الشهيد الولي والإنجازات الوطنية الكبرى (محاضرة لمدير مجلة 20 ماي حمدي الحافظ)

9 يونيو / حزيران 2020 - آخر تحديث 9 يونيو 2020 / 17:45

   التعليقات 0

مُلاحظة: نُشرت المحاضرة بتاريخ 11 يونيو 2008 في موقع اتحاد الكتاب والصحفيين الصحراويين.. ونعيد نشرها ضمن سلسلة مقالات عن الشهيد الولي مصطفى السيد بمناسبة الذكرى الـ44 لاستشهاده

– تقديم.
– الولي مصطفى السيد.
– ملامح الوضعية الدولية إلى غاية 1973.
– تجليات التأثير عند الولي.
1. البناء التنظيمي.
2. إدارة الأوضاع.
3. خلق التحالقات.
4. تسخير الذات.
– استنتاجات.

“إن انتشار الثورة في الساقية الحمراء ووادي الذهب كان تجسيدا لرؤية ثقافية وبصيرة نافذة وعبقرية متفتحة لقائد فذ وبطل همام تمثل واقع معاناة شعبه، له ثقة غير محدودة في شرعية القضية الصحراوية” محمد عبد العيز، الأمين العام للجبهة ورؤيس الدولة.

تقديم:
إن الولي والانجازات الوطنية الكبرى في واقع الأمر ظاهرتان متلازمتان منغرسان في المكان وصائرتان في الزمان، فلا يمكن الحديث عن الولي بدون التعرض للإنجازات الوطنية، كما لا يمكن الحديث عن هذه الأخيرة بدون التعرض للولي، فالإرتباط بينهما يكاد لا يسمح بفصل أحدهما عن الآخر ولو من جانب المداولة النظرية. وإلى جانب ذلك فإن أي محاولة سليمة للغوص في ذلك التلازم\الالتحام بقدرما هي محاولة لاكتشاف كنوز اللؤلؤ الثمين، بقدرما هي في طبيعتها تقدير\اندهاش لعظمة البحر. وهذا يعني أنه لا يمكن للفعل\الانجاز أن يكون تاريخيا إلا في صياغه العام\محيطه الذي يجب أن يكون فيه، وعليه فتناول الولي لا يمكن أن يكون ـ كأمر محسوم وفهوم ـ إلا تعبيرا عن فعل جمعي وإلا ما كان الولي وما كانت الانجازات.
يحاول هذا المقال\المحاضرة تسليط الضوء ضمن هذا السياق على هذا التلازم في صيغته الشمولية (الابتعاد عن التفاصيل وعن السرد الكلاسيكي للأحداث). وباعتبار أن هذا المقام لا يسمح لنا بحصر تلك “الإنجازات الوطنية الكبرى”، ليس لكثرتها فقط ولكن لصعوبة تقديم إضافة\اكتشاف فيها، حاولنا أن نستدرج بعضها من خلال واحدة من أهم الصفات التركيبية لشخصية الولي وهي “قوة التأثير”.

الولي مصطفى السيد: إذا أرادت القدرة الخلود لانسان؛ سخرته لخدمة الجماهير

– في سنة 1948، وفي أواخر فصل الربيع، ازداد الولي مصطفى السيد ببادية بئر لحلو لأبوين صحراويين هما: المجاهد: مصطفى ولد السيد وأمباركة منت أحمد ولد ألمين. من عائلة بدوية فقيرة. تلقى تعليمه الأولي في المدارس\الكتاتيب القرآنية، وتولى منذ نعومة أظافره الرعي، المصدر الرئيس للمعاش آنذاك. نزحت عائلته ـ على غرار الكثير من العائلات الصحراوية ـ إلى جنوب المغرب\ اكليميم أواخر 1957 بسبب القنبلة الوحشية والتمشيط (عملية إيكوفيون) الذي كانت تتعرض لها جيوب المقاومة الصحراوية على يد العدوان الثلاثي: إسبانيا، فرنسا والمغرب، هذا إضافة إلى عوامل الجفاف التي مست المنطقة الصحراوية. وفي مطلع 1959 انتقلت عائلته ثانية إلى الطنطان وأدخلته المدرسة الإبتدائية في سن تمدرس متأخرة. ما لبثت بعد ذلك أن أخرجته منها لحاجتها له في الرعي وجلب القوت. ونظرا لأن المدرسة لم تعد تقبله بهذه المواصفات، انتقل إلى مدينة أجديرية وطلب التوظيف لكنه رُفِض، عاد إلى الطنطان من جديد سنة 1964 (السنة التي شهدت وفاة والدته) واشتغل بالإنعاش الوطني في شركة للأشغال العمومية لمدة 04 أشهر. عاد من جديد لمقاعد الدراسة بعد تخل بعض الوجهاء. وفي سنة 1966 حاول الدخول إلى المعهد الديني بتارودانت فلم يُقبل إلا بعد جهد استمر ثلاثة أشهر فدخل القسم الإعدادي الأول. سنة بعد ذلك (1967) انتقل من المعهد السابق بعد أن حصل على متابعة دروس انتقالية. وتوفي والده في السنة الموالية 1968. وفي سنة 1970 نال شهادة الباكالوريا بثانوية “ابن يوسف” بمراكش، وانخرط في جامعة محمد الخامس بالرباط بكلية الحقوق، فرع العلوم السياسية، وكان أول طالب في تاريخ هذه الجامعة ينال علامة 19\20 في الحقوق الدستورية. في سنة 1971 انتقل خلال رحلة له إلى كل من فرنسا وهولندا وأجرى عدة اتصالات توعوية\تعبوية في صفوف بعض العمال الصحراويين المهاجرين. تميزت دراسته الجامعية بنشاطاته السياسية المكثفة والمتمحورة حول ضرورة تحرير الصحراء الغربية من الإستعمار الإسباني، وشملت بعض الطلبة الصحراويين وبعض القوى السياسية المغربية، وقد أُعتقل على إثر المظاهرات الاحتجاجية التي قادها في 04 مارس\1972 بالطنطان والمطالِبة برحيل الاستعمار الإسباني، حاولت السلطات المغربية محاكمته في آقادير وما لبثت أن أطلقت سراحه نتيجة أنه استطاع أن يحول وضعيته تلك إلى وضعية سياسية. مع ذلك؛ وبعد مضي زمن قليل، في ماي 1972، وتزامنا مع السوق السنوي “المقار” بالطنطان ، قاد مظاهرات أخرى مع أزيد من ثلاثين طالب وشاب صحراوي تحت نفس المطالب، وتم اعتقالهم وتعذيبهم واطلاق سراحهم بدون محاكمات (كان آخر من يغادر زنزانة الاعتقال).. في صيف نفس السنة اتصل بقسم حركات التحرير بجبهة التحرير الجزائري وقدم مذكرة بطلب الدعم. ولم تنته هذه السنة، وهو في قسم النهائي للإجازة في العلوم السياسية، حتى قرر مع مجموعة من الطلبة الصحراويين مغادرة مقاعد الدراسة والنضال ضد المستعمر الإسباني. في أوائل 1973 كتب مذكرة إلى العقيد معمر القذافي يطلعه على الوضع في الساقية الحمراء ووادي الذهب ويطلبه الدعم. وفي 10 ماي 1973 عُقد المؤتمر التأسيسي للجبهة في مدينة “ازويرات” الموريتانية تحت شعار “بالبندقية ننال الحرية” وتم اختياره كمنسق للمؤتمر وكُلِّف بصياغة مشروع بيانه السياسي الأول، كما عينته اللجنة التنفيذية الأولى مُلحقا بها. شارك مع 17 وطنيا صحراويا في إعلان انطلاقة الكفاح المسلح وقاد عملية الخنكة 20 ماي 1973 مؤسسا بذلك نواة جيش التحرير الشعبي الصحراوي.. اُنْتُخِب من بين أعضاء اللجنة التنفيذية في المؤتمر الثاني للجبهة الشعبية، مؤتمر الشهيد عبد الرحمن ولد عبد الله المنعقد في الفترة الممتدة من 25 إلى 31 غشت 1974، تحت شعار “حرب التحرير تضمنها الجماهير”، وعينته اللجنة التنفيذية كاتبا عاما للجبهة. وفي 12 أكتوبر 1975 أعلن عن قيام الوحدة الوطنية وحل “الجمعية” التي شكلتها اسبانبا من شيوخ القبائل الصحراوية، ووضع لبنات تأسيس الإدارة الوطنية. ما لبث بعد ذلك أن أعلن عن قيام دولة صحراوية هي: الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في 27 فبراير 1976.

