ــ بقلم: حمادي البشير

اختتم المؤتمر 14 أشغاله، وانتهى كالعادة باحتفالية عادية وبسيطة ينص عليها القانون تقتضي وقوف المنتخبين الجدد “القدامى” أمام جمع المؤتمرين وأداء القسم، ثم بمصافحة وتهنيئة من الأمين العام وتصفيقات وزغاريد والغائب فقط هو صوت الرصاص لتكتمل صورة التعبير بالطريقة البدائية.

وليتضح لنا قبل غيرنا أننا لا زلنا ندور برؤوس مطأطئة في مرابض ماقبل الثورة؛ فهل كان هذا هو الهدف؟ وهل كنا نراوح في نفس المكان منذ أربعين عاما؟

لامناص من التذكير أن الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب أُسست أصلا لغاية واحدة ووحيدة هي تمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير، لترقى بنفسها بعد ذلك وتُعلن أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، ولن نناقش هنا شرعية هذا التمثيل وكيفية اكتسابها مع أن الموضوع له قواعد ربما لم تُتبع بسبب صعوبة الظرف، ولكن يحق لنا السؤال: ألا تحتاج هذه الشرعية إلى تأكيد مع مرور الزمن؟ خاصة إذا ما علاها الصدأ وأصبح واضحا للصحراويين قبل غيرهم أن الجبهة تستند في شرعيتها إلى أُسس تناقض بشكل صارخ ما تعلنه من شعارات، والأدهى أن هذه الأسس هشة ونتنة والاستمرار في اعتمادها سينتهي بنا لامحالة في مستنقع ودعناه بالأمس، أو هكذا اعتقدنا، ولا يشدنا إليه الحنين، ونتائجه واضحة وبينة ونراها يوميا مجسدة في تجارب الآخرين، ولمن يعمى عن أن يرى فالواقع في قارتنا السمراء في بوروندي ورواندا وجنوب السودان، وفي العالم العربي في اليمن وليبيا وغيرها كفيل بأن يفتح عينيه (الأعمى) على مخاطر الطريق التي يتم اقتيادنا للسير فيها.

قادت البوليساريو (الحركة) كفاح الشعب الصحراوي من أجل حقه في تقرير المصير، وظلت على الدوام حريصة على تفردها بتمثيله وتنادي في كل مرحلة بضرورة الالتفاف حولها والتمسك بها، ولم يخيب الشعب أملها في ذلك وعبر عنه في كل المناسبات والمحطات والمنعرجات التي تقتضي ذلك.

والحركة بذاتها وبممارساتها جعلت من نفسها ومن الشعب قطعة نقد ولكن بوجه واحد، فالبوليساريو هي الشعب الصحراوي والشعب الصحراوي هو البوليساريو، ومنه نكرر أن الجنرالات لا يحققون الانتصارات من دم عروقهم بل يقبعون في الخلف ويدفعون بالجنود إلى التهلكة، ولكن التهلكة هنا مرغوبة مادامت تخدم الجميع ويرجى منها تحقيق ما يصبو إليه المجتمع؛ وبالمقابل فهل وفت الحركة بوعدها للشعب؟ وهل كانت في مستوى تطلعاته؟ وهل أخذت بيده بعيدا عن دار الأمس أم سقته سما ناقعا من روث تلك الدار؟

وبالإضافة إلى تولي مهمة التحرير وجدت البوليساريو نفسها أيضا مرغمة على بناء المجتمع والتعامل مع الدولة المعلنة وتهيئة كل من المجتمع والمؤسسات للمستقبل، فهل أفلحت في النهوض بالمجتمع من واقع اجتماعي قبلي وحولته إلى مجتمع متحضر يحترم مؤسساته ويرقى بها إلى المصاف الذي يحلم به؟ أم أسهمت سياسات الحركة في تعميق التعلق بالقبلية والرجوع إلى قذارة الماضي؟

أسئلة كثيرة تدعو إلى التفكير وإعادة التفكير، التأمل والتمعن وتدعو إلى استخدام كل مكامن العقل البشري لدينا نحن الصحراويين في كل مكان؛ ومع بلوغ منظمتنا التحريرية سن النضج كنا ننتظر من مؤتمرها الرابع عشر أن يتناول كل تلك الأمور التي تدفع بنا إلى الأمام، وتكسبنا ثوب الوقار، وتفرض الاحترام لذواتنا قبل أن نطلبه من الآخرين.

ولا بد أيضا العودة إلى التذكير بأن اللوم لا يقع على عامة الشعب، فالجماهير أثبتت ــ وعلى مدى قرون ــ للعدو قبل التنظيم الوطني الثوري أنها شعب استثنائي، وأنها عصية على التفتت والاندثار، وكانت في مستوى كل التحديات والصعاب التي واجهت المسار، وكانت خاتما في أصبع القيادة تفعل به ماتشاء، وكانت أيضا وستبقى الصخرة الصلدة التي تتكسر عليها كل المناورات والدسائس والسياسات الخبيثة حتى وإن صدرت من ذوي القربي؛ ولا يمكن لأي كان فردا بسيطا أو قائدا أن يلقي باللوم على الشعب بشكل عام.

مع مرور أربعة عقود، ومع هبوب الكثير من الرياح والعواتي كانت الحركة بسبب سياساتها تفقد أوراق الستر واحدة تلو الأخرى، وفي الواقع لا أدري هل كانت روح التنظيم تشعر بهذه الخسارة أم كانت تندفع وراء العزة بالإثم حتى لم يتبق من حجاب العفة ما يؤدي الغرض؟ وإذا كان الرأي العام الصحراوي بشكل عام قد أُصيب بالإحباط من نتائج المؤتمر الرابع عشر فذلك معناه أن آخر الأوراق لم تقاوم هبوب الصقيع في ولاية الداخلة؛ وبناء على ذلك يجب أن يشعر الإطار الصحراوي بشكل عام، والمؤتمرين بشكل خاص، والقيادة الجديدة “القديمة” بشكل أكثر خصوصية أنهم يسيرون في الشارع الصحراوي في حال يدعو إلى الاحتشام أكثر مما يدعو إلى الفخر.

مواضيع من نفس الفئة

سذاجة لقجع أم سخرية القدر؟

21 أبريل / نيسان 2024

العلاقات الجزائرية-الروسية تتجاوز التعاون العسكري

20 يناير / كانون الثاني 2024

ندوة الإعلام.. إستفاقة أم تكريس للفشل؟

31 ديسمبر / كانون الأول 2023

تاريخ حافل بالمتاجرة والمقايضة السياسية المشبهوة.. ماذا تخفي زيارة محمد السادس إلى ...

17 ديسمبر / كانون الأول 2023