هل يمكن أن يكون الاقتراض حلًا لمشاكل الاقتصاد؟ على الأقل هذا ما تعتقده حكومة المغرب، التي فتحت خط سيولة مباشر مع البنك الدولي، تستعمله في كل مناسبة تعجز فيها الدولة عن تدبير شؤونها، دون الاكتراث بتداعيات السير في طريق المديونية الخارجية، أو حتى مراعاة كيف سيسدد المغرب ديونه المهولة، التي تتضخم يومًا بعد يوم.
المغرب يغرق في الديون
وصل الرقم الجديد الذي حطمته الحكومة المغربية في تاريخ الديون الخارجية، إلى 300 مليار و826 مليون درهم، حسبما جاء في معطيات حديثة لمديرية الخزينة والمالية الخارجية.
كان الدين المغربي خلال 2011، قبل تقلد الحكومة الحالية مسؤولية التدبير، في حدود 189 مليار و108 مليون درهم، ليبدأ حينها الخط التصاعدي للديون، حيث انتقلت الديون في العام الموالي من تعيين الحكومة إلى 213 مليار و 713 مليون درهم، أي بزيادة 23 مليار و 605 مليون درهم. ثم تواصلت بعدها الزيادات الصاروخية في استلام القروض حتى بلغت 296 مليار درهم خلال 2014، لتصل حاليًا إلى ما يقارب 31 مليار درهم.
وبذلك غدا المغرب البلد الأكثر مديونية على الصعيد العربي والإفريقي، محتلا الرتبة 29 فيالتصنيف الحديث لمعهد «ماكنزي» الأمريكي، الذي يرصد البلدان الأكثر استدانة في العالم. كشف المعهد أيضًا أن مجموع الديون الخارجية للمغرب التي تشمل ديون الدولة، والقطاع الخاص، أصبحت تمثل 136 في المائة من الناتج الداخلي الخام، متقدمًا بـ20 نقطة في الناتج الداخلي الخام خلال الفترة الممتدة بين 2007 و2014.
الحدود القياسية التي وصل إليها الدين الخارجي المغربي، يجعل المندوبية السامية للتخطيط تدق ناقوس الخطر وتحذر من أن البلد قد دخل في المنطقة الحمراء على مستوى المديونية.
لكن هذا لم يمنع المغرب من مواصلة سياسة الاقتراض، إذ يفيد موقع بديل أن حكومة عبد الإله بنكيران هي بصدد التفاوض مع البنك الدولي من أجل استدانة 200 مليون دولار، خصيصًا لمواجهة مخاطر الكوارث الطبيعية.
تجدر الإشارة إلى أن فوائد الديون غير محسوبة في كل الأرقام التي ذكرناها، والتي قدرتها وزارة الاقتصاد والمالية بـ 3,6 مليار درهم الخاصة بدين 2015 فقط. وقد كلفت الفوائد في الفترة ما بين 2007 و2012، ما يناهز 103 مليار درهم، مثلما ذكرت منظمة «أطاك». ولك أن تتصور أيها القارئ مقدار الفوائد المتراكمة بعد أن زاد معدل الدين بمائة مليار درهم منذ تلك الفترة، وسيستمر تراكم الفوائد طالما لم يسدد الدين.
تداعيات سياسة الاقتراض
لا شيء أسوأ بالنسبة للدول النامية ذات الاقتصادات الهشة من ارتفاع نسبة الديون، إذ تصبح رهينة للمؤسسات المالية الدولية، وتصبح الأولوية قبل أي شيء وحتى سداد ديونها المهولة، التي تتراكم يومًا بعد يوم نتيجة الفوائد المالية، بدل الانكباب على التنمية والإصلاحات الداخلية، الأمر الذي ينعكس سلبًا على حياة مواطنيها، ولاسيما الفقراء منهم.
تواجه البلدان التي تجد صعوبات في تسديد ديونها ثلاثة خيارات حسب الباحث الاقتصادي عبد الغاني عارف، الأول وهو رفض تسديد الديون، وهو خيار شبه مستحيل، فلم يسبق لبلد أن اتبعه، لأنه يؤدي إلى فقدان البلدان والمؤسسات الدولية الثقة فيه، وبالتالي لن يتم التعامل معه مستقبلًا، والاختيار الثاني تسديد الديون، وهو أمر جد صعب بالنسبة للاقتصادات الضعيفة إن لم يكن مستحيلًا، وأما الخيار الثالث الذي تلجأ إليه عادة البلدان المديونة من العالم الثالث، هو تأخير تسديدها بشكل كامل ما أمكن، وذلك عبر التفاوض مع المؤسسات المقرضة، إلا أن هذا الخيار لا يعني حل المشكلة، بقدر ما هو حل مؤقت يؤجلها.
