لندن (بريطانيا): أجرى موقع الصحراوي حوارا مع ممثل جبهة البوليساريو بالمملكة المتحدة، ليمام محمد عالي، على خلفية الهزة العنيفة التي عاشتها أوروبا والسياسة والاقتصاد العالميين مؤخرا إثر تصويت الشعب البريطاني على مغادرة البلد للاتحاد الأوروبي، في استفتاء شعبي، بفارق جد ضئيل، ولكنه مؤثر.

الحوار عرض أيضا على التأثيرات الممكنة لهذا الإنسحاب على الموقف البريطاني من القضية الصحراوية، وماهية هذا الموقف أصلا.

سؤال: لقد صوتت أغلبية البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولكن يبدو أن هناك معارضة وتخوف كبيرين من ذلك خاصة في الأوساط اليسارية، فما هي قراءتكم للأمر بحكم تواجدكم في لندن ممثلا للجبهة؟

جواب: بداية وبما أنها أول فرصة لي للتواصل مع شعبنا، وعلى إثر المصاب الجلل في وفاة رئيس الدولة والأمين العام لجبهة البوليساريو، الشهيد محمد عبد العزيز، أود أن أتقدم بتعازي القلبية الصادقة للشعب الصحراوي قاطبة، ولعائلة الفقيد الصغيرة، راجيا من العلي القدير أن يلهمنا جميعا جميل الصبر والسلوان. وأذكر نفسي وجميع أبناء الشعب الصحراوي أن أعمق مظاهر المواساة تكمن في التشبث بعهد الشهيد وجميع الشهداء الصحراويين والتمسك بالوحدة الوطنية في جميع الحالات والظروف، لأنها الضامن الحقيقي بإذن الله لتحقيق النصر والحرية والاستقلال.

الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب والحكومة الصحراوية على غرار كل حكومات العالم لا يمكنها إلا أن تحترم هذا القرار السيادي لشعوب المملكة المتحدة، الخاص بالانسحاب الأحادي والطوعي لدولة عضو داخل الاتحاد الأوربي من هذا الأخير.

وبالعودة إلى سؤالكم يمكن وصف “بريكسيت” (الحملة من أجل مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي) بأنها أكبر زلزال سياسي تعرفه المملكة المتحدة حتى الآن، نتيجة سوء تقدير الوزير الأول البريطاني لنتائج الاستفتاء المحتملة، ومضيه في تنظيمه من أجل إسكات تيار داخل حزبه، أي حزب المحافظين، بالرغم من أنه لم يكن مرغما على إجراء هذا الاستفتاء. فالنقابات، والحزب العمالي وفئة الشباب كانوا من بين أكبر المناصرين لبقاء المملكة المتحدة داخل الاتحاد الأوروبي، لكن اليمين الشعبوي عرف كيف يوظف ورقة الهجرة في أوساط الطبقة العاملة البيضاء في المملكة المتحدة وخاصة الهجرة القادمة من أروبا الشرقية لإقناع المصوتين بالتصويت لصالح طرحه.

سؤال: هل ترون أي تأثير لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على القضية الصحراوية؟

جواب: خروج المملكة المتحدة ستكون له بالتأكيد تداعيات سياسية أكثر من كل التداعيات الاقتصادية المتوقعة. ولكن حاليا تجد المملكة المتحدة نفسها الآن في قلب العاصفة، حيث أن قيمة عملتها مهددة بالإنخفاض على المدى القريب، ويمكن أن لا تستمر عاصمتها، لندن، في تبوء المركز الأول للمال والأعمال في أوروبا كما كانت دوما.

وعلى الرغم من محاولة الوزير الأول البريطاني تأجيل عملية فك الارتباط بالاتحاد الأوروبي إلى ما بعد اختيار الوزير الأول البريطاني الجديد، والذي سيتم اختياره خلال المؤتمر المقبل لحزب المحافظين في الخريف القادم، إلا أن الاتحاد الأوروبي يريد تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة التي تنص على فك الارتباط بالاتحاد الأوروبي من طرف أي دولة عضو تختار ذلك بصفة أحادية وطوعية، وسيعمل الاتحاد على تفعيل تلك المادة على وجه السرعة من أجل تجنب وصول هذه العدوى إلى دول أخرى أعضاء داخل الاتحاد الأوروبي كفرنسا، وهولندا، والسويد، والدنمارك… إلخ.

