ولاية الشهيد الحافظ (الجمهورية الصحراوية)– أجرت جريدة الخبر الجزائرية في عددها 10547 الصادر اليوم الأحد، مقابلة مطولة مع السفير والكاتب الصحراوي، ماء العينين لكحل، حول الذكرى المزدوجة الخمسين لتأسيس جبهة البوليساريو واندلاع الكفاح المسلح.

وأبرزت الجريدة الجزائرية تأكيد الدبلوماسي الصحراوي، ماء العينين لكحل، على أن “الشعب الصحراوي مستعد للفناء عن بكرة أبيه دفاعاً عن حقوقه”، وعنونت به الحوار.

وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:

50 سنة منذ تأسيس جبهة البوليساريو و50 سنة من قيادة نضال الشعب الصحراوي في زمن السلم والحرب، ما الذي يعنيه هذا التنظيم بالنسبة للصحراويين؟

الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، أي جبهة “البوليساريو” كما هي معروفة باختصارها باللغة الاسبانية، هي بمثابة الروح للشعب الصحراوي الذي قرر عند تأسيسها يوم 10 ماي 1973 الخروج من حالة العدمية السياسية، ومن حالة التشتت والتشرذم الاجتماعي والوجودي، للدخول في حالة فرض الوجود كشعب موحد، منظم، وواعي بواقعه، مستعد لمواجهة التحديات التي فرضتها حالة الاستعمار الاسباني آنذاك ثم حالة الغزو والاعتداء والاحتلال الذي تعرضت له بلادنا على يد نظام التوسع المغربي.

الجبهة هي أيضا الحاضنة التنظيمية الوطنية لكل الوطنيين الصحراويين المؤمنين بحق شعبهم في الحرية والاستقلال، حاضنة لأي صحراوي مهما كانت طبيعة توجهه السياسي، أو الفكري، المهم أن يكو مؤمنا بحق الشعب الصحراوي في الوجود، ومؤمنا بالمبادئ التي تأسست عليها الجبهة وعلى رأسها مبدأ وخيار قدسية الوحدة الوطنية، وقدسية احترام والدفاع عن حق الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال، وبالتالي مستعدا ومؤمنا بضرورة بذل الغالي والنفيس من أجل تحرير الأرض والإنسان.

وعليه، فالجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وبقرار واع ومسؤول من كل أبناء الشعب الصحراوي المؤمنين بحق شعبهم في التحرر، هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، والناطق البليغ بإرادة هذا الشعب، والمدافع والمنافح الأساسي عن حقوقه.

كيف يمكن أن نقيم مسيرة الجبهة خلال نصف قرن؟

يجب أن نتفق أولا أن نصف قرن فترة زمنية قصيرة نسبيا في حياة الشعوب، ولكن رغم ذلك فقد حققت الجبهة قفزة هائلة بالشعب الصحراوي كما قلت من العدمية السياسية والتشرذم وغياب الكيان السياسي، إلى الوجود السياسي الواعي والهادف. وأعتقد أن حقيقة نجاح الجبهة وفي ظرف سنتين أو أكثر قليلا من اقناع كل أبناء الشعب الصحراوي في التوحد تحت لوائها والانخراط كرجل واحد في الثورة ضد الاستعمار كان أكبر إنجاز على الاطلاق.

وبطبيعة الحال مكن هذا الانجاز الجوهري الجبهة من مراكمة عشرات الانجازات من قبيل تأسيس الجيش الشعبي الصحراوي، الذراع المسلح للجبهة، وإعلان وبناء الدولة الصحراوية بكل مؤسساتها، وتحقيق انتشار سياسي ودبلوماسي في كل أنحاء المعمور يتجاوز في حالات كثيرة ما حققته دول أخرى موجود منذ عصور، والوصول بصوت الشعب الصحراوي إلى كل محافل وأجهزة صنع القرار السياسي العالمي سواء على مستوى هيئات الأمم المتحدة، واو الاتحاد الأفريقي، أو الاتحاد الأوروبي، ودول عدم الانحياز، والمجموعات الاقليمية الأخرى مثل مجموعة لبريكس، ومجموعات الدول الأمريكية اللاتينية.