وأمام هذه الوضعية العويصة التي قد تواجهها الدول الغارقة في الديون، والمغرب واحد منها، يضطر صندوق النقد الدولي لإصدار تعليمات «إصلاحية» لفك الاختناق الاقتصادي الذي تعانيه تلك الدولة، بهدف ضمان استرداد ديونه أولاً، وثانيًا لإجبار ذلك البلد على الاندماج في نظام الاقتصاد الدولي القائم على تحرير التجارة.
تشمل هذه التعليمات تخفيض نفقات التسيير والاستثمار، وما يعني ذلك من تخفيض عدد الموظفين وأجورهم، وكذا رفع الدولة يدها عن المواد المدعمة، وخصخصة القطاعات العمومية وتحرير التجارة الخارجية، والإصلاح الضريبي. وهذا ما يفسر سياسة التقشف التي تتبعها حكومة بنكيران.
كل ذلك يرتد مباشرة على حياة المواطنين الاجتماعية، حيث تلتهب أسعار المواد الاستهلاكية، وتزداد البطالة، وتتوسع الهوة أكثر بين الفقراء والأغنياء، وهو ما يعيشه المغاربة حاليًا.
لكن ما أصل مشكلة ديون المغرب؟
تلجأ معظم بلدان العالم، بما فيها البلدان المتقدمة، إلى الاستدانة من المؤسسات الاقتصادية الدولية، إما بغاية ضخ مزيد من الاستثمارات في اقتصاداتها، وهنا يكون الاقتراض اختيارًا، أو بهدف تغطية مصاريفها العمومية حين تعجز عن ذلك، وبالتالي يصبح خيار الاستدانة في هذه الحالة أمرًا لا مفر منه، كما يحصل مع دول العالم الثالث، كالشأن مع المغرب.
إذن تكمن مشكلة الاقتراض الصاروخي بالدول النامية أساسًا في بنية اقتصاداتها الهشة بنيويًّا، نتيجة ضعف الإنتاج والاستثمار، الذي بدوره يرتبط من جهة بمدى كفاءات الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين، مؤسسات وأفراد، ومن جهة ثانية بمدى كفاءة البيئة الاقتصادية والسياسية، ومن ثم نرتد أخيرًا لمدى فعالية النظام التعليمي والنظام السياسي لتلك البلدان.
لكن ضعف البنية الاقتصادية ليس هو السبب الوحيد في إغراق المغرب بالديون الخارجية، بل هناك سبب آخر يحرم البلد من أي فرصة في نهضة اقتصاده وتسديد ديونه، وهو ممثل في استفحال الفساد بكل أشكاله، بداية من التهرب الضريبي وغسيل الأموال وتهريبها، وكذا الرشوة والمحسوبية وغياب الشفافية، مرورًا بالنهب والتزوير والتحايل على القوانين الضريبية، وصولًا إلى التوزيع الفج للأجور والتداولات المالية غير القانونية وتبذير الأموال.
ويزداد هذا الفساد تضخمًا عندما يقر البنك الدولي تعليمات خصخصة القطاعات العمومية ودعم القطاع الخاص، حيث تجد الفئة البورجوازية القليلة النافذة الفرصة لاحتكار السوق والتربح من جيوب الشعب، ولا سيما في ظل غياب أنظمة سياسية وقانونية تحمي المواطن من جشع كبار الملاك وفسادهم، خلافًا للدول المتقدمة التي تستطيع حماية مواطنيها أمام لوبيات القطاع الخاص، وتعمل على دمقرطته بدل احتكاره من طرف فئة معينة.
ومن ثم ليس من الغريب أن نجد الاقتصاديين المحليين والدوليين، بما فيهم خبراء البنك الدولي، يكررون دعواتهم إلى المغرب لإصلاح نظامه الضريبي وتعزيز سلطة القانون والحد من الفساد المستشري بالبلاد.
المصدر: موقع ساسة بوست
مواضيع من نفس الفئة
31 يناير / كانون الثاني 2024
27 يناير / كانون الثاني 2024
22 يناير / كانون الثاني 2024
21 يناير / كانون الثاني 2024