عملية فك الارتباط عملية معقدة ويمكن أن تستغرق ما بين سنتين إلى 10 سنوات وتعتبر سابقة في تاريخ الاتحاد الأوروبي، ويمكن إضافة إلى ما تم ذكره عجز الاتحاد الأوروبي عن التعاطي مع الأزمة الاقتصادية، وأزمة المهاجرين القادمين من سوريا وليبيا… إلخ.

وبالعودة إلى سؤالكم من المتوقع أن يستفيد المغرب نتيجة مغادرة بريطانيا للإتحاد، من تخفيف حدة الضغط الذي كان يعاني منه داخل بعض المؤسسات الأوروبية، مثل البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي، في كل الأمور المتعلقة بالثروات الطبيعية للصحراء الغربية وأوضاع حقوق الإنسان ومسلسل السلام في الصحراء الغربية نظرا لمواقف بريطانيا في هذا الشأن.

لكن بالمقابل، عندما تكتمل عملية فك الارتباط، ستصبح قوانين المملكة المتحدة غير خاضعة للقوانين الأوروبية، ونتيجة لعدم وجود استثمارات بريطانية في المغرب فمن المرجح جدا أن تزداد صلابة الموقف البريطاني داخل المملكة المتحدة وعلى مستوى الأمم المتحدة بهذا الشأن. وهنا لابد أن نذكر بالقرار الذي اتخذته المحكمة العليا لإنجلترا وويلس في 19 أكتوبر 2015 والقاضي بإحالة الدعوى القضائية التي رفعتها جمعية الحملة البريطانية للصحراء الغربية ضد وزارة الفلاحة البريطانية والمكتب الملكي لجمع الضرائب نتيجة تطبيقه رسوما جمركية تفضيلية على بعض السلع التي يدعى أنها “مغربية” في حين أن أصلها يعود إلى الصحراء الغربية المحتلة، وأيضا تطبيق اتفاقية الصيد بين المغرب والاتحاد الأوروبي على المياه الإقليمية للصحراء الغربية. وبعد أن تم إنصاف الحملة البريطانية للصحراء الغربية تمت إحالة الملف لمحكمة الاتحاد الأوروبي لشكوكه في تطبيق القوانين الأوروبية في هذه الحالة.

ولابد أن نذكر كذلك بأن الحكومة البريطانية لم تقدم أية مذكرة كما فعلت فرنسا، إسبانيا، البرتغال أمام المحكمة الأوروبية بعد حكمها الصادر نهاية السنة الماضية، وهو ما يؤشر على احترام بريطانيا لقرار المحكمة، إن لم نقل قبولها ودعمها له ما دام لا يؤثر على مصالحها في النهاية.

سؤال: تتبنى بريطانيا موقفا متقدما من القضية الصحراوية في مجلس الأمن، خصوصا فيما يتعلق بموضوع حقوق الإنسان، كيف يمكنك توضيح تفاصيل هذا الموقف للقارئ الصحراوي؟

جواب: من باب الانصاف لا بد من الاعتراف بأن الموقف الحالي، حتى وإن قبلنا بوصفه بالمتقدم بالمقارنة مع بلدان أخرى وازنة، يبقى غير كاف، ونأمل أن يتطور بالرغم من المحاولات اليائسة للمغرب للتأثير عليه، وإضعافه.

ولوضع قرائكم الكرام في صورة هذا الموقف لا مناص من أن نقوم بالتذكير بما يلي:

1- تحظى بريطانيا باعتبارها عضو دائم في مجلس الأمن وعضو مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية بمجلس الأمن بأهمية كبيرة في العمل الدبلوماسي الهادف إلى تحصيل موقف متقدم بخصوص القضية الوطنية من جميع الدول وخاصة التي تتمتع بالعضوية الدائمة. وقد شهد موقف الحكومة البريطانية خلال السنوات الأخيرة تقدما مهما بالمقارنة مع باقي أعضاء مجلس الأمن.

2- لم يكن الموقف البريطاني الرسمي المتقدم ليحصل لولا الدور الفعال الذي لعبته المجموعة البرلمانية من أجل الصحراء الغربية والحركة التضامنية مع الشعب الصحراوي وعمل وجهود مكتب جبهة البوليساريو بلندن الذي يعتبر واحدا من أقدم مكاتب الجبهة بأوروبا.