الجبهة نجحت أيضا في فرض نفسها وربط علاقات مع طيف واسع من الأحزاب السياسية والنقابات والمنظمات الدولية والقارية والوطنية عبر العالم، وبخلاصة، نجحت الجبهة من وضع القضية الصحراوية على سلم أولويات جميع المنظمات دولية أو قارية، وكسرت بجهود مناضليها ومناضلاتها الحصار السياسي، والاعلامي الذي بذل المغرب وكل حلفائه ملايير الدولارات لفرضه على هذه القضية منذ 1975 وحتى الآن.

وأخيرا، تكفي الإشارة إلى أن الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب قد أثبتت أنها عصية على الابتلاع، وعصية على التهميش، وقادرة على تجديد نفسها، وعلى تجاوز ومواجهة كل الظروف، والأزمات، والضربات التي يعمل الاحتلال المغربي بمختلف أذرعه، وتحالفاته الخطيرة على توجيهها لها. ولعمري أن هذا إنجاز يستحق كل الثناء.

الجبهة مكونة من أفراد عددهم قليل واليوم جمهورية معترف بها من طرف حوالي 100 دولة، ومعترف لها كممثل للشعب الصحراوي، ما الذي يعنيه بالنسبة للشعب الصحراوي والقيادات الصحراوية؟

إذا عدتم إلى بدايات الجبهة وكيف شكل الرعيل الأول من الآباء المؤسسين مؤسساتها ربما لن تصدقوا حجم الانجاز، بل وسيعتقد الكثيرون أن كل ما يقال عن هذه البدايات مجرد أساطير وتخيلات. ولكن الحقيقة أن الجبهة نجحت مثلا بتأسيس جيش التحرير الشعبي الصحراوي الذي نعرفه اليوم بمجموعة صغيرة من المقاتلين الذين لا يتجاوزون ربما أصابع اليدين وبتسليح لا يتعدى أربعة أو خمسة بنادق قديمة. ولكنها وفي ظرف وجيز، وبفضل تفاني، وبطولات المقاتلين الصحراويين بات الجيش الشعبي الصحراوي مثالا يحتذى به من قبل جميع حركات التحرير التي عاصرت معارك وبطولات المقاتلين الصحراويين، وتعلمت الكثير من العمليات الاسطورية التي خاضوها وكبدوا فيها جيش الاحتلال المغربي المدعوم من كل الغرب آنذاك خسائر لا تصدق.

نفس الانجازات الاسطورية حققها المناضلون الصحراويون على مستوى العمل الدبلوماسي، حيث وبإمكانيات لا تكاد تذكر اخترقوا كل دول العالم سواء عبر انتزاع الاعتراف الرسمي وربط العلاقات الدبلوماسية مع عشرات الدول، أو انتزاع الاعتراف الشعبي العارم عبر ربط علاقات قوية مع أحزاب سياسية مؤثرة، والدخول بالقضية الصحراوية إلى جميع برلمانات العالم، بل حتى البرلمان المغربي اضطر في لحظات معينة لمناقشة القضية الصحراوية وفرضت عليه فرضا.

نفس الانجازات أنجزها مناضلو الجبهة والشعب الصحراوي في كل المجالات السياسية، والاجتماعية والثقافية وغيرها بإمكانيات وجهود ذاتية، ولكن أيضا بفضل نجاح الجبهة في جلب دعم دولي هائل للقضية الصحراوية منذ البدايات.

