ــ بقلم: الإعلامي الصحراوي أبنو بلال

أثبتت تجارب انتفاضة الاستقلال أن التحرر من قبضة الخوف لم يكن ظاهرة عابرة، أو طفرة لن يطول عمرها، ليعود الخوف من جديد وبصورة أشد تأثيرا على الوعي الجمعوي للفاعلين في الانتفاضة من أجل التحرير، وهو ما اتضح  من خلال يومياتها المتجددة، خصوصا أمام نظام مستبد وسلطة استباحت كل محرم في سبيل تشديد قبضتها على مقاليد الحكم في الادارة وإدارة المعاش وحتى التفكير، واستباحت الدماء والحريات الشخصية والجماعية، تدمير الإنسان الصحراوي ومحو ثقافته وعراقته من أرض أجداده، واستعمال القوة العسكرية الطاغية في مواجهة المتظاهرين والمدنيين العزل.

بالإضافة إلى تعتيم إعلامي كبير ومساندة الدول ذات المصالح الاقتصادية في أرضنا المغتصبة التي لا يعني لها الحق شيئا في غياب المصلحة، وللمضي في طريق الثورة حتى النصر أو الشهادة، ودفعت جماهير الانتفاضة في الصحراء الغربية  ثمنا باهضا  من الدماء والأشلاء والمعاناة والتشريد والسجون والتعذيب والتنكيل، دفاعا عن الكرامة والحرية.

وفي ظل هذا كله ما زلنا نطالب مملكة الاحتلال بالكشف عما اقترفته ضدهم من انتهاكات لحقوقهم، وهل ما زال هناك دماغ في الأرض المحتلة من بلاد الساقية الحمراء ووادي الذهب يجدر به تصديق أن الاحتلال يمكن أن يحاكم أبناءه من أجل عيون أبنائنا التي تفقس على يد جلاد حقير أو بوليسي سكير كل صباح ومساء، بل وتستمر قوة الاحتلال من كثرة ما وقفوا لها مسالمين عزل في التفنن في التعذيب والقتل حتى داخل المستشفيات والعيادات.

إن سلمية الانتفاضة في الجزء المحتل من بلادنا آن لها الأوان أن تطور في أسلوب حمايتها لذاتها بعيدا عن أي حماية قد تصدر إلينا في شكل حبات الأسبرين ولاسيما إن كانت في جمل وشعارات لا تحد من استعمال القوة ضد المناضلين ولا توقف الرغبة الجامحة  في القتل والسجن لدى المحتلين.

ولأن المجتمع الدولي وكلام التنديد والاستنكار لن يحمي المرأة الصحراوية من سحل الجلاد الذي يرى فيها كومة لحم يتعلم من خلال رفسها وحتى اغتصابها كيف يكون الافتراس وكيف يتمتع الإنسان بالقتل حينما يصير ذئبا يتعطش لسماع  الصراخ من فعل الألم ويشتاق لسماع الأنين من وقع الجروح والحروق ويتلذذ بطعم الدم المنهمر من خدود الأبرياء؛

هذا وأكثر هو ما دعاني أن أقول أن الانتفاضة  لابد أن تعيد النظر في سياستها ورسم ملامح جديدة للمواجهة، وبتلك القدرات الكامنة داخل ديار الأرض المحتلة وتلك الأدوات المتوفرة في ساحة المواجهة، والمواجهة هنا تعني حينما نكون نحن وخصومنا وجها لوجه وليس من إملاءات خارج المعركة “بيه اللي ماه فالغزي أرجيل”.

إن كل تلك المظاهرات السلمية وما يصاحبها من أعمال وحشية  جعلتني أعارض كل  الساسة الصحراويين وغيرهم  ممن يعتقدون أن الوقوف طويلا أمام الذئاب من غير العصي والحجارة ينجي من بأسهم، وها نحن وقفنا وصرخنا وكبرنا الله، الله أكبر في وجوههم، وكررنا أننا لسنا منهم، إن الوطن بريء منهم وليس لهم، لكن الذئاب تقدمت وتمادت وهل من العقل ألا نطور أسلوبنا في الدفاع عن حقنا وعن أجسادنا وحرمة بلدنا.