3- نسجل الموقف المتقدم للحكومة البريطانية بخصوص مسألة حقوق الإنسان وحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، والثروات وكذا الاتصال الدائم بجبهة البوليساريو من خلال ممثليتها بشأن تلك المسائل.

فالحكومة ظلت تعلن وبكل وضوح دعمها لإنشاء آلية لمراقبة حقوق الإنسان في المناطق المحتلة والمحررة ومخيمات اللاجئين، كما أكدت مرارا على دعمها لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، وأبانت عن موقف شجاع من اتفاقية الصيد المبرمة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب بسبب تضمينها للمياه الإقليمية للصحراء الغربية، حيث امتنعت عن التصويت كما جاء في رسالة بعثت بها وزارة الخارجية البريطانية إلى مكتب جبهة البوليساريو بتاريخ 12 ديسمبر 2013 بخصوص موقف الحكومة البريطانية من اتفاقية الصيد.

وعلى مستوى اللقاءات مع مسؤولين من جبهة البوليساريو، فهناك تواصل مستمر سواء تعلق الأمر بلقاءات بمقر الخارجية أو من خلال المراسلات المستمرة التي عادة ما تتعلق بآخر المستجدات المتعلقة بهذا النزاع الذي عمر طويلا.

وجدير بالذكر أن الحكومة البريطانية نفسها قد أكدت على تواصل المسؤولين البريطانيين مع جبهة البوليساريو لمناقشة القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية بالمنطقة، كما جاء في رد وزير الدولة السيد هوغ روبيرتسون على سؤال في البرلمان البريطاني بهذا الخصوص يوم 18 مارس 2014.

كما أن الخارجية البريطانية تضطلع بشكل دائم بمتابعة أوضاع حقوق الإنسان في المناطق المحتلة من خلال الزيارات المنتظمة التي تقوم بها سفارة بريطانيا بالرباط إلى المناطق المحتلة للاطلاع على الأوضاع الحقوقية والاقتصادية من خلال لقاء النشطاء الصحراويين.

سؤال: هل من كلمة أخيرة؟

جواب: أشكر الإخوة في موقع الصحراوي على هذه الالتفاتة على موضوع ذي أهمية بالغة وتأثير بكل تأكيد على القضية الصحراوية، ومن خلاله أحيي متابعيه وقرائه وأهنئهم بمناسبة شهر رمضان المبارك.

جدير بالإشارة إلى أن هذه التطورات السياسية التي تشهدها الساحة الدولية والتي مهما يكن لها من تأثير على القضايا الكبرى التي تتداخل فيها المسؤوليات والمصالح مثل قضيتنا الوطنية إلا أنها وبحكم المُسَلم به لن يكون لها أي تأثير سلبي على صمود الشعب الصحراوي وعدالة قضيته، لأن كفاحنا مؤسس على الشرعية والقانون الدولي. ولكننا نأمل في أن تصب هذه التطورات في الدفع بالقضية الصحراوية نحو الحل وأملنا وإيماننا الحقيقي يبقى متجذر في الشعب الصحراوي الذي أثبت طيلة سنوات كفاحه بأنه قادر على التغلب على التحديات التي تواجهه من أجل تحقيق حريته واستقلاله. ونراهن مرة أخرى على شعبنا لإنجاح الاستحقاق القادم المتمثل في المؤتمر الاستثنائي للجبهة وقادم التحديات خاصة ما تعلق منها بمسار المفاوضات ومعالجة الأمم المتحدة للملف في ظل التحدي المغربي السافر للمنتظم الدولي والشرعية الدولية وندعو للاستعداد الدائم لجميع الخيارات التي قد تتخذها جبهة البوليساريو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي.

مواضيع من نفس الفئة

لقاء قرطاج: الاتحاد المغاربي من تكتل الشعارات إلى الأفعال حب من أحب ...

30 أبريل / نيسان 2024

الجمهورية الصحراوية وفنزويلا توقعان اتفاقية تعاون في مجال التدريب التربوي

30 أبريل / نيسان 2024

كتائب القسام تبعث رسالة مقتضبة للجمهور الإسرائيلي

30 أبريل / نيسان 2024

واشنطن تحث حماس على قبول صفقة التبادل وتحذر نتنياهو من اجتياح رفح

30 أبريل / نيسان 2024