ومن أبرز المهام التي تولى قيادتها:
– قيادة وفد الجبهة الشعبية في مؤتمر الشبيبة الإفريقية في بن غازي اليبية سنة 1974، وكان أول من أجرى مقابلة صحفية باسم الجبهة مع مجلة الدستور اللبنانية.
– قيادة وفد الجبهة الشعبية في مؤتمر شباب العالم الثالث بالجزائر من 6 إلى 12 /6/1974.
– كتابة عدة مذكرات لكل من القادة الجزائريين والليبيين وبعض القادة الأفارقة.
– قيادة وفد الجبهة الشعبية أمام لجنة تقصي الحقائق الأممية سنة 1975.
– قيادة وفد الجبهة الشعبية إبان المفاوضات مع وزير خارجية اسبانيا.
– عقد عدة ندوات صحفية باسم الجبهة في بيروت وطرابلس والجزائر، وافتتح مكتب الجبهة الشعبية في طرابلس.
– قيادة وفد الجبهة الذي التقى مع الجنرال الفيتنامي “جياب”.
– قاد عدة عمليات عسكرية من بينها، عملية عين بن تيلي، وعملية آمكالا وعملية أنواقشوط 09 يونيو 1976.

ملامح الوضعية الدولية (إلى غاية 1973)
شهدت الفترة من منتصف الخمسينيات إلى بداية السبعينيات على وجه الخصوص أحداثا تركت بصماتها وآثارها على التاريخ البشري الحديث، فمن جهة؛ كان العالم يعيش على وقع تفاعلات حرب باردة\ساخنة شكلت صراعا إيديولوجيا واستراتيجيا بين قطبين عملاقين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفييت)، ومن جهة ثانية شكلت تحولا سريعا ومفاجئا للبلدان المستعمرَة من خلال انتشار المد الثوري\التحريري خاصة بعد صدور القرار الأممي 1415. وصفت هذه المرحلة أيضا بـ “عصر النهضة الإنسانية الجديد” لسكان العالم على كافة الأصعدة السياسية، الفكرية، الاقتصادية وحتى الثقافية، والنهوض\الاهتزاز الكوني من وسط ركام الحربين العالميتين الأولى والثانية.

فشرقا؛ كانت فيتنام من أهم ساحات الحرب الباردة، بعد الغزو الاميريكي لها 1956، وقريبا من ذلك؛ كانت الصين تمارس الشيوعية على طريقتها وتعمل في صمت منذ بدء ثورتها الثقافية في 1965، واندلع التوتر بين شقي الكوريتين الشمالية\شرق والجنوبية\غرب.

وفي أوروبا كان التوتر حادا بين شرقها الاشتراكي وغربها الرأسمالي. فبعد اندلاع الثورة التكنولوجية والاقتصادية الهائلة منذ نهاية الخمسينيات في الشق الغربي للقارة العجوز، ظهر التمرد والعصيان لدى شعوب شقها الشرقي مطالبين بالتغيير والتحول إلى نظام اجتماعي وديمقراطي جديد وهو ما عبرت عنه ثورة ربيع بودابيست في 1958 في المجر، وثورة براغ 1968 في تشيكوسلوفاكيا. وفي المقابل؛ اصطدمت دول حلف وارسو بانضمام بريطانيا والدنمارك إلى السوق الأوروبية المشتركة في العام 1973. ستشكل هذه السوق فيما بعد نقطة تحول في مستوى المعيشة والنضج الاقتصادي لدى شعوب أوروبا الغربية، التي كانت بعض دولها الاستعمارية تتخلى عن مستعمراتها في قارات العالم الأخرى الواحدة بعد الأخرى ـ ولو مجبرة ـ لتتفرغ إلى دعم ثورة التقدم العلمي والتكنولوجي والاقتصادي.

في أمريكا اللاتينية كان الإيقاع سريعا، فبعد نجاح الثورة الكوبية 1959، شهدت القارة عدة ثورات مماثلة غير أن أغلبها فشل أمام أنظمة قوية تدعمها الولايات المتحدة ماديا ولوجستيكيا، ففشلت الثورة في كولومبيا والبيرو والأرجنتين، كما سيطرت الديكتاتورية على تشيلي في 1973.

في الولايات المتحدة الاميريكية، كانت فترة الستينيات والسبعينيات من أهم الفترات في تاريخها الحديث، فحرب فيتنام وأزمة خليج الخنازير واغتيال “كينيدي” وصعود “آرمسترونغ” إلى القمر\الفضاء والنهضة الإقتصادية والتيكنولوجية الهائلة التي شهدتها، كل ذلك عزز مكانتها الدولية.

أما في أفريقيا فكانت الصورة ضبابية ومشوشة، فرغم رحيل المستعمر الأوروبي عن أجزاء كبيرة من القارة، إلا أن شعوبها وقعت فريسة للحروب الأهلية والمجاعات والتطاحن العرقي، بيد أن تلك المرحلة مثلت بداية الوعي للإنسان الإفريقي من أجل التحرر والاستقلال، كانتصار الثورة الجزائرية سنة 1962، ونضالات شعب جنوب افريقيا ضد نظام التمييز العنصري “الابارتايد”، هذا إلى جانب اندلاع الثورة الناميبية التي اندلعت في خريف.. إلخ.

أما عربيا؛ فكانت فيه القضية الفلسطينية تشد انتباه العالم لاسيما بعد النكسة العربية في يونيو 1967، وتنامي المد القومي والتحرري في مصر وسوريا والعراق، وأخذ الصراع العربي الإسرائيلي فيها منعرجا جديدا بعد وفاة الزعيم “جمال عبد الناصر” عام 1970، واندلاع حرب أكتوبر 1973 بين العرب والإسرائيليين، وظهرت معطيات جديدة بعد ذلك مؤثرة أبرزها الحرب الأهلية اللبنانية 1975.

وفي الجانب الآخر كان المغرب العربي يعيش على وقع سقوط الملكية في ليبيا في سبتمبر 1969، وظهور نظام ثوري فيها، يمثل امتدادا طبيعيا لحركة الضباط الوحدويين الأحرار في مصر، بينما كانت الجزائر تستفيق بعد استقلالها في 1962 من حرب الرمال الحدودية التي أعلنتها الجارة المغربية في 1963، والقيام بحركة التصحيح الثوري التي قادها “هواري بومدين” في 1965. أما موريتانيا فكانت لاتظال تبحث عم مكان لها بين العرب ـ على الأقل ـ إلى غاية 1969 حين اعترف النظام الملكي المغربي بموريتانيا كدولة مستقلة بعد أن كان يعتبرها في السابق جزءا لا يتجزأ من “امبراطوريته التوسعية”. النظام المغربي الذي كان يعيش تهديدا يوميا، لاسيما من المثقفين والنخبة، وعلى رأسهم “المهدي بن بركة” الذي اختطف واغتيل في العاصمة الفرنسية باريس في 1965. وفي سنتي 1971\1972 تعرض ملك المغرب لانقلابين عسكريين لكنهما أُفشلا.

