موريتانيا والجمهورية الصحراوية: أخوة، عهد ومستقبل مشترك لا محيد عنه (بقلم: النانة لبات الرشيد)

5 أغسطس / آب 2019 - آخر تحديث 5 أغسطس 2019 / 21:00

   التعليقات 0

أسفرت تطورات القضية الصحراوية خلال العامين الماضيين عن متغيرات كثيرة أهمها اثنان: أولهما، انضمام المملكة المغربية للإتحاد الأفريقي بعد قطيعة مع الاتحاد وأصله “منظمة الوحدة الإفريقية” دامت ثلاث وثلاثين سنة، وثانيهما، تقارب إيجابي كبير بين الدولة الموريتانية والدولة الصحراوية، مُحورا الفعل الدبلوماسي الموريتاني من حياد سلبي تجاه القضية الصحراوية إلى حياد إيجابي فعلي، يمثل بحق موقف دعم لسيادة القانون والشرعية الدولية في ما يتعلق بمطالب الشعب الصحراوي العادلة في تقرير مصيره واستقلاله.

ولعل المستفيد الأكبر من انضمام المملكة المغربية للإتحاد الإفريقي هو موريتانيا، فقد وقّع النظام المغربي على ميثاق الاتحاد الافريقي وبه عضوية الجمهورية العربية الصحراوية لا رجعة فيها، كما أن به جملة مبادئ أساسية تحتم على المنضويين في الاتحاد احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار، واحترام استقلال الدول الأعضاء كأنداد، والامتناع عن حل النزاعات باستعمال القوة أو التهديد باستعمالها. وبهذا التوقيع، وإضافة إلى تقبله -مكرها- وجود الدولة الصحراوية بكافة المحافل القارية، يكون النظام الملكي في الرباط قد قضى نهائيا على دعاية “الدولة الوهمية” و “المغرب من طنجة إلى لكويرة” وأهم من كل ذلك، فقد الحجية في اعتراضه الدائم على كل أصدقائه عند أي تواصل بينهم وبين ممثلي الجمهورية الصحراوية.

وبالتالي زال الحرج الكبير الذي كان يواجه موريتانيا عند أي محاولة تقارب مع الدولة الصحراوية بما يجعل النظام الموريتاني أقرب إلى نصرة الشعب الصحراوي، ذلك أن الحياد الذي انتهجته موريتانيا حفاظا على مصالحها مع المغرب وفرنسا طوال السنوات الماضية كان متأثرا بشكل أكبر بالطرح المغربي من خلال تغييب التمثيل الرسمي للدولة الصحراوية بشكل تام. وبعد اعتراف المملكة المغربية بالدولة الصحراوية، شاءت الإقرار بذلك أم أبت، من خلال تواجدها معها بالاتحاد الأفريقي، وجدت موريتانيا نفسها في حِل من ضغوط النظام المغربي ولوبياته الرافضة سابقا أي تقارب رسمي بين موريتانيا والجمهورية الصحراوية.

من جهة أخرى، لا بد من الإشارة إلى أن موريتانيا قد عرفت خلال عشرية حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز حضورا قاريا ودوليا لافتا، تولت خلالها رئاسة الاتحاد الأفريقي الدورية بنجاح، ووفقت في وساطاتها الدولية في أزمة غامبيا مثلا، وتصدرت خلالها أيضا قوة الساحل والصحراء، وأحكمت قبضتها الأمنية على كافة التراب الموريتاني مما مكنها من النجاح في التصدي للإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود. وقد انضاف ذلك إلى إحداث معالم نهضة اقتصادية واعدة بفعل اكتشافات الغاز والعديد من الاتفاقيات الاستثمارية مع الاتحاد الأوروبي وغيره من الشركاء الدوليين.

بيد أن النظام الموريتاني يدرك أن نجاح و استمرار أي تطور في المنطقة مرهون بالاستقرار والسلام، وأن هذين الأخيرين مرهونيين بحل القضية الصحراوية. وقد صرح الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في لقاء صحفي خص به مجلة رأي اليوم الإلكترونية، بأن الغرب هو من يعرقل قيام الدولة الصحراوية بين المغرب وموريتانيا. ومعلوم أن القوى الغربية لا تمنع إلا ما يهدد مصالحها ولا تسمح إلا بما يخدمها، ومصالحها تكمن في ضعف الدول الغنية بالثروات، وتكمن أكثر في الحد من التكتلات الإقليمية مثل الاتحاد المغاربي المجمد. ويستشف كذلك من تصريح الرئيس ولد عبد العزيز إيمانه بحق الشعب الصحراوي في قيام دولته وعدم نكرانه وجود هذه الدولة، وإن حالت القوى الغربية دون استكمال سيادتها.

