طوال الأيام السبعة الماضية تقوم إسرائيل بشن غاراتٍ جوية مكثفة ليل نهار بلا انقطاع على السكان المدنيين في قطاع غزة وتدمر البيوت والعمارات والأبراج السكنية على رؤوس ساكنيها وذلك انتقاماً للعملية التي قامت بها كتائب عزالدين القسام في السابع من أكتوبر الحالي وتسببت في مقتل وجرح وأسر عدد كبير من جنود وضباط العدو ومستوطنيه .

ونظراً لما تسببت به العملية من إحراج لحكومة نتنياهو المتطرفة بسبب تقصير جيشها وأجهزتها الأمنية فقد توعد الأخير حركة حماس بالتصفية وقام بإعلان حالة الحرب وشكل حكومة وحدة وطنية ضمت بيني غانتس رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق ، وقام وزير دفاعه غالانت بقطع المياه والكهرباء وإمدادات الغذاء والدواء عن غزة واصفاً أهلها “بالحيوانات في هيئة بشر” ، وتم تهديد مصر بضرب أية شاحنات قادمة عبر الأراضي المصرية  تحمل مساعداتٍ إنسانية إلى غزة.

 اتصل نتنياهو عدة مرات مع جو بايدن رئيس الولايات المتحدة وعدد من رؤساء الدول والحكومات الأوروبية الحليفة لإسرائيل بما فيها بريطانيا وفرنسا وألمانيا . وقد وعد الرئيس الأمريكي بتقديم كل الدعم لإسرائيل وأعطى أوامره بتحريك أكبر وأحدث حاملة طائرات أمريكية جيرالد فورد والتي ترابط حاليا قرب سواحل فلسطين المحتلة وتقوم بمد إسرائيل بكل ما تحتاجه من الذخائر ، وقد حذر بايدن أي طرفٍ ثالث (طبعاً المقصود إيران وحزب الله وسوريا) من التدخل في الحرب التي يشنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة .

 ماذا يعني الدعم الأمريكي الكامل ؟

رغم أن ترسانة إسرائيل من الأسلحة والذخائر مكتملة دائماً بفضل الدعم الأمريكي إضافة إلى ما يصنع في إسرائيل من أسلحة وذخائر ، إلا أن حاملة الطائرات الأمريكية جيرالد فورد والسفن الحربية المرافقة لها قد بدأت منذ وصولها بتزويد الجيش الإسرائيلي بكل ما يحتاجه من الأسلحة والذخائر اللازمة للحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة ، كما أن وجود حاملة طائرات أمريكية بهذا الحجم على مقربة من إسرائيل يعطي الأخيرة دعماً نفسياً ويساعد جيشها في استرداد ثقته بنفسه بعد أن تضعضع نفسياً نتيجة لعملية “طوفان الأقصى” علماً بأن حاملة طائرات أمريكية أخرى هي دوايت آيزنهاور تقف على أهبة الاستعداد للتحرك باتجاه المنطقة إذا اقتضى الأمر ، كما أن بريطانيا أيضاً سترسل سفينتين حربيتين إلى سواحل فلسطين المحتلة لنفس الهدف .

هذا المشهد يوحي كأن إسرائيل تخوض حرباً مع دولةٍ عظمى وليس مع حركة مقاومة فلسطينية لا تملك سلاح جو ولا قوة بحرية ولا دبابات ومدرعات وإنما سر قوتها تكمن في شجاعة مقاتليها وإيمانهم بالله وحبهم للشهادة وبحتمية النصر على الدولة التي اغتصبت أرضهم وسرقت مواردهم وقتلت نساءهم وأطفالهم ونكلت بهم طوال خمسةٍ وسبعين عاماً. لهذا وبسبب هذه القوة يخشى الجيش الإسرائيلي إرسال قواته البرية لاقتحام قطاع غزة قبل أن تنتهي قواته الجوية من تدمير كل بيوت ومباني غزة على رأس ساكنيها ، أما الناجين من القصف المستمر ليلاً ونهاراً فقد بدأ الجيش الإسرائيلي بإلقاء مناشير عليهم من الجو “تنصحهم” بترك بيوتهم والتوجه إلى جنوب القطاع والمقصود معبر رفح تمهيداً لمغادرة فلسطين والتحول إلى لاجئين مرةً أخرى في صحراء سيناء المصرية .