أما في الصحراء الغربية؛ فقد أدى التقارب المغربي الإسباني الفرنسي سنة 1958 إلى شن حملة عسكرية عدوانية شرسة للقضاء على بذور المقاومة الوطنية الصحراوية، عُرفت هذه الحملة فيما بعد بـ “المكنسة” أو “أوكوفيون”، وكان من نتائجها اقتطاع جزء هام من الأراضي الصحراوية (إقليم طرفاية) وتسليمه للمغرب في مارس من نفس السنة. توالات الأحداث الوطنية بعد ذلك متسارعة بدءا من حادثة “تكسير المكازة”، تجمع “لخشييية” إلى مظاهرات الزملة السلمية بالعيون في 17 يونيو 1970 التي نظمتها الحركة السرية “المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء” والتي تطالب بتحسين الأوضاع المعيشية للصحراويين وتحديد سقف زمني لرحيل الإستعمار الإسباني، لكنها قوبلت بوحشية وعنجهية استعمارية راح ضحيتها العشرات من الصحراويين وأعتقل زعيمها محمد سيد إبراهيم بصيري في اليوم الموالي (لم تكشف السلطات الإسبانية عن مصيره بعد)، ومع ذلك ظلت شعلة التحدي الوطني متقدة؛ إذ انتفضت الجماهير الصحراوية بجنوب المغرب مرتين بقيادة الولي مصطفى السيد سنتي 1972 وقوبلت بوحشية كذلك. غير أن تبلور الوعي الوطني قاد بعض الوطنيين الصحراويين إلى تشكيل إطار سياسي “الحركة الجنينية” يمكن من خلاله الدفاع عن المصالح الوطنية الصحراوية، ما لبث هذا الإطار أن اكتمل وتشكل في 10 ماي 1973 تحت إسم الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وأعلن عن اندلاع الكفاح المسلح ضد الإستعمار الإسباني في 20 ماي 1973.

ملاحظة: شهدت سنة 1973 توقيع اتفاقية بين الولايات المتحدة الأمريكية \الغرب والاتحاد السوفييتي\الشرق لمنع حدوث حرب نووية بينهماوإخماد وتوقيف سياسة التهويل النووية والاستعداد للحروب الوقائية.

تجليات التأثير عند الولي
“باسم الله وبعون من الله وتجسيدا لإرادة الشعب العربي ووفاء لشهدائنا الأبرار وتتويجا لتضحيات شعبنا؛ سيرتفع اليوم على أرض الساقية الحمراء ووادي الذهب عَلَمُ الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”.

1. البناء التنظيمي
كان الولي يحسن تقدير الأشياء ويمتلك قدرة هائلة على بنائها وربط حلقاتها بشكل سليم، بل وأيضا اختيار تموضعها كما تتموضع حبات التسبيح. وبالرغم من أنه لم يكمل دراسته الأكاديمية، ولم يتلق تعليما أو تدريبا قياديا: ديبلوماسيا أو عسكريا؛ إلا أنه كان يبني مشاريعه بشكل علمي ومدروس. ويعزي بعض مقربيه وأصدقائه ذلك، إضافة إلى ذكائه الفطري، إلى إطلاعه الواسع على التجارب الإنسانية ونهمه الشديد في القراءة وقدرته الفائقة على تلخيص ما يطلع عليه واستثماره بشكل يوائم ولا يتعارض مع الثقافة الوطنية. وقد أهله ذلك إلى أن يصبح منظرا استراتيجيا فائقا وماهرا في نفس الوقت.

لتقريب هذه الصورة أكثر نستدل بالمقاربة البنائية التالية: عملية البناء\المشروع في حد ذاتها تتطلب جملة من الشروط الأساسية منها: الترويج أو المناقصة، الوسائل، الإستراتيجيات، تقدير الوقت، الكلفة، الفائدة \القيمة.. إلخ، هذه الشروط لم يُغَيِّب الولي أي منها مطلقا في ممارسته نحو بناء الشأن\المشروع الوطني. فمثلا لجأ في البداية إلى الإتصال بالآخر بواجهتيه الوطنية وغير الوطنية، لتوعيته وتحريضه وتعبئته للمساهمة بوعي وإرادة لخلق وتأسيس المشروع الصحراوي، ذي القاعدة الشعبية التي ستحميه وتدافع عنه وتبنيه، مع تحريك الشعور نحو ما سيخلقه هذا البناء من تجسيد لمثل الكرامة الإنسانية، والقيم الحضارية، ثم قرر عدم الركون لأمر الواقع، والشروع فورا في تحديد معالم المشروع ووضع أسس البناء في المكان المدروس الذي يجب أن يكون فيه.

كان الولي يمتلك القدرة على الإحاطة الشاملة والواعية بالأدوات المسخَّرة للفعل قيد الإقدام من خلال التشبع بثقافة المجتمع وفهما والتعاطي معها واحترامها وتسخيرها وما يشمله ذلك من الاحاطة الواسعة بالمعطيات الاستاتيكية، والقدرات التنظيمية والاستراتيجية، والمحكات المستقبلية، دون أن يستثني العدو من هذه المعطيات، فكان يحلله تجزيئيا وبنيويا من كافة ساحات فعله: السياسية، الاقتصادية، العسكرية، التنظيمية، والتحالفاتية والسعي إلى إستقراء واستشراف توجهاته وتقدير معطياتها وما سيترتب عنها وتحديد مراكز القوة والضعف فيها وما هي السبل والوسائل للرد عليها، ولكن أيضا لاستباقها وتجميع الوسائل والخطط الممكنة والمسترشدة للإنقضاض عليها أو ردعها.

كان مؤمنا وواعيا أن السبيل يكمن في تجميع عناصر القوة الذاتية أولا والتفاعل معها وتهيأتها واستنفارها وخلق منها الأطر الكفيلة لمواجهة التحديات المحيطة بها والقادرة على الظفر بالنصر.

ورأى أن المنبع الحقيقي، الطبيعي والأزلي سيكون لا محالة: قاعدة وطنية\الشعب، موحدة، متماسكة وواعية، ترتبط عضويا ومعنويا بطليعة نخبوية من خلال تكامل\تبادل وظيفي في الأدوار لتقاسم الأعباء وتخطي العقبات وذلك ضمن إطار سياسي، ديمقراطي، منظم، متفاعل، واع بالأهداف الوطنية، قادر على التجديد الفكري والتخطيط العلمي والعطاء الفعلي وبالتالي إحراز المكاسب.

“إن سر وجودنا، وسر مكاسبنا، أسباب الوجود والمكاسب، أسباب الكرامة والاحترام، هي حقيقة واحدة اسمها الشعب”.

“القوة الحقيقية التي تصنع التاريخ ـ وهي التي تستطيع طرح حلول للمشاكل ـ هي قوة الشعب”.
“لا توجد فائدة أو قوة أو احترام إلا للقاعدة الشعبية”.

ومن جهة ثانبة؛ فإن تلك القاعدة\الشعب كونها قليلة يجب أن تعوض بالنوع، وهذا عنصر آخر استراتيجي في عملية البناء التنظيمي عند الولي، أي معادلة الكم بالنوع.

“إذا كان الناس يحسبون بالنحاس؛ علينا أن نحسب بالذهب”.

ويؤكد أن عملية تفاعل القاعدة مع النخبة\الاطارات تناط بشكل رئيسي بوظيفة النخبة التي يوكل لها خلق التواصل العقلاني، الشعوري، المستمر مع بنى القاعدة الشعبية، والذي يمدها بالتنوير والتوعية والتثوير عن وعي وبالتالي عن قناعة وعن إرادة. ولا يخفي الولي أنه مع الوقت، وفي انصهار النخبة الطليعية مع ذاتها ومع محيطها المتشكل في إطار قضيتها، وباعتبارها كيانا حيا، فإن البقاء الطبيعي لها مرهون بقدرتها على العطاء للجماهير، وبالتالي فهي مطالبة بالوعي والتجديد والإبداع، كون أن الركود والتقوقع وراء الجماهير واستغلالها، والعجز عن الإبداع في الفعل وعدم القدرة على الحراك والتجديد والتخلف عن مسايرة الصيرورة الثورية سينسفها خارج إطار التاريخ؛ ما لم تتمكن من إيجاد مكان لها في أطر القاعدة الشعبية. يقول الولي في خطاب الأطر:

“الإتكال سيعمل على فرز الإطارات، من منهم أصبح يميل إلى الانتهازية، يركب الجماهير ويستغل مكاسبها ثم يختبيء وراءها، أي أن الجماهير أصبحت تجره خلفها، ومن منهم سيبقى ـ بطبيعة الحال ـ طلائعيا بالفعل بالنسبة للقاعدة الشعبية، يعطي ولا يأخذ”.