أرى أن سلمية  انتفاضة الاستقلال صنعت الانتصارات المتتالية  بالدم والمعاناة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وأن سمعة سلميتها وتحديها لآلة القمع ذاعت الدنيا من أقصاها إلى أدناها، وأن أجساد روادها ما زالت ترتديها ترابهم خوفا من دنس  قوات الاحتلال، وهم  من صح فيهم القول: “دماؤكم جسر إلى النصر أحمر ** وبوابة منها إلى الخلد يعبروا”.

لكن  تطوير أسلوب الانتفاضة  و تأمينها حتما يؤدي إلى شموليتها ولا يأتي ذلك إلا بتغير أسلوب العمل ووحدة التصور بين كافة ألوان طيف الانتفاضة وتصور  جديد في المواجهة بين الثائر والجلاد من خلال إبداع الثوار والمناضلين في حماية أنفسهم  بكافة الامكانيات والطرق المتاحة على أرض المواجهة من عصي وحجارة وزجاجات حارقة إلى غير ذلك مما استعمل في تاريخ الإنسانية من أسباب الدفاع السلمي في المظاهرات والاحتجاجات ولا سيما حينما يتعلق الأمر بمواجهة قوة احتلال لا تفقه إلا القمع  والعنف المفرط؛ إن هذه الأساليب وغيرها مما هو متاح ستؤدي إلى تأمين المتظاهرين وفي الوقت نفسة سيرتفع  مستوى العنف لدى الخصم كردة فعل لكنها كذلك مرفوقة بكثير من الرعب والذعر  وهو ما يؤدي لاشتعال الشوارع على العدو وإرباك حساباته الشيء الذي سيؤدي به للدخول في حوار جاد يحدد المتظاهرون ملامح التطرق إليه حسب ما هو مطروح لديهم، وحينها تأخذ الكلمات المألوفة في مسامعنا من الساسة مثل: نندد، نشجب، نستنكر… مكانها وزمانها الحقيقي.

هذا ليس مدعاة للتطرف لكن حماية الحقوقيين والمناضلين الصحراويين في الأرض المحتلة بات ضرورة ملحة وهي حماية ستساهم في كبح  شر المعتدين المغاربة لأن الأعداء مهما كانت إمكاناتهم ومهاراتهم في التعذيب حينما يشتعل الشارع حقا لن يتجرؤوا على الاحتكاك بالمتظاهرين مثل ما هو المشهد الآن، وحينما تحرق سيارات المحتل ويحرق الجنود في محيط المسيرات، وقتها تبدأ أولى صفقات التأمين وهي الطريق الصحيح إلى شمولية  الانتفاضة، وباتساع رقعة الغضب تتبادر التوبة للخونة لأن حاميهم أصبح في خطر (كأن اقول ولدي ولدي اعود اقول راسي راسي).

هذه الاستراتيجية وغيرها هي بداية لحرب استنزاف مدنية  كالتي خاضها المقاتل الصحراوي وأبدع فيها قبل توقيف إطلاق النار أو بالأحرى أجبرت المحتل على الترجي لتوقيف إطلاق النار الذي ندفع  ضريبة استجابتنا له هذه السنوات “لأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بها”.

إن أسلوبا كهذا ممكن جدا أن يؤطره المناضل الحقوقي  على أرض الواقع ويكيفه من خلال استنزاف إمكانيات العدو وممتلكات الدخلاء لأن ضرب اقتصاد العدو في غياب اقتصاد موازي في حربنا هاته هو إحدى الأساليب التي تعجل بتقرير المصير وتؤمن المتظاهرين من سطوة المعتدي.

مواضيع من نفس الفئة

سذاجة لقجع أم سخرية القدر؟

21 أبريل / نيسان 2024

العلاقات الجزائرية-الروسية تتجاوز التعاون العسكري

20 يناير / كانون الثاني 2024

ندوة الإعلام.. إستفاقة أم تكريس للفشل؟

31 ديسمبر / كانون الأول 2023

تاريخ حافل بالمتاجرة والمقايضة السياسية المشبهوة.. ماذا تخفي زيارة محمد السادس إلى ...

17 ديسمبر / كانون الأول 2023