كيف استطاعت الجبهة أن تحافظ على وحدتها وعلى قدرتها على توحيد الشعب الصحراوي ورائها كل هذه المدة، بالرغم من كل التحديات التي مرت بها ومحاولات شق صفوفها؟

بكل بساطة نجحت الجبهة في مواجهة كل التحديات، وكل التغيرات الدولية لأنها نجحت في توحيد الشعب الصحراوي على فكرة جوهرية وبسيطة وهي الوحدة الوطنية من أجل تحقيق الوجود والاستقلال الوطني لكل الصحراويين بدون استثناء. الجبهة احتضنت وتحتضن جميع أبنائها، ولا ترى في أي صحراوي مهما كان عدوا لها، بل تحاول إيجاد مكان له ليساهم بشكل أو آخر في المجهود الوطني نحو التحرر.
الجبهة أيضا نجحت في توجيه جهود ابناء الشعب الصحراوي نحو ضرب الاحتلال سواء عبر مؤسسات الجبهة، أو مؤسسات الدولة، أو بالمهجر أو بالمناطق المحتلة. العدو الوجودي للشعب الصحراوي هو من يحرمنا من حقنا غير القابل للمساومة في الجود، وهو نظام الاحتلال المغربي التوسعي الظالم، وينبغي أن نوجه كل قوتنا، وأسلحتنا وجهودنا لضربه في كل مقاتله. هذه هي رسالة الجبهة لجميع أبناء الشعب الصحراوي، وهو ما مكنها من الاستمرار رغم كل التحديات الداخلية، والاقليمية والدولية.

جبهة البوليساريو اليوم تواجه العديد من التحديات، خاصة انها من جهة تسيير الحرب ومن جهة أخرى الدفاع دبلوماسية عن حقوق الشعب، كيف استطعتم ان تقفوا ندا أمام دولة مدعومة من طرف دول فاعلة دوليا؟

الجواب البسيط لسؤالك يكمن في قوة إرادة وإصرار الإنسان الصحراوي على الصمود والتحمل والمقاومة. الإنسان الصحراوي في جوهره إنسان أبي غير قابل للإخضاع أو الاستعباد، إنسان غيور على كرامته وحريته، ويحتقر كل الظالمين، وكل المتكبرين، وكل أشكال القهر أو البلطجة ولا يقف مكتوف اليدين لمواجهة مثل هذا الظلم حتى لو كلفه ذلك حياته. يعني كما يقول الجزائريون، إنسان عندو النيف.
هذا هو باختصار سر نجاح الجبهة والدولة الصحراوية في تسيير جهود الشعب الصحراوي نحو الهدف الوطني الوحيد، التحرر والاستقلال وفرض السيادة.

كيف تنظرون إلى التغييرات التي تعرفها المنظومة الدولية وتوجهها إلى التعددية القطبية، هل هذا الانتقال من الاتحادية إلى المتعددة يصب في مصلحة القضية الصحراوية؟

بالتأكيد أن العالم يتغير، والأكيد أيضا أن زمن القطب الواحد لم يعد ممكنا أن يستمر، وفعليا هناك قوى كثيرة صاعدة ستفرض على البشرية الدخول في تعددية قطبية من نوع ما نتمنى أن تتوجه نحو بناء نظامها الجديد على أسس قوية مبنية على القانون، والتعاون الإيجابي، والاحترام المتبادل، واحترام بالخصوص حق الشعوب في الحرية والوجود وتقرير المصير. هذه مبادئ لامناص من فرضها على الجميع إذا أردنا كبشر أن نواجه التحديات العالمية الحقيقية والخطيرة التي سيواجهها جنسنا البشري مستقبلا، والتي لامناص لنا من مواجهتها مجتمعين ومتعاونين، وعلى رأسها التحديات التي سيفرضها التغير المناخي وشح الموارد عموما (المائية مثلا) مقارنة مع النمو الديمغرافي.

وبالنسبة لانعكاس تغير النظام الدولي على القضية الصحراوية أعتقد شخصيا أنه يسير في صالح فرض احترام حقنا كشعب في الوجود. نظام الاحتلال المغربي المتجاوز على كل الاصعدة لا يمكنه ان يستمر في البقاء بنفس الطريقة التي عاش بها حتى الآن. لا يمكن لشعوب المنطقة، ولا للشعوب الأفريقية ولا للعالم أن يواصل غض الطرف عن نظام طفيلي، توسعي، يستعمل كل الخبائث التي تخطر على بالكم لفرض إرادته على كل المنطقة.

