ــ بقلم: بلاهي ولد عثمان

اتخذتْ جبهة البوليساريو وهي تبحث عن الطريق المختصر إلى الاستقلال مسارات عدة منذ تأسيسها، وقد ظهرت في زمن كثرتْ فيه حركات التحرر في العالم، مطالبة بجلاء الاستعمار الاسباني عن أراضي الصحراء الغربية، وقد انتهجت الكفاح المسلح سبيلا لذلك، حيث أعلنته بعد مؤتمرها التأسيسي بعشرة أيام فقط، حينها أدرك الاسبان أنه لا مكان لهم بين الصحراويين، ذلك الشعب البدوي المسالم البسيط الذي امتهن المقاومة منذ زمن بعيد ضد كل أنواع الاستعمار ليس في الساقية الحمراء ووادي الذهب فقط، بل حاربت فلول المقاومة الصحراوية فرنسا في كل من المغرب والجزائر وموريتانيا مدركة أن “النصارا” يجب أن يرحلوا عن بلاد المسلمين.

لقنت البوليساريو الاسبان عمليات نوعية أتت أكلها، وفي ظرف قصير بدأت إسبانيا تتفاوض مع نخبة القيادة الصحراوية في الجبهة التي كانت ولا تزال منذ ذلك الحين الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي.

لقد عزمت الجبهة الشعبية لتحرير السوقية الحمراء ووادي الذهب منذ تأسيسها على سلوك الطريق المختصر للتحرير، وعندما كانت تتفاوض مع القوة الاستعمارية الاسبانية تكالبت عليها أيادي الغدر، مما اضطرها إلى حمل السلاح من جديد في وجه من تسول له نفسه الاعتداء على حرمة الوطن الصحراوي واحتلال أراضيه، وكانت سنوات الحرب الضروس التي حررت في بداياتها كل التراب الوطني من براثين قوات الاحتلال المغربي والموريتاني بفضل السلاح وأفواه البنادق والتوغل في جنوب المغرب، حتى وصل الثوار الصحراويين آغا وطاطا في عمق التراب المغربي وحرروا الطنطان ودخلوا باسكنو في أقصى الجنوب الموريتاني، حينها جنحت موريتانيا للسلام فجنحوا وكانت اتفاقية 5 أغسطس بالجزائر خاتمة لحرب الأشقاء، وبدأت علاقات أخوية بين الشعبين لاتزال في تطور دائم إلى يومنا هذا.

أما المغاربة فقد تكبدوا الهزائم تلو الأخرى في كل المواقع التي جربوا أن يلجوا إليها من التراب الصحراوي، فقد أسر منهم الكثير وفقد ومات الكثيرون في مواقع “الزاك” و”قتلة زمور” و”أم الدقن” و”حوزة” وغيرها؛ حينها أدرك الحسن الثاني أنه لا قبالة له بالصحراويين وطلب فك حصار الزاك مقابل ما تريده البوليساريو، وكانت فرصة سانحة لتقول الجبهة كلمتها، وضاعت الفرصة ولكن تأكد له أن الساقية الحمراء ووادي الذهب عصية على جيوشه رغم دعمها وتجهيزاتها؛ وعندما لجأ إلى سياسة الأحزمة الدفاعية مدعوما بأموال خليجية وأفكار يهودية وضمن حماية عساكره طالب بالسلام وإجراء الاستفتاء 1991 هو تنازل علني واعتراف ضمني أن الحرب لا قبالة له بها وما كان ذلك التنازل والقبول بالسلام إلا طعم قدمه الملك المغربي للجبهة التي قبلته وبحسن نية، وكان الطعم الذي خذل الجبهة ودخلت في خطة السلام الأممي الملغوم، الذي أراد منه الحسن الثاني وقف تلك الحرب التي أنهكت خزينة المملكة وكلفتها الملايين وحصل على ما يريد وأرادت منه جبهة البولبساريو الوصول إلى الاستقلال بطريقة سلمية، لكنها لم تحقق مبتغاها إلى يومنا هذا.

