مختصر في صورة تحضير أعمالك، وهل من جديد في الأيام المقبلة؟

ـ مريم الحسان: يقول المثل الحساني “مَا خَالْكَة رَيْظَة مَا دُونْهَا جَدْبَة”، فما أقدمه من أغنيات يقتضي الكثير من التحضير المتعب والتضحية حتى يخرج بصورة كاملة ونهائية. فمن التلحين ووضع الكلمات إلى تركيب الأصوات وترتيب المقاطع الموسيقية، مُروراً بالتسجيل وإعادة التسجيل، إلى غير ذلك، نبذل الكثير من الجهد يصل إلى حد الإعياء والارهاق، كما أن هذه العملية قد تستغرق أياماً طويلة. وقد عملت خلال أعمالي مع طاقم معتبر من الفنانين والموسيقيين المقتدرين، خاصة في عملي الأخير “أحلام”، عملتُ مع شهيد الفن الصحراوي بَابَا سلامة وشقيقي بَيْكَة الحسان، والفنان فَكّو، وبمشاركة الراقصة الكبيرة فَدِّيهَة منت الشّيْنْ، والفنانة فَتة منت صَدّفْ، وهو طاقم لازم العمل معي طوال السنوات الأربع الأخيرة. أما في الفترة الحالية فيُشاركني العمل والتحضير موسيقيون إسبان بالإضافة إلى العازف الصّالَحْ حَيْدة.

أما فيما يخص جديد أعمالي، فأنا أحضر الآن للمشاركة في مهرجان “كوبا ديسكو” بكوبا في شهر ماي المقبل، كما أنني سأحيي حفلاً فنياً في منتصف هذا الشهر في valladulid وآخر في Malaga يوم 25 من هذا الشهر، وفي شهر ماي المقبل وتحديداً في 17 منه لدي موعد فني ببرشلونة، وفي شهر أغسطس من هذا العام سأحيي عدة سهرات على هامش 2008 Expo Zaragoza، كما أنني منكبة على التحضير لألبوم جديد يضم في ثناياه أغنية تتغنى بالأطفال اليتامى في العالم، وأخرى حول الهجرة والمهاجرين، ويمر تحضيري لهذا التسجيل بصعوبات لعل أبرزها قلة العازفين الصحراويين، لأنه ولظروف معينة، خاصة ظروف الغربة ومصاعبها تعذر على الذين عملوا معي سابقاً مواصلة العمل في هذه الفترة، هذا إضافة إلى أن العازفين الإسبان عديمي الخبرة بالموسيقى الصحراوية التقليدية.

ـ هل من كلمة أخيرة تتوجين بها هذا الحوار؟

ـ مريم الحسان: لطالما تمنيتُ وحلمتُ واستشرفتُ بالاستقلال التام لوطننا العزيز وجمع شملنا بأهالينا وذوينا وأبناء وبنات بلدنا في الأرض المحتلة وفي شتى بقاع العالم، ولطالما تمنيتُ كذلك من كل قلبي أن تعود ثقافتنا إلى عهدها الزاهر، وأن يصل كل فنانينا ومثقفينا إلى مبتغاهم، وأحثهم من خلالكم على العمل المتواصل والدؤوب في شتى مجالات الثقافة والانتاج والإبداع والتدوين لكي تصل ثقافتنا إلى كل أرجاء المعمورة، ولكي تطأ أقدام فنانينا ومبدعينا فضاءات ومحافل العالم. فتحية خالصة إلى كل الذين يحملون هم الثقافة الصحراوية، دون أن ننسى الصحفيين الصحراويين وكل مواقع الفعل الإعلامي، فلهم مني تحية خاصة مفعمة بالود والتقدير.

كما أنني أرجو من العلي القدير أن يجمعني بأخوتي وأن أعيش لحظات عمري المقبلة بين ظهرانيهم، وأدعو الله أن ألتقي بولدي، فلذة كبدي، الذي يدرس بكوبا. وأتمنى لكل النساء الصحراويات اللواتي يُعانين من محنة سرطان الثدي الشفاء والتغلب على مصاعب المرض رغم قلة الأدوية وانعدام المستلزمات الطبية.

وفي الأخير أسَخرُ صوتي وجهدي وفني، كما سخرته دائماً، لكل أولئك الذين يُقاسون ويلات الاعتقال وظلمات سجون الاحتلال ولجماهير شعبنا الصامدة في المناطق المحتلة ولشبابنا المنتفض الرافض لتسلط وقمع الغزاة ولكل الشعب الصحراوي المناضل.

وأشكركم أنتم حاملي لواء الصحافة، سواءٌ في موقع اتحاد الصحفيين والكتاب الصحراويين أو في جريدة الصحراء الحرة أوفي موقع الانتفاضة المجيدة.