ويقرب الولي مفهوم هذه العلاقة: علاقة الأطر بالقاعدة على النحو التالي:
“إن قدرة الشعب تتجلى في اندفاعته لاحراز انتصارات، أما دور الإطارات بالنسب للشعب فهو دور البنت إلى جانب أمها: البنت تحلب الماعز والأم تمخض الحليب.. ضروري إذا توفر الحليب ومن ثم ضروري وجود من يمخضه للحصول على الزبدة”.

وبالنسبة له؛ فإن ذلك التنظيم هو آلية التحريك المثلى، الضرورية والأنسب للسعي قُدُما نحو تحقيق آمال وتطلعات الجماهير الصحراوية. تنظيم لا بد أن يكون منصهرا في ذاته، متطلعا، مبدعا ومتقدما في صيرورته التاريخية، قادرا على تحديد فرص المبادءة الوعية والمبادرة الخلاقة لينتشل الجماهير من واقعها المزري والمرفوض، والتقدم بها وأمامها نحو واقعها وطبيعتها المطلوبة، والتي ستمْسَح في مرحلة متقدمة من تلك الصيرورة الفاصل\الفارق في أبعاده الفكرية، والسياسية والاجتماعية بينها وغيرها من جماهير وشعوب العالم الأخرى.

وعلى ذلك البناء فإن المكاسب والانتصارات ـ بالنسبة للولي ـ يجب أن تتم حمايتها على الدوام باعتبارها اللحمة\المادة الماسكة والمحافظة على بقاء وصلابة البناء التنظيمي. لنقف قليلا مثلا عند إعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. يقول الولي:
“..وفي فبراير أعلن الشعب العربي في الساقية الحمراء ووادي الذهب على أنه شعب منظم، شعب حضاري، شعب يفهم، شعب لا يقبل الفوضى، شعب يفهم المنطق العالمي والشرعية الدولية، وبالتالي عن انسجامه مع هذا المنطق وهذا المفهوم، وأعلن عن تكوين الج, الع. الص. الد..”.

في واقع الأمر؛ لم يكن ذلك الإعلان (27 فبراير 1976) إلا بناء على سلسلة من البناءات التنظيمية الوطنية الأخرى المتتالية وردا طبيعيا على الكثير من المناورات الاستعمارية الاسبانية\المغربية\ آنذاك (تشكيل حكومة فيدرالية تابعة لإسبانيا، محاولة جر وتوريط مجلس الجماعة..) ، وإذا كان ظاهر الأمر هو الرد الطبيعي على الوضعية التي خلفها الاستعمار الإسباني بعد خروج آخر جندي له من الصحراء الغربية في 26 فبراير من نفس السنة، وبالتالي إيجاد آلية شرعية\الجمهورية للصحراويين كإطار يمكنهم من خلاله تنظيم شؤونهم الإدارية وتسويق هذا المكسب المستثمر أصلا من الجبهة\الحركة على الصعيد الخارجي، واستخدامه لإحراز مكاسب أخرى كتوسيع ساحة الإعترافات وجلب الدعم والـمساندة الدولية، وشق قنوات إتصال جديدة، والتضييق على العدو .. إلخ، إذا كان هذا هو جزء أساسي من ظاهر هذا المكسب، فإن العنصر الإستراتيجي\الخفي هو إيجاد حزام واقي ومخفِّف للصدمات عن الحركة\الجبهة في حد ذاتها، وبالتالي رمي بالصراع أبعد ما يمكن عن المكسب الأم، ولولا ذلك لكانت الجبهة ومنذ البداية عرضة للنبش والشد والنتف والخطر. هذا الأمر خطير وغاية في الأهمية: ليس فقط تحويل المكسب إلى مكسب إضافي ولكن أيضا تحويله إلى مكسب استراتيجي واقي للمكسب الأول.

ويؤمن الولي أن المبادءة في والشروع في الفعل الثوري الواعي هو الذي سيؤدي إلى استمراريته واستثماره في خلق المكاسب، وبقدر ما يتطلبه ذلك من أدوات وعناصر لإنجاز الفعل؛ فإن الشروع في الفعل في ذاته هو مكسب كفيل باستحضار وتجديد وخلق تلك الأدوات والعناصر. “الثورة في الساقية الحمراء ووادي الذهب أُعلنت اعتمادا على أشياء حتمية الوقوع وليس على أشياء موجودة في ذلك الوقت.” وعلى العكس من ذلك؛ فإن الجمود والانتظار والاحجام هي بالضرورة الحتمية عناصر وشروط طمس الفعل الثوري وإقباره، وبالتالي فلا يمكن أن تتلازم وما هو ثوري وما هو تحرري.

02. إدارة الأوضاع
خلف خروج اسبانيا من الصحراء الغربية فجوة إداريا عميقة، كون أنها لم تسلم الأرض لأصحابها الشرعيين\الشعب الصحراوي. وبالرغم من أن اسبانيا لم تغادر إلا في شهر فبراير\1976 إلا أن الولي كان يستشرف الواقع الإداري الذي ستؤول إليه الأمور، خصوصا بعد التوقيع العدواني على اتفاقية مادريد وتلويح المملكة المغربية في 06 أكتوبر 1975 بغزو الصحراء الغربية، وبالتالي رأى الضرورة الاستعجالية الملحة لأن تتولى الجبهة فورا شؤون المواطنين الصحراويين قبل اجتياح جحافل العدو، وتجميعهم في أماكن آمنة. يعتبر تنفيذ هذا القرار هو المحك الحقيقي والتحدي آنذاك بالنسبة للجبهة التي يتوجب عليها إيجاد الوسائل والخطط لترحيل آلاف الصحراويين وانتشالهم نشلا من ديارهم\أوطانهم إلى ديار آمنة وتوفير لهم ما يلزم من أسباب العيش والصحة والتعليم وغيره. وفي واقع الأمر فإن ملامح إدارة وطنية صحراوية مبنية على تصورات وتجارب وطنية بحتة تكون تشكلت في تلك الآونة (1975)، ولم تتأسس مطلقا على أساس إرث إداري استعماري. وهنا تظهر الإرادة وعمق الوعي بتحويل تلك الفجوة التي خلقها الاستعمار (لا إدارة) إلى مكسب وطني (وجود إدارة).

كان للجبهة ما أرادت: أحضرت الوسائل المتاحة وجمعت المواطنين في مخيمات عدة ومتباعدة ووفرت لهم ما سمح به الحال لتسيير شؤونهم الحياتية اليومية. لكن ما يدعو للدهشة في واقع الأمر هو كيف تم اقناع المواطنين بالتخلي عن ممتلكاتهم وديارهم التي شبوا وشابوا من أجلها وعليها؟ ففي الموروث الثقافي الصحراوي الممارَس في تلك الآونة؛ لا يرحل الصحراويون في الغالب عن أوكارهم وأوطانهم إلا من أجل هدف مادي\علمي في النادر، أما وأن يتركوها من أجل هدف سياسي كهذا لا تستوعبه حتى عقول الكثيرين منهم فلم يحدث قط. لم يُرَحَّلوا عنوة أو تعسفا أو تحايلا أو شراء، لقد تُركوا أمام إرادتهم الحرة في الرحيل أو عدمه. لا شك أن عَمَلا مقنعا جبارا مورس في تلك الآونة يعبر عن مدى مصداقية الإدارة الوطنية الصحراوية لتحقيق ذلك الإنجاز\الهدف، وهو الأمر الذي يعود بنا إلى عنصرالتأثير كوسيلة أساسية معتمدة.

ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى القيمة الأساسية التي نجمت عن تأسيس تلك الإدارة\التجربة، وكيف كان لها الدور الفعال فيما بعد في نقل تلك المخيمات نحو الجزائر في أعصى الأوقات، وتحت القصف الجوي العدواني، ومن بين جحافل القوات الغازية المدججة والمنقَضة من الشمال والجنوب، ثم تهيئة مواقع إقامتها وبناء الأجهزة والمؤسسات الحيوية التي ستتكفل بخدمتها وتضمن كرامتها. وهذا يعني أن تلك الإدارة الفتية ستكون من جديد على محك آخر أصعب من ذي قبل، ووضع استثنائي خاص وعسير للغاية عليها القيام به. يلَِّخص الولي ذلك الوضع بالقول:
“.. طرد الأبرياء من ديارهم وفرض عليهم العيش في الفيافي، في “لحمادة”، لا خيام، لا أواني، لا أكل، لا شرب، لا أي شيء..”.