إن العدو المغربي يُراوغ بكل أساليبه المتاحة من أجل أن يبقى الوضع على ما هو عليه، وبين الحين والآخر يجرب طريقة للالتفاف على ما تبقى من الأرض الصحراوية. ففي سنوات السلام العجاف هذه ضيعت جبهة البوليساريو الكثير من الفرص كانت ستحقق من خلالها الكثير، وذلك ابتداء من خروج القوات المغربية بعد وقف إطلاق النار التي كان من الممكن القضاء عليها كليا من خلال الالتفاف والأسر.

وبعد ذلك جاءت فرصة “رالي باريس داكار” سنة 2001، وكان بإمكان الجبهة الضغط على المنتظم الدولي وتحقيق بعض المطالب على الأرض والتي أقلها على الأقل احترام السيادة الصحراوية على تلك المناطق التي يمر منها ذلك السباق الرياضي.

ومرت السنوات والحال على حاله، وسنوات السلام تهدم ما بنته سنوات الكفاح المسلح، إلى أن جاءت انتفاضة الاستقلال 2005، التي كشفت من خلال نضال أبناء الشعب الصحراوي في المناطق المحتلة: إنه لا مكان للمخزن المغربي وعرشه في الصحراء الغربية وظهر المخفي وانقشعت ظلمة الخوف، وانتشر النضال السلمي بين شباب المناطق المحتلة التي عاشت سنوات جمر راح ضحيتها الكثير من المفقودين وسجناء الرأي دون تمييز في الجنس أو العمر وارتوت مكونة وآكدز والقنيطرة من دماء الصحراويين. وبفضل الانتفاضة ظهر نور الأمل في آخر نفق مظلم من أنفاق الاستبداد، ابتدع الصحراويون الكثير من الطرق النضالية لإيصال صوتهم إلى العالم، وكان إضراب أمينتو حيدار أواخر 2009 قمة في النضال السلمي، حيث كان درسا للعالم عن سلمية النضال الصحراوي في سنين السلم العجاف، وعلى بعد عام من ذلك انفجرت شرارة الربيع العربي من مخيم “أكديم إزيك” أكتوبر 2010 الذي حرر مدينة العيون يومها أبطال الانتفاضة، وكان أملهم في أن تستغل الجبهة تلك اللحظات المشبعة بنشوة نصر قل مثيلها كان بإمكانها أن تقلب حسابات الكثيرين وزج بأبطالها في سجون الاحتلال ولازالوا إلى يومنا هذا.

وآخر هذه الفرص هو خروج القوات المغربية في منطقة الكركرات قبل شهر، ومحاولة القفز على الأمم المتحدة والمنتظم الدولي تحت غطاء محاربة الجريمة والمخدرات التي تعتبر المغرب المصدر الأول لهما في المنطقة، وكان ذلك خرقا واضحا لوقف إطلاق النار المبرم بين الطرفين والذي واجهته الجبهة بإرسال قواتها المرابطة في الكركرات.

قد تكون الكركرات القطرة التي أفاضت كأس الصبر عند الصحراويين والتي انتظرها الكثيرون، لكنها تبدو كسابقاتها، حيث ستقتصر المطالب إلى الرجوع إلى وضعية ما قبل 11 أغسطس 2016، وهو مطلب لا يراه الكثيرون مفيدا بقدر ما بثت تلك الصور القادمة من عين المكان من الحماسة بين المواطنين الصحراويين وحتى الأجانب العابرين للحدود، حيث تأكد للجميع أن الجيش الصحراوي قادر على صناعة الحدث إذا ما أتيحت له الفرصة.

وبين هذا وذاك، تبقى الكركرات فرصة قائمة لتكون مفتاح النصر وبوابة العودة إلى الوطن الحر والمستقل.

مواضيع من نفس الفئة

سذاجة لقجع أم سخرية القدر؟

21 أبريل / نيسان 2024

العلاقات الجزائرية-الروسية تتجاوز التعاون العسكري

20 يناير / كانون الثاني 2024

ندوة الإعلام.. إستفاقة أم تكريس للفشل؟

31 ديسمبر / كانون الأول 2023

تاريخ حافل بالمتاجرة والمقايضة السياسية المشبهوة.. ماذا تخفي زيارة محمد السادس إلى ...

17 ديسمبر / كانون الأول 2023