والحديث عما يربط الشعبين الموريتاني والصحراوي يطول و يصعب حصره. ويكفي أن ننظر إلى الحدود الشاسعة التي تربط بين البلدين جغرافيا بدل أن تكون فاصل بينهما، وإمكانية ولوج من شاء من الشعبين إلى الجغرافيتين دون أي حواجز أو معابر، ناهيك عن التمازج الثقافي والاجتماعي الضارب في القدم، وعمق الأواصر التي تربط بينهما. كلها، مقومات تحتم توطيد العلاقة بين الدولتين وتفرض الإرتباط الأقرب إلى الوحدة التي تعزز التطلع إلى المستقبل والمصير المشترك، مما سيمكن البلدان من أن يصبحا قوة سياسية، وثقافية، واجتماعية، واقتصادية حقيقية قادرة على مواجهة تحديات التنمية، وإكراهات البقاء في نظام دولي مستقبلي لا يعترف إلا بالقوة. هكذا فقط، يستطيع البلدان الشقيقان تقديم إسهامها المشترك لمنطقتهما، ولقارتهما، وللعالم. أما الاعتقاد بقدرة كل منهما لوحده على البقاء فهو خطأ قاتل لكليهما.

ويلاحظ المتتبع للشأن الصحراوي من خلال زيارتي الرئيس إبراهيم غالي لموريتانيا للمشاركة في قمة الاتحاد الأفريقي في يوليو 2018، ثم هذه الزيارة الثانية للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الموريتاني المنتخب، محمد ولد الغزواني في يوليو 2019، مدى الحفاوة الرسمية والشعبية الكبيرة خلال هاتين الزيارتين لما تمثلانه من صور الأخوة والترابط. فقد شهدت شوارع مدينة نواكشوط تجمع الجالية الصحراوية بموريتانيا صحبة المتضامنين الموريتانيين مع القضية الصحراوية، احتفالا بقدوم الرئيس إبراهيم غالي. كما ظل مقر إقامته حافلا بالزوار الشعبيين والرسميين طوال فترة إقامته هناك. وكل ذلك يدل على شيء واحد فقط: هو أن الشعب الصحراوي والشعب الموريتاني، بحق هما شعب واحد في جغرافيتين. وأن الدولتين الموريتانية والصحراوية “بيضتان في عش واحد” حقا كما قال الشهيد الولي مصطفى السيد ذات يوم.

وتجدر الإشارة إلى أن نظام الدولة الصحراوية لا يجد حرجا مطلقا في تواجده جنبا إلى جنب مع ممثلي المملكة المغربية، فالذي يدعي نكران وجود الدولة الصحراوية هو النظام المغربي وليس العكس. وتعمل الدبلوماسية الصحراوية على تعزيز تواجدها بكل مكان، ولعل توفيق الرئيس إبراهيم غالي في حضور العديد من الفعاليات الدولية والقارية خلال السنتين الأخيرتين، قد ساهم إلأى حد كبير في تهشيم الدعاية المغربية إلى شظايا، ومنح الأصدقاء -وموريتانيا أهمهم- حجة دامغة تدعمت مواقفها الأخيرة ومنها مثالا لا حصرا دعوة الجمهورية الصحراوية رسميا على قدم المساواة مع المملكة المغربية لحفل تنصيب الرئيس محمد ولد الغزواني. فمن غير المنطقي أن يقف ممثل المملكة المغربية، سعد الدين العثماني، إلى جانب الرئيس إبراهيم غالي في حفل تنصيب رئيس بنما، ويرفض القيام بالأمر نفسه بموريتانيا لأي سبب والحدثان متقاربان زمنيا!! لهذا سقط النظام المغربي في أكثر جِباب دعايته غورا، وتخلصت موريتانيا من أكثر المواقف مدعاة للصدام مع المغرب. بل، بات من الضروري على الدولة الموريتانية أن تفرض على المغرب احترام قراراتها السيادية، مثلما يفعل مرغما مع العديد من الدول حيث توجد سفارات الجمهورية الصحراوية دون أن يجرؤ نظام الرباط على الاعتراض على ذلك، مثلما هو الحال في مختلف دول أمريكا اللاتينية، وفي جميع الدول الأفريقية حيث تتعايش السفارتان، المغربية والصحراوية.

وتختلف مشاركة الدولة الصحراوية بقمة الاتحاد الأفريقي بنواكشوط عن المشاركة بحفل التنصيب، ذلك أن الأولى تعود لقوانين الاتحاد أولا وأخيرا، ولا تستطيع الرباط الاعتراض عليها، بينما تعتبر الزيارة الثانية دليل ترابط ثنائي وثيق، ويدا مبسوطة للمزيد من توثيق العلاقات وتطويرها، وممارسة موريتانية حقيقية لسيادتها في قراراتها، وخياراتها، ومواقفها. لهذا اعتقد أن الدعوة التي وجهتها موريتانيا للدولة الصحراوية لحضور حفل تنصيب الرئيس محمد ولد الغزواني تقطع مع ماض لا أريد أن أصفه بالفاتر، وربما متذبذب أو على الأقل غير مستقر، وتعلن عن مرحلة جديدة وهامة عنوانها: موريتانيا والجمهورية الصحراوية: أخوة، عهد ومستقبل مشترك لا محيد عنه.