إن مشكلة انعدام الاستقرار وانعدام التكامل والتوافق في شمال أفريقيا وفي القارة الأفريقية سببه الأساسي هو طبيعة النظام المخزني التوسعية. الملكية في المغرب تهدد كل جيرانها، وتتسبب في تضييع فرص تكامل وفرص نهضة سياسية واقتصادية حقيقية بامكان شعوب المنطقة تحقيقها لو حصلت أدنى درجات التفاهم والتعاطي المبنية أساسا على الاحترام المتبادل وتبادل الفوائد والمصالح، وليس فرض الإرادات على حساب الشعوب.

كيف تقيمون المواقف الأخيرة للولايات المتحدة وبريطانيا؟ هل نحن أمام مقاربة جديدة في التعامل الأمريكي مع القضية الصحراوية؟

أعتقد أن الموقف الأمريكي الأخير، ورغم أنه شكل نوعا من التراجع الواضح عن موقف الإدارة السابقة، هو موقف غير كاف، ومايزال يحتاج لشجاعة حقيقية من الحكومة الأمريكية، التي عليها أن تفهم أن مصالحها ومصالح شعوب المنطقة يمكنها أن تتقاطع بشكل إيجابي في حالة واحدة تتلخص في احترام إرادة ومصالح شعوب المنطقة، وتتمثل في دعم خيارات هذه الشعوب، وليس العكس.

إن التعاطي الغامض وأحيانا المتواطئ ولو عبر التجاهل من قبل الإدارات الأمريكية المختلفة مع المغرب طيلة عقود هو ما شجع المغرب على التمادي في اعتدائه على الشعب الصحراوي وعلى شعوب المنطقة، وهو ما يعرقل فرص هائلة يمكن للولايات المتحدة الأمريكية ان تستفيد منها لو غيرت من اسلوبها في التعاطي مع شعوب المنطقة.
كما ان تغاضي الولايات المتحدة الأمريكية، والغرب عموما، عن الانتهاكات المغربية الخطيرة والكارثية في الصحراء الغربية لن يساعد بتاتا على تحقيق أي نوع من الاستقرار أو المصالح المشتركة في المنطقة. يجب أن تكون الأمور واضحة. مشكلة شمال أفريقيا تكمن في نظام المخزن، فهو بمثابة مرض سرطان مزمن لا حل له إلا البتر للأسف الشديد، ولا وجود على ما يبدو لأي إمكانية أخرى لشفائه. النظام الملكي بشكل الحالي كارثة ينبغي التخلص منها، وعلى شعوب كل المنطقة وحكوماتها أن تدرك ذلك جيدا، وتعمل على إيجاد الصيغة الأفضل للتخلص منه لصالح الشعب المغربي قبل أي كان أولا، ولصالح شعوب كل المنطقة.

ماهي رسالة البوليساريو في ذكرى تأسيس للشعب الصحراوي ولحلفائها والدول الصديقة والدول التي لازالت تدعم المغرب؟

رسالة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب للجميع هي أنها صوت وروح الشعب الصحراوي، وممثلته الوحيدة الشرعية، وصوته الذي لا يمكن إخراسه رغم كل المحاولات، وبالتالي على من يريد أن يوجه رسالة للشعب الصحراوي ان يمر عبر الجبهة، وعلى من يحاول تهديد مصالح هذا الشعب أن يتوقع ردة فعل الجبهة التي أثبتت عبر مسيرتها أنها تنظيم سياسي، متماسك، وناضج، وواعي بالتحديات، ومسؤول في كل تصرفاتها ومواقف، يحترم القانون والشرعية الدولية، ويتوقع احترامها من الجميع، ويمارس بوعي ومسؤولية دائما حق الشعب الصحراوي في الدفاع عن مصالحه وحقوقه بكل الطرق المشروعة السلمية والعسكرية عند الحاجة.

رسالة الجبهة أيضا للعالم هي أنها تمثل شعبا محبا للسلام، ومساهما في صنع السلام، ولكنه شعب يرفض الخنوع للظلم، ويرفض الابتلاع، ومستعد للفناء عن بكرة أبيه دفاعا عن حقوقه لو تطلب الأمر.