أحدث الإضافات

أبرز الأخبار

17 أبريل / نيسان 2024

نيويورك (الأمم المتحدة)– تحت رئاسة مالطا، عقد مجلس الأمن أمس الثلاثاء مشاورات مغلقة حول بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) تماشياً مع القرار 2703 (2023) الذي تبناه مجلس الأمن في 30 أكتوبر 2023. وكان مجلس الأمن قد طلب في قراره من الأمين العام أن يقدم إحاطات إلى المجلس على فترات منتظمة، وكذلك في […]

أخبار الصحراء الغربية

17 أبريل / نيسان 2024

ولاية الشهيد الحافظ (الجمهورية الصحراوية)– نظمت وزارة الصحة الصحراوية، عبر قسم الإعلام والتحسيس، يوما تكوينيا، لفائدة المشاركين في مبادرة “الإتصال من أجل تغيير السلوك”. وخصص اليوم التكويني لكيفية إعداد الحملات التحسيسية وأساليب الاتصال المتاحة في سبيل إيصال الرسالة الصحية، وكذا تزويد المشاركين في الحملات التحسيسية المزمع القيام بها  بالتقنيات الأساسية في مجال الاتصال والتواصل والتفاعل […]

أبرز الأخبار

17 أبريل / نيسان 2024

عيتا الشعب (جنوب لبنان)– صعّد جيش الإحتلال الصهيوني، اليوم الأربعاء، من عملياته العسكرية على بلدات جنوب لبنان عقب استهداف حزب الله بالصواريخ والمسيّرات مركزا قياديا إسرائيليا في بلدة العرامشة بالجليل الأعلى، أسفر عن إصابة 14 جنديا. وقال جيش الإحتلال الصهيوني إنه قصف أهدافا عدة تابعة لحزب الله جنوبي لبنان، مضيفا أنه استهدف مصدر إطلاق الصواريخ التي قصفت شمال إسرائيل. […]

أبرز الأخبار

17 أبريل / نيسان 2024

تل أبيب (إسرائيل)– أثار إعلان أحد الناجين -ممن شاركوا في حفل نوفا الموسيقي في منطقة غلاف غزة تزامنا مع انطلاق معركة “طوفان الأقصى”- عن انتحار 50 ناجيا إسرائيليا تفاعلا على نطاق واسع بين الإسرائيليين. جاء ذلك خلال جلسة استماع عقدتها لجنة الرقابة في الكنيست الإسرائيلي -أمس الثلاثاء- وشارك فيها عدد من الناجين من الحفل الموسيقي، حيث تحدثوا […]

أبرز الأخبار

16 أبريل / نيسان 2024

الجزائر– استقبل الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، اليوم الثلاثاء بالجزائر العاصمة، الرئيس الصحراوي-الأمين العام لجبهة البوليساريو، إبراهيم غالي. وحضر اللقاء، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري، الفريق أول السعيد شنقريحة، ومدير ديوان رئاسة الجمهورية الجزائرية، بوعلام بوعلام.وعن الجانب الصحراوي، كل من الوزير المستشار للشؤون الدبلوماسية، محمد سالم ولد السالك، رئيس أركان جيش التحرير الشعبي الصحراوي، […]

أبرز الأخبار

16 أبريل / نيسان 2024

تنريفي (جزر الكناري)– إحتضنت جامعة “لالاغونا” بجزيرة تنريفي الكنارية عرض الفيلم الوثائقي “وني بيك” للمخرج الجزائري، رابح سليماني، الذي حاز على جائزة مهرجان السينما “فيـ-صحرا” في نسخته الماضية، والذي يتحدث عن كفاح الشعب الصحراوي وقضيته العادلة. الفيلم يأتي في إطار سلسلة الأنشطة التي تنظمها جمعية الوفاق للجالية الصحراوية بتنريفي شهر أبريل الجاري والتي تهدف إلى […]

أبرز الأخبار

16 أبريل / نيسان 2024

بمبلونة (إسبانيا)– وقع إتحاد عمال الساقية الحمراء ووادي الذهب إتفاقية تعاون وشراكة مع نقابة “LAB” الاسبانية، وذلك بمقر هذه الأخيرة بمقاطعة نابارا.  ووقع الإتفاقية عن الجانب الصحراوي، الأمين العام لاتحاد العمال سلامة البشير، وعن الجانب الإسباني الأمينة العامة السيدة كاربينيا. وتهدف الاتفاقية إلى تعميق مجالات التعاون مستقبلا بين المنظمتين.  وحضر التوقيع إلى جانب الأمين العام […]

أخبار الصحراء الغربية

16 أبريل / نيسان 2024

ولاية الشهيد الحافظ (الجمهورية الصحراوية)– قام اليوم الثلاثاء وفد تضامني ألماني بزيارة إلى مقر إتحاد الصحفيين والأدباء والكتاب الصحراويين، أين جمعته ورشة نقاش بمجموعة من الصحفيين والإعلاميين الصحراويين. وتمحور النقاش حول الطرق الكفيلة للمرافعة عن القضية الصحراوية بألمانيا في ظل التعتيم الإعلامي والابتزاز الذي يمارسه نظام الاحتلال المغربي على مجمل الدول الأوروبية. كما توسع النقاش […]