أحدث الإضافات

أبرز الأخبار

24 أبريل / نيسان 2024

نيروبي (كينيا)– استُقبل وفد الجمهورية الصحراوية المشارك في الندوة الدولية حول الإقتصاد الرقمي، أمس الثلاثاء، من طرف رئيس جمهورية كينيا، وليام روتو، وذلك في القصر الجمهوري، رفقة الوزراء الأفارقة المشاركين في هذا المحفل الدولي الهام. وقد شارك الوفد الصحراوي في تبادل وجهات النظر الى جانب الأشقاء الأفارقة مع الرئيس الكيني حول التحديات التي تواجهها افريقيا والفرص […]

أبرز الأخبار

24 أبريل / نيسان 2024

ولاية الشهيد الحافظ (الجمهورية الصحراوية)– ترأس اليوم الأربعاء، الرئيس الصحراوي-الأمين العام لجبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، أشغال الدورة العادية الرابعة للأمانة الوطنية للجبهة.  وفي كلمته الإفتتاحية لأشغال الدورة، أوضح إبراهيم غالي، أن الدورة ستتطرق  إلى محاور رئيسية من قبيل السياسي التنظيمي والميدان العسكري والأمني والميادين الإدارية والاجتماعية والاقتصادية والخارجية وملف الأمم المتحدة، وصولاً إلى بلورة خلاصات واستنتاجات ومن […]

أبرز الأخبار

24 أبريل / نيسان 2024

بيونغ يانغ (كوريا الشمالية)– قالت وسائل إعلام رسمية في كوريا الشمالية، اليوم الأربعاء، إن وفدا من بيونغ يانغ برئاسة وزير التجارة الدولية يزور إيران حاليا، وذلك في تقرير علني نادر عن تعاملات البلدين. وذكرت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية أن وزير العلاقات الاقتصادية الخارجية يون جونغ هو غادر بيونغ يانغ أمس الثلاثاء جوا على رأس وفد وزاري لزيارة […]

أبرز الأخبار

24 أبريل / نيسان 2024

غزة (فلسطين)– بثت كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- فيديو لأسير إسرائيلي محتجز في قطاع غزة، يندد فيه بما وصفه بإهمال حكومة بنيامين نتنياهو للأسرى ويطالبها بالعمل للإفراج عنه. ويعود الفيديو للأسير الإسرائيلي هيرش جولدبيرغ بولين (24 عاما)، الذي قال إنه من مواليد كاليفورنيا بالولايات المتحدة ويسكن مع عائلته في القدس المحتلة. وفي بداية حديثه، وجه الأسير كلامه […]

أبرز الأخبار

23 أبريل / نيسان 2024

الجزائر– إستقبل السفير الصحراوي بالجزائر، عبد القادر الطالب عمر، السفير الكوبي بالجزائر، هيكتور آكارثا، بمقر سفارة الجمهورية الصحراوية بالجزائر العاصمة. وتناول اللقاء العلاقات الثنائية المتميزة التي تربط البلدين والشعبين، الصحراوي والكوبي، حيث عبر السفير الكوبي عن دعم ومساندة كوبا لكفاح الشعب الصحراوي العادل من أجل حقوقه المشروعة في الحرية والاستقلال وبناء دولته المستقلة الجهورية الصحراوية. […]

أبرز الأخبار

23 أبريل / نيسان 2024

ولاية الشهيد الحافظ (الجمهورية الصحراوية)– نظم إتحاد الصحفيين والكتاب والأدباء الصحراويين بالتعاون مع وزارة الثقافة، ندوة إعلامية لتقديم كتب وإصدرات جديدة بمناسبة اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، بحضور مجموعة من الكتاب والصحفيين ووسائل الاعلام الصحراوية والمهتمين بشأن تدوين التاريخ والثقافة الصحراوية. وخلال كلمته أمام الحضور، نوه الأمين العام للإتحاد، نفعي أحمد محمد، بأهمية تدوين وحماية الموروث […]

أبرز الأخبار

23 أبريل / نيسان 2024

نيروبي (كينيا)– تشارك الجمهورية الصحراوية في أشغال الندوة الأفريقية حول الإقتصاد الرقمي، التي تحتضنها العاصمة الكينية نيروبي.  وأشرف على إنطلاق أشغال الندوة الأفريفية، التي تعقد تحت شعار “إطلاق العنان للتنمية بما يتجاوز حدود الربط الإلكتروني”، وتتواصل إلى غاية الـ25 من الشهر الجاري، الرئيس الكيني، وليام روتو، ويحضرها 16 وزيرا من مختلف دول أفريقيا، إلى جانب […]

أبرز الأخبار

23 أبريل / نيسان 2024

كانطابريا (إسبانيا)– احتضن مقر البرلمان الجهوي لمقاطعة كانطابريا بإسبانيا معرضا يوثق كفاح ونضالات الشعب الصحراوي  ضد الإستعمار، تحت اسم “رحلة نساء الصحاري”، أشرف على تدشينه رئيسة البرلمان الجهوي للمقاطعة، ماريا خوسي غونزاليث. وفي كلمة لها، أعربت غونزاليث، عن أملها بأن يشكّل المعرض الذي يضم صورا لمراحل الكفاح التحرري للشعب الصحراوي “إحياءً للإحساس المستمر بالقضية الصحراوية، وأن يكون […]