وتؤكد اللجنة التنفيذية في بيانها الصادر في ماي 1976 سمات ذلك الوضع: “.. ولاحظت اللجنة التنفيذية بتحسر المشاكل التي يعاني منها جيش التحرير الشعبي وخصوصا على مستوى الوسائل”.

وتضيف: “.. وبحثت اللجنة التنفيذية مطولا أوضاع شعبنا التي فرضت عليه قوات الاحتلال المغربية والموريتانية أن يعيش المنفى جماعيا، وتتبعت سير عملية إنشاء الأجهزة الوطنية القادرة على خدمة الجماهير، وتدارست أوضاع الجماهير بالمخيمات سواء على المستوى المعيشي أو السكني أو الصحي أو التعليمي، وهنا ظهرت المشاكل العديدة والمتشعبة وعواقبها يخشى منها بشكل كبير”.

ثم تضيف: “إن الوضع المعيشي .. لا يزال يتطلب التحسن سواء في كم المواد أو نوعيتها، كما أن الوضع الصحي مخيف..”.

ويقول الولي في خطاب 20 ماي 1976: “نحن في 1973 كنا شعبا مفروض عليه التمزق.. ليس بإرادتنا؛ بل مفروض علينا أن نتمزق.. مفروض علينا أن نتسول وليس من عادتنا أن نتسول..”.

بالرغم من كل ذلك فقد استطاعت تلك الإدارة أن ترفع التحدي وتربح الرهان وتعزز مصداقية الجبهة لدى الجماهير الصحراوية، وتولت بنفسها تسيير شؤون تلك الجماهير\اللاجئين دون تدخل أي طرف خارجي كسابقة في تاريخ الشعوب اللاجئة، إذ أنه في مثل هذه الحالة يتولى ـ في العادة ـ البلد المضيف أو جهاز من أجهزة الأمم المتحدة تسيير شؤون اللاجئين، وكان الولي يرى أن ذلك أمر طبيعي وبديهي كون أن وضعية تلك المخيمات هي وضعية سياسية أولا وليست وضعية انسانية: “المغرب الآن يريد أن يجعل من وضعية الشعب الصحراوي وضعية انسانية وليست وضعية شرعية”.

وعليه؛ فالإدارة الوطنية من هذه الزاوية أيضا ـ وعلى مستوى بعدها الاستراتيجي ـ لم تدر شؤون الصحراويين\اللاجئين فقط، ولكنها أيضا أسست لتشكل لهم جدارا آخر من الحماية من أي شكل قد يكون من الممارسات الإبتزازية.

لم تنحصر ادارة الأوضاع عند الولي على المخيمات فحسب، بل شملت إدارة أحداث كبرى أخرى خصوصا إدارة المعركة العسكرية، وفي أشكال ربط الإتصال مع الآخر ونسج العلاقات الإقليمية، القارية والدولية وغيرها. لقد كانت إدارة الأوضاع دوما جزء من ممارسته للفعل الثوري، متصلة بذاته وسلوكه وبحسن تقديره واطلاعه وعمق تحليله وقوة تأثيره.

03. خلق التحالفات
يقول الولي: “إن النجاح الكبير يكمن في وجودنا ككتلة واحدة ملتحمة، كتلة ولو كانت صغيرة”.
بهذا التصور\التعريف الدقيق للتحالف يتجسد الانطباع لديه بأهمية وضرورة خلق وتجميع عناصر التحالف كشرط استراتيجي وأحيانا تاكتيكي لمواجهة التحديات التي تمر بها الثورة الصحراوية والقضية الوطنية، بما يطلبه ذلك من بناء وإرساء قنوات الدعم المعنوي\المادي للثورة وللشعب الصحراوي من جهة وترجيح مؤشرات ميزان القوى ضمن صراع هذا الشعب مع عدوه من جهة أخرى، ويجمع تلك العناصر في عنصر واحد هو “القوة”\التحالف.

يقول الولي ببساطة التعبير وعمق المفهوم: “كلما تقوينا نحن، ضَعُفَ عدونا”.

وتستند هذه القوة بالنسبة له على محورين أساسين مادي: “أداة لها الحق” ومعنوي: “مبدأ أو توجه”.
“الانسان الذي لديه الحق سيتطيع أن يعبر وأن يدافع عن ذلك الحق حتى ولو كان أبكما”.

“إننا شعب منظم، له أهداف، له مباديء.. شعب حق يدافع من أجل الحق”.

“.. إن الأمر يتطلب منا مسألتين: أحدهما بروزنا للناس كقوة حقيقة ميدانية، والثانية هي افهامنا للناس الحقائق بما فيها واقعنا وحتمية انتصارنا”.

المحور المادي: ويرتكز على أن تكون هناك قوة نابعة ومستخلصة من الذات الوطنية تستدعي بإرادتها القوية أن يكون وجودها في واقع الأمر أمر واقع، وبالتالي لا يمكن تجاوزها أو التقاضي عنها.
وهذا يعني أنه بدون بناء شخصية\هوية وطنية متميزة لا يمكن تحقيق ذلك. وفي هذه المقاربة المادية للبناء الوطني الذاتي عند الولي، فإن التأسيس لخلق أي تحالف يستند على تقدير واعتبار هذا الواقع\القوة الموجود، والذي له من أسباب القوة ما تجعله مقنعا بأنه قائم؛ بل ومؤثرا.

المحور المعنوي: ويرتكز على أن تكون هناك قوة حق، يمكنها وبوسائلها أن تبلغ تلك الشخصية وتفهمها للآخر: انشغالاتها، مصالحها، توجهاتها وما هي الروابط والعلاقات المتصلة بذلك والتي يمكن أو يحتمل للآخر\المقصود أن يكون متأثرا بها أو مؤثرا فيها. وباعتبار هذا الحق المشروع؛ فإنه من الضروري خلق القوة القادرة على تبليغه بشرية\مادية، خاصة أنه حتميا من بين ذلك الآخر هناك من يبني مواقفه مبدئيا على شرعية الحق، ومن هنا يبدأ ربط ونسج علاقات التحالف.

يمكن في هذا الإطار أن نقدم تأسيس الوحدة الوطنية في 12 أكتوبر 1975 للإستدلال على خلق التحالف الداخلي. لنعود قليلا للإشارة إلى تداعيات الدعوى القضائية التي رفعها النظام المغربي لمحكمة العدل الدولية والهادفة إلى تشريع وترسيم الأدعاءت المغربية في ملكية الصحراء الغربية. بعد أن قدم الطرفان: الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب والمملكة المغربية أدلتهما، أصدرت قرارها الشهير الذي سيعرف فيما بعد إصطلاحا بقرار “محكمة لاهاي” في 16 أكتوبر 1975، والذي ينص على: “تستنتج المحكمة ان العناصر والمعلومات المنقولة إلى علمها لا تشكل وجود أي روابط سيادة إقليمية بين إقليم الصحراء الغربية من جهة وبين المملكة المغربية أو المجموعة الموريتانية من جهة ثانية..”، وعليه فالمحكمة لم تكن في صالح المغرب على الرغم من أنه هو الذي رفع الدعوى. لم يستجب المغرب لهذا القرار وقرر غزو الصحراء الغربية في 31 أكتوبر 1975.. إذن لقد أصبح الوضع خطيرا جدا وبالتالي فلا بد من تجميع عناصر القوة الذاتية\التحالف الوطني لصد العدوان الجائر على الوطن باعتباره مصلحة مشتركة بين كل الصحراويين. يقول الولي موضحا مفهوم هذه المصلحة: “تتشكل الرابطة من الناحية العلمية على أساس المصلحة، وعليها تتقوى وتنمو، وكلما كبرت المصلحة المشتركة، كانت الرابطة أقوى، وكلما كانت المصلحة أقل ضعفت الرابطة..”.

ثم يتابع قائلا: “معناه أن الرابطة ليست مسألة مجردة، تتحدد خياليا أوعاطفيا”.
“الذي جعلنا نحب العرب هو أن نحقق من خلالهم مصلحة شعبنا، وعندما لا توجد مصلحة لنا لدى العرب فنحن لا نحب العرب”.