جولة وزير الخارجية الأمريكي بلينكين

تردد أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين الذي يقوم حالياً بجولة في الشرق الأوسط تشمل إسرائيل والأردن وقطر والإمارات والسعودية تردد أنه يحمل مشروعاً لتهجير سكان غزة إلى مصر ودول عربية أخرى بما فيها السعودية وقطر والإمارات “كحل جذري” للنزاع القائم بين إسرائيل وحركة حماس ، وأن هذا المشروع قد رفضته حتى الآن الدول التي زارها .

ورغم أن هذه الأخبار ليست مؤكدة إلا أنها قابلة للتصديق ، فبالإضافة إلى الدعم الأمريكي الكامل لإسرائيل الذي أكده بلينكين لنتنياهو ، فوق تأكيدات رئيسه بايدن ، عندما اجتمع معه في أول محطة من جولته ، أكد له ، أي لنتنياهو ، أنه قادم إليه ليس كوزير خارجية الولايات المتحدة فحسب وإنما كيهودي جاء ليعرب عن تضامنه مع إسرائيل في كل ما ستقوم به ضد حركة حماس . ماذا يعني هذا ؟ إنه يعني أن أمريكا زعيمة العالم الحر توافق على حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل حالياً بواسطة سلاحها الجوي وأن هدفها مسح وتسوية كامل قطاع غزة بالأرض وأن أمام سكان غزة خيار بين أمرين أما الموت تحت ركام بيوتهم وأبنيتهم وإما النجاة بأرواحهم والخروج من قطاع غزة واللجوء إلى مصر ودول عربية أخرى.

ما العمل يا عرب

ليس لدى كاتب هذه السطور أي شك بأن الشعوب العربية ترفض بقوة وتستنكر وتدين وتشجب هذا الموقف الإسرائيلي والموقف الأمريكي والبريطاني الداعم له وليس أدل على ذلك من المظاهرات التي قامت  في الأردن والعراق واليمن وتونس ودول عربية أخرى احتجاجاً على ما تقوم به إسرائيل في غزة وعلى ممالئة الولايات المتحدة لها ،  فهذه الممارسات تتنافى مع القوانين والشرائع الدولية كما تتنافى مع أبسط المباديء الأخلاقية ، وأن الولايات المتحدة أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم ستخسر ما تبقى من قوتها الناعمة وسمعتها وستزيد كراهية الشعوب في العالم لها ، فقد تعلمنا من دروس التاريخ أن الإمبراطوريات والدول الكبرى يبدأ انهيارها التدريجي عندما تضرب بعرض الحائط الأسس الأخلاقية في علاقاتها الدولية.

ختاماً نطرح هذا السؤال على الحكام العرب : هل يستمر الصمت الرسمي العربي بينما تقوم إسرائيل بذبح الشعب الفلسطيني من الوريد إلى الوريد ونحن نتفرج ؟ قطع الماء والكهرباء والغذاء والدواء عن الشعب الفلسطيني في غزة واستمرار الطائرات الحربية الإسرائيلية بقصفه ليل نهار بحجة تصفية فصيلٍ مقاوم ثم تخيير هذا الشعب بين الموت جوعاً وعطشاً تحت الدمار أو الرحيل عن أرض فلسطين مرة ثانية ، ألا يشكل هذا أفظع الجرائم ضد الإنسانية ؟ إذا كان كذلك يا أيها الحكام ويا جامعة الدول العربية ويا مجلس الدفاع العربي المشترك ، ألا يستحق الأمر عقد مؤتمر قمة عربي طاريء ؟ نأمل أن نسمع الرد قريباً قبل أن تكمل الطائرات الحربية الإسرائيلية تسوية مباني غزة بالأرض ثم تجرفها وتبني مكانها وحدات سكنية للمستوطنين الجدد. والله من وراء القصد.

مواضيع من نفس الفئة

لقاء قرطاج: الاتحاد المغاربي من تكتل الشعارات إلى الأفعال حب من أحب ...

30 أبريل / نيسان 2024

الجمهورية الصحراوية وفنزويلا توقعان اتفاقية تعاون في مجال التدريب التربوي

30 أبريل / نيسان 2024

كتائب القسام تبعث رسالة مقتضبة للجمهور الإسرائيلي

30 أبريل / نيسان 2024

واشنطن تحث حماس على قبول صفقة التبادل وتحذر نتنياهو من اجتياح رفح

30 أبريل / نيسان 2024