ــ بقلم: المحفوظ عبد العزيز

لماذا الحديث عن قضية الكركرات مجددا في هذه الظرفية بالذات؟

– تذكير: لقد شكل الموقف الحازم لجبهة البوليساريو في قضية الكركرات سنة 2016 نقطة تحول لها ما قبلها وما بعدها في مسلسل التسوية الأممية المتعلق بالنزاع حول الصحراء الغربية؛ كما قُوبل هذا الحزم باستحسان كبير على المستويين الرسمي والشعبي داخل الجسم الصحراوي. بالنسبة لإعادة الانتشار التي سبقت اعتماد لائحة مجلس الأمن السنوية، بالرغم من خيبة الأمل النسبية التي رافقتها، فقد مكّنت الجبهة من التفاوض من موقع أكثر أريحية، وجني مكسبين تفاوضيين على الأقل، هما:
ــ تفادي الادانة من جهة، مع العلم أن اللوائح الأممية تُبنى بالتراكم، أي أن صدور فقرة تتضمن إدانة لطرف ما قد تترسخ لسنوات طويلة، مما قد يغير من التوازنات والتوجهات الكبرى (إدانة جبهة البوليساريو وتحميلها وزر الجمود على حساب المغرب).

ــ إعادة ملف احترام اتفاق وقف إطلاق النار إلى الواجهة؛ هذه النقطة لها دلالات كبيرة، باعتبار أن السياق العام للإتقاق المبرم في شهر 9 من سنة 1991، بغض النظر عن تفاصيله التقنية، جاء بفكرة ضمنية مفادها أن وقف إطلاق النار يستلزم ويستوجب إجراء استفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي.

ــ الرسالة المباشرة من إثارة قضية الكركرات حاليا يمكن اعتبارها خطوة استباقية تمهيدية لمعركة أبريل القادم، الذي لا يفصلنا عنه سوى 4 أشهر؛ قامت الجبهة، على لسان أمينها العام ورئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، بتذكير مجلس الأمن بالتزاماته وبضرورة فتح هذا الموضوع الشائك للنقاش، لتحديد مسؤولية كل الأطراف، مما سوف يؤدي بلا شك إلى إدانة المغرب باعتباره الطرف المنتهك للإتفاق. وعليه، من يرى بأن هذه الخطوة كانت اعترافا بنكسة في تسيير ملف الكركرات كمن يركّز النظر على الجزء الفارغ من الكأس؛ لماذا؟ يتفق الجميع على أن قضية الكركرات تمثل نقطة تماس ميدانية مباشرة في زمن وقف إطلاق النار، بالموازاة مع المعركة الحقوقية والانتفاضة وقضية نهب الثروات الطبيعية. لذلك، وجب تفعيلها واستغلالها بما يتماشى مع المعطيات الميدانية من جهة، والسياق الدبلوماسي التفاوضي من جهة أخرى.

ــ الرسالة المبطنة، وبوضع الأحداث والتطورات في سياقها، وهذا من أبجديات محاولات التحليل، فإن الجميع على علم باعتزام المغرب الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، المعروفة اختصارا بـ”Ecowas” (باللغة الانجليزية) أو “Cedeao” (باللغة الفرنسية) والتي تتخذ من عاصة نيجيريا مقرا لها. إن هذا الانضمام هدفه تفادي التواجد مع الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في نفس المجموعة الجزئية المكونة للإتحاد الأفريقي من جهة، والتأثير على أعضاء “Ecowas” الداعمين للقضية الصحراوية (نيجيريا وغانا) أو المحايدين على الأقل لتبني الطرح المغربي من جهة ثانية.

كعربون محبة أو بادرة حسن نية، أعلن المغرب عن مشروع أنبوب الغاز الذي سيربطه بدولة نيجيريا، مرورا بجل دول الايكواس، مما سيعود عليها بفوائد اقتصادية معتبرة (دفع رسوم دورية كحقوق لمرور الأنبوب وكذا الاستفادة المباشرة من الغاز النيجيري)؛ يراهن المغرب عبر هذا المشروع على تحصيل تأييد سياسي أكبر مقابل المكاسب الاقتصادية المذكورة، وهذا من ثوابت الدبلوماسية المغربية، التي ما انفكت تركز نشاطاتها الاقتصادية في الدول المساندة للقضية الصحراوية بغية تليين مواقفها، والأمثلة على ذلك كثيرة (جنوب السودان، إثيوبيا، كينيا، تانزانيا،…).

إن تأكيد جبهة البوليساريو من جديد للمغرب وللمجتمع الدولي على ضرورة احترام الطابع القانوني للمنطقة العازلة بلغة الأمم المتحدة، وكذا سيادتها التامة على الأراضي المحررة، هو نعي لمشروع الأنبوب الغازي الذي لا يمكنه بتاتا، بالاحتكام إلى الخرائط، المرور بريّاً إلى الأراضي الصحراوية المحتلة والأراضي المغربية إلا عبر «المنطقة الرمادية» الكركرات ذات الطابع القانوني المبهم لدى الأمم المتحدة: عازلة من جهة، ويتم استغلالها اقتصاديا من طرف المغرب من جهة ثانية (بطبيعة الحال، هذا إذا سلمنا جدلا أن تمرير الأنبوب عبر مياه المحيط الأطلسي مستبعد، نظرا للتكلفة العالية لهذه العملية).

نعتقد أن المغرب على أتم الدراية بذلك، بل يريد من هذه الخطوة خلق نوع من اللغط والتعارض في المصالح بين الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وحليفتها نيجيريا، بعد أن يئس من ثني موقف هذه الدولة المبدئي الداعم للشعب الصحراوي كما يئس الكفار من أهل القبور.

ــ كخلاصة، قضية الكركرات قضية مفصلية، يمكن أن تلقي بظلالها على الكثير من الجوانب المتعلقة بالقضية الوطنية. لذلك، كان من الأفضل التعامل معها بقدر عال من الوعي والتجند، لا سيما من طرف الديبلوماسية الصحراوية الموازية (وسائل الاعلام خاصة)، عوض تبني قصر النظر كمعيار للتحليل… وكذا البكاء على اللبن المسكوب.

مواضيع من نفس الفئة

الصحراويون يطلقون هاشتاغ “شكرا اتحاد العاصمة” تقديرا لموقف الفريق الجزائري من مسرحية ...

28 أبريل / نيسان 2024

الجمهورية الصحراوية تشارك في اجتماع لوزراء الصحة الأفارقة

28 أبريل / نيسان 2024

الرئيس الصحراوي يهنئ نظيره الجنوب أفريقي بمناسبة احتفال بلاده باليوم الوطني للحرية

28 أبريل / نيسان 2024

وحدات الجيش الصحراوي تقصف قواعد لجيش الاحتلال المغربي بقطاعي المحبس والفرسية

28 أبريل / نيسان 2024