على أسس تلك المصلحة المشتركة غير العطفية بطبيعة الحال جاء تأسيس الوحدة الوطنية\المحور المادي كتعبير عن وجود تنظيم وطني واعي بمصلحة الشعب المشتركة. “الشعب الصحراوي حقيقة، والشعب الصحراوي قدرة وقوة”. (خطاب الوحدة الوطنية).

وفي الواقع فإن الأمر لم يكن هينا إلا بالطريقة التي نسردها، فكيف يمكن أن نتصور في ذلك الوقت أن يقوم شاب يافع بتجميع كبار مشياخ القبائل في إطار ليست له أية صلة باسبانيا؟ ليس تجميعهم فقط ولكن كذلك محاججتهم واقناعهم في لحظات وجيزة جدا ببطلان إرثهم القبلي (مصدر رزقم ووزنهم الاجتماعي منذ ععقود) إلى درجة إعلانهم التنازل عنه نهائيا وعن “زعامتم الطبيعية تحت الوصاية” والانخراط طواعية وإراديا في الجبهة؟ كيف يمكنه ذلك وهم الذين تشكلت “اتجاهاتهم السياسية\الولائية” تحت تأثير المصالح المادية المباشرة؟ لا بد أن أمرا ما ـ غير طبيعي\خارق قد تدخل ـ لم يكن ذلك الأمر إلا قوة التأثير العقلي الهائلة التي تميز بها ذلك الشاب\الولي وقدرته على استعراض شروط الحق ومفهومه وتجلياته.

لا يجب أن نجافي البعد الاستراتيجي للوحدة الوطنية كمكسب مبني أصلا على مكسب سبقه وجعل منها الحزام\الواقي ـ كما سبق وأن أشرنا إليه ـ من الصدمات الموجهة للمكاسب الوطنية\البناء التنظيمي، لقد ظهر ذلك أساسا وجليا في السنوات اللاحقة.

يقول الولي: “إن الغاية الكبرى التي نطمح إلى الوصول إليها هي: شعب منظم، ملتحم، قادر، محترم وفوق أرضه.”

يمكن كذلك أن نقدم نموذجا آخر للتحالف الخارجي: خلق جبهة تقدمية في المنطقة (فكرة الراحل بومدين)
“إن الصعوبات الجهوية أيضا في المنطقة، منطقة المغرب العربي والصعوبات العالمية لم تمنع الأنظمة الثورية في المنطقة ولم تمنع الشعوب الثورية ذات التجربة الثورية، ونسطر على ذات التجربة الثورية، لم تمنعها من عدم مساعدة الشعب العربي في الساقية الحمراء ووادي الذهب”.

الجبهة التقدمية (الجزائر، ليبيا، الصحراء الغربية). كان الولي يدرك تماما أن بالمنطقة تحالف خطير لقوة رجعية\امبريالية: المغرب، موريتانيا، تونس. وبالتالي رأى من الضروري تفعيل فكرة قوة أخرى تقدمية\ثورية: الجزائر، ليبيا والصحراء الغربية، كضرورة استراتيجية للحفاظ على والدفاع عن المصالح المشتركة ولكن كذلك لحاجة الصحراويين آنذاك إلى إطار أوسع لمساندتهم خصوصا بعد “اتفاقية مادريد” في 14 نوفمبر 1975 القاضية بتقسيم الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا، والشروع في الغزو المغربي الموريتاني لبلادنا في نفس السنة، والقصف الهمجي الوحشي للمواطنين الصحراويين العزل بالنابالم والفوسفور.. إلخ من الأحداث التي أنحت بالصراع إلى واجهة خطيرة جدا.

يقول الولي: “نحنَ الآن كيف حَدْ فارض راسُه، محدُّو مالي العين تعطيه الناس حسابه، وإلى اتمزرا عِمِّي يا الأرض على ما فيك”.

ساهمت الأحداث السابقة في نزوح آلاف المواطنين الصحراويين كلاجئين إلى الجزائر، الأمر الذي فرض إيجاد إدارة منظمة قادرة على تأمينهم سياسيا وغذائيا وصحيا وتربويا واجتماعيا. بطبيعة الحال لم تكن الجبهة في تلك الظروف تمتلك من المقومات البشرية والمادية القادرة على ذلك، وعليه فلا بد من تشكيل حلف\داعم خارجي: الجبهة التقدمية، للمساعدة على تجاوز تلك الوضعية المأساوية من جهة والتصدي لأوجه الممارسات الاستعمارية في المنطقة قوى الرجعية\الامبريالية من جهة أخرى.

“إن هذا التحدي الإمبريالي الرجعي ضروري أن يجد تحديا أعنف وأصلب وأثبت لدى قاعدة الثورة في المنطقة”. (بيان اللجنة التنفيذية ـ ماي\1976)،
“.. الصراع في المنطقة هو صراع ما بين القوة التقدمية والرجعية في المنطقة”، (الولي 20 ماي 1976)،
لهذا السبب أجرى الولي اتصالات مختلفة مع بعض القوى السياسية والاجتماعية في المغرب وموريتانيا ومالي، كما أجرى عدة لقاءات مع بعض زعماء المنطقة لإقناعهم بهذا الحف:

1. لقاءات مع الراحل هواري بومدين، وبعث إليه رسائل عديدة شملت المواضيع التالية:
– تحليل لخطورة الصراع في المنطقة.
– طرح فكرة تفعيل الجبهة التقدمية الثلاثية تضم كلا من: الجزائر، ليبيا والصحراء الغربية.
– تعميق فكرة مغرب الشعوب.
– رفع روح التحدي والاستعداد عند الجزائر (خاصة في اللقاء الذي جمعهما قبيل دخول الغزو)، وذلك بتوضيح أن غزو الصحراء الغربية يعتبر إهانة مباشرة للثورة الجزائرية وتحديا لها. هذا الأمر أكدته كذلك اللجنة التنفيذية فيما بعد في بيان أصدرته شهر ماي 1976 بالقول:
“إن عملية احتلال الساقية الحمراء ووادي الذهب ليست تهديدا للشعب الجزائري ومكاسبه فقط، ولكنها أيضا كانت تحديا له ولثورته”.
– طرح احتمالات الغزو الذي يهدف إلى إبادة الصحراويين، مما يستدعي أن تلعب الجزائر دورا هاما ومحوريا في في فتح الأبواب للاجئين الصحراويين.

2. لقاءات مع العقيد أمعمر القذافي، تناولت:
– تعميق احساس ليبيا بالانتماء إلى المغرب العربي.
– آفاق التحرر والوحدة والذي يتأسس على وحدة شعوب المغرب العربي.
– دور الجبهة التقدمية الثلاثية في إرساء دعائم هذه الوحدة.
– دور ليبيا في الاعترافات بالج. الع. الص. الد.

لقد أقنع الولي الزعيمين الجزائري والليبي بأهمية تفعيل هذا الحلف وبضرورته. فقد خاطب الراحلُ بومدين حشودَ الجماهير الجزائرية ـ في وهران ـ قائلا: “نحن نفتح ذراعينا للصحراويين الفارين من الذبح، من القنبلة.. للأطفال، للنساء، للعجزة.. إلخ”.

وفي رسالة له إلى ملك المغرب الحسن الثاني مؤرخة في 28 فبراير 1976 يؤكد القذافي مسؤوليات ليبيا التاريخية أمام ما يتعرض له الشعب الصحراوي قائلا: “إن الصوت الذي لا بد وأن يصغي له العالم هو صوت شعب الصحراء سواء في الوحدة معك أو الاستقلال بجوارك”.

ولا يمكن أبدا أن ننسى الدور البارز الذي لعبته الجزائر وليبيا ـ خاصة في تلك السنوات العجاف ـ من دعم للشعب الصحراوي ماديا ومعنويا ومساندته في كفاحه المشروع.

لم يكتف الولي بهذا المشروع بل كان يرى أعمق من ذلك وأوسع: “مغرب الشعوب” على حد تعبيره، خصوصا وأن به “جبهة تقدمية قوية” كفيل بضمان مصالح شعوب المنطقة واستقرارها على أسس من الاحترام المتبادل ولكن ذلك يتطلب زخما ثوريا نوعيا خاصا. ومع ذلك فقد تمكن ـ كما سلف وأن أشرنا ـ إلى بناء ومد جسور اتصال مع بعض القوى السياسية في المغرب وموريتانيا: حركة إلى الأمام (النهج الديمقراطي حاليا)، حركة الكادحين الموريتانية، ولا زالت هذه القوى كلها إلى الآن مقتنعة ومساندة لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. كما تم الإتصال ببعض القوى السياسية في المشرق العربي في لبنان خصوصا وبعض الفصائل الفلسطينية، واتصالات أخرى بمنظمتي الوحدة الإفريقية وعدم الانحياز، وربط علاقات مع أحزاب اسبانية وفرنسية.. إلخ، ووجهت رسائل ومذكرات إلى الرئيس الموريتاني المخطار ولد داداه وإلى الملكين المغربي والإسباني، كما وجه مذكرة مطولة وهامة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثلاثين أكتوبر\1975.

ونظرا لللوضعية التي تتميز بها دولة مالي: بلد تربطنا به علاقات تاريخية، لكنه كذلك بلد محايد إلى حد ما تجاه الصراع الدائر في المنطقة، وجغرافيا يتموقع قريبا من ترابنا مع وجود تماسين أساسيين: تماس مع بلد صديق\الجزائر وتماس مع بلد غازي\موريتانيا، هذه النقاط المهمة لم يفوتها الولي واستغلها أحسن استغلال، فقام بإجراء اتصالات مع بعض القوى الاجتماعية المالية ولقاء مميزمع الرئيس المالي موسى طراوري (نهاية فبراير 1976)، تناول مواضيع هامة منها:
– تنبيه القيادة المالية إلى مسؤولياتها أمام ما يتعرض له الشعب الصحراوي من غزو وتنكيل.
– التعاون الاستراتيجي بين البلدين مستقبلا.
– اعتراف مالي بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير.
– مناشدة الرئيس موسى طراوري للعمل لدى المخطار ولد داداه للخروج من الحرب والتزام الحياد، وإلا فإن أبى فإنه سيخسرها حتما.

اعترفت مالي بعد ذلك بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير وبالج. الع. الص. الد. دون أن يؤثر ذلك على وضعيتها الحيادية التي استقرأها الولي قبل ذلك، هذا الحياد يُبرهن عليه بعقد أول مفاوضات سرية بين الجبهة الشعبية والمملكة المغرب في هذا البلد 1979.

وعموما فإن أبعاد اتصالات الولي بالأوساط المالية، ستكون لها تجليات استراتيجية أخرى أعمق وأكثر بعدا من كونها اتصالات استباقية مع عدو، شرس، متعدد الأطراف ويمتلك كل مؤهلات التفوق أو كونها اتصالات لغرض ابقاء مالي في الحياد، إنما الخلفية الرئيسية هي جعل من دولة مالي بلدا حليفا.

ملاحظة: أثناء تواجده بدولة مالي، وجه الولي الرسالتين التاريخيتين إلى كل من ملك المغرب “الحسن الثاني” والرئيس الموريتاني “المخطار ولد داداه”.

وفي هذا المجال عموما لا يمكن أبدا حصر أهداف واستراتجيات التحالف التي كان يخطط لها الولي، فهي ممتدة زمنية بصيغة تسلسلية تراتبية، وأوجهها متعددة، وخطوطها متشعبة، وفي نفس الوقت كانت تدار بشكل رائع جدا إلى درجة الالهام الفني الخالص. ويمكن الوقل أنها تشكلت على إثر قناعته بالدور الذي يلعبه الفعل الديبلوماسي والإعلامي، يزكي هذا التصور تشكيل “لجنة للعلاقات الخارجية” و فتح مكتبين للجبهة في كل من طرابلس والجزائر، وتأسيس مجلة 20 ماي في 27 نوفمبر 1973، والإذاعة الوطنية وجريدة الصحراء الحرة وغيرها من الوسائط الإعلامية\التحريضية كالبلاغات والمناشير والمهرجانات واللقاءات والمؤتمرات.. إلخ.

04. تسخير الذات
كان الولي من أكثر الناس احتراما وتمسكا وحرصا على عادات شعبه وثقافته ولغته “الحسانية”، ولم يدخر جهدا منذ صغره في الإطلاع والتشبث بذلك الموروث، مقرنا أقواله بسلوكاته: “إننا لا نقول الكلام فقط، وإنما نصحبه بالفعل والتطبيق ونترك الفعل يتحدث قبل الكلام”، ظل مترفعا عن أغراض الدنيا، شغلته قضيته حتى عن جوانبه الأكثر خصوصية، فكان قاسيا وصارما مع نفسه، واع بحسمه لأموره الشخصية منذ البداية، في الوقت الذي كان مرنا\لينا مع الآخرين ولم يفرض نمط شخصيته على غيره.

وقد حدث أن سأله أحدهم في بداية سنة 1976: لماذا لا تتزوج؟ فأجاب مستغربا: “كيف أفعل وقد (حصرت) الصحراويات على ظهر الحمادة؟”.

وعندما قرر مع مجموعة من الطلبة الصحراويين ترك مواقع الدراسة، جمعهم ثم قال: “الثورة الآن أو أبدا”، ومع ذلك فقد أرجع لهم حرية اختيار القرار حرصا ألا يظلم من لازال يراوده شك أو تردد. وفي عملية الخنكة 20 ماي 1973 التي خطط لها بنفسه قدم نفسه لتنفيذها وبالتالي التعرض للخطر وربما الموت المحتوم دون تردد، وفي هذه العملية تم أسر بعض الجنود، ولكن صدره كان رحبا لهم فأعطاهم الخيار الإرادي للإنضمام للجبهة أو ليذهبوا، هرَّب بعض الأسلحة الخفيفة من لبنان مرورا بليبيا ووصولا إلى مطار الجزائر. قاد معظم العمليات العسكرية التي خاضها جيش التحرير الشعبي الصحراوي من الخنكة إلى آمقالا وعين بن تيلي والسمارة..إلخ، ونهاية بعملية نواقشوط التي خطط لها أيضا وكان سباقا لتنفيذها وآخر من كان ينسحب منها.

وفي المقابل ظلت انسانيته منضبطة مسخرة طيلة مسيرة حياته للتواضع والبساطة وحسن الخلق، والتقشف والكرم، ولمساعدة الآخرين. اتصف بالذكاء الثاقب والحيوية واليقظة والنضج العقلي والفكري والثبات والمثابرة والصبر والجلد والقدرة على هندسة القرار، وبصدق النية ونزاهة النفس، واحترامه الكبار، ولطف المشاعره تجاه الأطفال وحبه لهم، وعطفه على النساء والضعفاء وابناء الشهداء.. والشعب عامة: “إذا كان أحدكم مسؤولا وجاءه فرد من أفارد القاعدة الشعبية يسأل عن حاجته، اقضوا له هذه الحاجة وهو مرفوع الرأس، مرفوع الكرامة”.

لقد كرس الولي نفسه لشعبه وقضيته، وجعل من ذاته جسر عبور لكل الصحراويين ولآمالهم وتطلعاتهم في الحرية والعزة والكرامة. لم يدخر شيئا من ذاته إلا وقدمه بتواضع في سبيل ذلك. فعرَّض نفسه للإهانة والتعذيب، وتخلى عن مقاعد الدراسة وهو الطالب النجيب، ولم يبخل بجهده مطلاقا في سبيل قضية شعبه، وعانى من ويلات الجوع والعطش والسير على الأقدام ما لا يمكن حصره، مسخرا نفسه رأس حربة لقهر الأعداء، وجاعلا منها درعا للفداء. لم يعرف الخوف سبيلا إلى قلبه، فتغلب على خوف الموت مدركا أن ذلك التحدي هو في نهاية المطاف تعبير راق عن الانتصار على القهر والرضوخ: التخلص من الضعف وتحويله إلى قوة وسمو، دون أن ينحرف بشخصيته إلى متسلطة، بل بالعكس تماما من ذلك فكانت في كل مرة تتمادى رضوخا في التواضع.

إن من مميزات شخصية الولي الراقية المؤثرة هو تفكيره السوي المنسجم، الممنهج والواسع.. وتعتبر هذه صفة أساسية من صفاة الذهنية الحضارية، فحين تتبع خطاباته لا يمكنك أبدا أن تكتشف أي تناقض أو اعتباطبة في تفكير الرجل بالرغم من الظروف المختلفة التي ألقيت فيها وبالرغم من أنه في الغالب يرتجلها. لقد كان يعرض الأمور بصورة منطقية\محسوبة وتراتبية وليست حدسية، وهو الأمر الذي يؤكد تماما قدرته الهائلة على الإحاطة والتحليل والتوليف والتخطيط وتجاوز الحاضر.

إستنتاجات
– الولي مؤثر لكونه انسان تربوي قبل كل شيء، فهو يوظف العلم ويخاطب العقل، ويتجاوز المفهوم الخاطيء ليس باغتياله ولكن من خلال استدراج التصورات القبْلِية عنه والبناء بالتالي عليه لتشكيل مفهوم صحيح، مفهموم وأزلي.
– الولي مؤثر لكونه انسان اجتماعي\متفتح، متشبع بثقافة مجتمعه، ويخاطبه بالمفهوم العلمي\العقلي ولكن بعد أن يوائمه مع الثقافة الاجتماعية.
– تأثير الولي مستمر كونه على حق، منطقي، عقلي وخالي من التناقض.
– الولي مؤثر لأنه مطلع، واعي بالمصلحة الوطنية، محاجج ويمتلك الشخصية الحضارية.
– الولي مؤثر لأنه يقرن أقواله بأفعاله.
– الولي مؤثر لأنه سخر ذاته لما يؤمن به.

المراجع:
– خطابات الشهيد الولي (خطاب الأطر، خطاب أم ادريكة، خطاب 20 ماي 1976).
– كلمة الشهيد الولي 12 أكتوبر 1975.
– المذكرة التي رفعتها الجبهة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثلاثين 1975.
– وثيقة الوحدة الوطنية 1975.
– مجلة 20 ماي عدد 30\31.
– مجلة 20 ماي عدد 43.
– بعض أدبيات المؤتمر التأسيسي الأول للجبهة.
– بعض أدبيات المؤتمر الثاني للجبهة.
– بعض أدبيات المؤتمر الثالث للجبهة.
– الج.الع.الص.الد. ماض وحاضر.
– مجلة الاستفتاء عدد 54 يولويز 1996.
– بحوث ومقالات وطنية.
– ليلى بديع عيتاني، البوليساريو قائد وثورة، دار المسيرة. بيروت لبنان ـ الطبعة الأولى 1978.
– فلاديمير ماكسيمنكو، الانتلجينسيا المغاربية (ترجمة عبد العزيز بوباكير)، دار الحكمة ودار النهضة، الجزائر ـ الطبعة الأولى مارس\1984.
– د. مصطفى حجازي، التخلف الاجتماعي و سيكولوجية الانسان المقهور، معهد الانماء العربي. بيروت ـ الطبعة السادسة 1986.
– د. محمد عصمت بدر، الشعب الصحراوي قصة كفاح، نينوى سوريا ـ الطبعة الأولى 2004.

أحدث الإضافات

أبرز الأخبار

8 ماي / أيار 2024

بئر لحلو (الجمهورية الصحراوية)– نفذت وحدات جيش التحرير الشعبي الصحراوي هجمات جديدة استهدفت فيها تخندقات جنود الإحتلال المغربي بقطاع حوزة، حسب البلاغ العسكري الصادر عن المديرية المركزية للمحافظة السياسية للجيش. وأبرز البلاغ أن مفارز متقدمة من الجيش الصحراوي نفذت أقصافاً مركزة على مواقع مختلفة لتخندقات جنود جيش الاحتلال في مناطق: فَدْرَةْ اُلْعَشْ (على الساعة 15:00)، فَدْرَةْ […]

أخبار الصحراء الغربية

8 ماي / أيار 2024

ولاية الشهيد الحافظ (الجمهورية الصحراوية)– أصدرت وزارة الداخلية الصحراوية، اليوم الأربعاء، بيانا للرأي العام حول جريمة قتل وقعت ليلة البارحة، راح ضحيتها شاب من دائرة لكْويرة بولاية أوسرد، مُعلنة تمكن الأجهزة الأمنية من القبض على مجموعة من المشتبه فيهم وإحالتهم على التحقيق.  وأوضحت الوزارة في البيان الصادر عن المكتب الإعلامي، “أنه وعلى إثر جريمة القتل التي وقعت […]

أبرز الأخبار

8 ماي / أيار 2024

نيروبي (كينيا)– تتواصل لليوم الثاني على التوالي قمة الأسمدة وصحة التربة بأفريقيا 2024، والتي تستضيفها العاصمة الكينية نيروبي، تحت شعار “لنستمع إلى صوت الأرض”، بحضور كل من وزيري الشؤون الخارجية والشؤون الاقتصادية في حكومة الجمهورية الصحراوية، محمد سيداتي وبابا أحمد محمد يحظيه أفديد. وعكفت اجتماعات القمة في يومها الثاني على تقييم حالة صحة التربة في أفريقيا، مع […]

أبرز الأخبار

8 ماي / أيار 2024

أديس أبابا (إثيوبيا)– عرضت الجمهورية الصحراوية تجربتها في مجال الصحة المحلية، وذلك خلال مشاركتها في الإجتماع القطري الذي يشرف عليه مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها بالتعاون مع منظمة اليونيسيف.  الإجتماع الذي يدوم إلى غاية 11 ماي الجاري بأديس أبابا، مخصص للتشاور والتنسيق بين مختلف الفاعلين  في ميدان الصحة المجتمعية، بحضور عديد الدول الإفريقية منها وفد يمثل الجمهورية الصحراوية، […]

أبرز الأخبار

8 ماي / أيار 2024

واشنطن (الولايات المتحدة الأمريكية)– أكد وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، أن واشنطن علقت بالفعل إرسال شحنة قنابل لإسرائيل في ضوء معارضتها لعملية عسكرية كبيرة في رفح جنوب قطاع غزة، وتحدث في الوقت ذاته عن الأهداف الحالية لأميركا في منطقة الشرق الأوسط. جاء ذلك خلال جلسة بمجلس الشيوخ، اليوم الأربعاء، حيث أدلى وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان بشهادتيهما بشأن طلب ميزانية […]

أبرز الأخبار

8 ماي / أيار 2024

تل أبيب (إسرائيل)– دعا رئيس الاستخبارات العسكرية السابق في الكيان الصهيوني، تامير هايمان، إلى إنجاز صفقة واحدة تعرض فيها إسرائيل وقفا كاملا للحرب مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى، معتبرا أن أي صفقة متدرجة ومقسّمة ليست ناجحة. وأكد هايمان -في مقال نشره معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب- أن العملية في رفح لها 4 أهداف، “من […]

أبرز الأخبار

8 ماي / أيار 2024

أزال العديد من المتظاهرين في عدة جامعات مخيمات التضامن مع قطاع غزة بعد أن وافقت هذه الجامعات على النظر في سحب الاستثمارات من إسرائيل. وذكر تقرير للجزيرة أن احتجاجات طلابية اندلعت في جامعات بمختلف أنحاء العالم خلال الأسابيع الأخيرة، قام بها الطلاب وأعضاء هيئة التدريس المؤيدون للفلسطينيين والرافضون للعدوان الإسرائيلي على غزة، الذي أدى إلى استشهاد أكثر من […]

أبرز الأخبار

4 ماي / أيار 2024

ولاية بوجدور (الجمهورية الصحراوية)– تم أمس الجمعة الإعلان عن تأسيس فيدرالية الصحفيين والإعلامين المهتمين والمتضامنين مع القضية الصحراوية، وذلك خلال أشغال الندوة الإعلامية الدولية الأولى للتضامن مع الشعب الصحراوي، التي التأمت أشغالها أمس بولاية بوجدور.  وتهدف الفيدرالية، حسب بيان التأسيس، إلى توحيد الجهود الإعلامية لتنوير الرأي العام  الدولي حول حقائق وتطورات القضية الصحراوية، والمساهمة في […]