ــ بقلم: الدكتور محمد علي ندور

يأتي هذا المقال/الجزء ختاما لسلسلة المقالات التي حاولت تحليل ومناقشة القرار المغربي بطرد المكون المدني لبعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية، وهي السلسلة التي كانت بدايتها مع مقال قدّم لمحة موجزة للسند القانوني لوصف الأمين العام للأمم المتحدة للمغرب كونه قوة احتلال، بينما شكلت الحلقة الثانية قراءة في الدواعي والاحتمالات السياسية للتصعيد المغربي، في وقت ناقش الجزء الثالث من المقال/السلسلة شرعية القرار المغربي بطرد المكون المدني لبعثة الاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو)، ليخلص إلى نتيجة مفادها عدم استناد القرار المذكور لأي وجه من أوجهِ الشرعية، مما يجعله في الحكم القرار الباطل والذي من المفترض ألا يرتب أي أثر ولا يغير في أي مركز قانوني.

ويأتي الجزء الرابع هذا ليناقش الموقف الصحراوي من القرار وسبل الرد عليه وفق ما تقتضيه أحكام القانون الدولي ومبادئ العلاقات الدولية.

ولابد في هذا الصدد إدراك مدْعَاة الموقف الصحراوي من القرار المذكور، والذي تجسد خصوصا في تعبير وزير الشؤون الخارجية وعضو الأمانة الوطنية للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب محمد سالم السالك خلال مداخلة له أمام ندوة نظمها يوم 21 مارس 2016 منتدي جريدة الشعب الجزائرية، بالقول: “عندما يقرر المغرب طرد المكون المدني السياسي والإداري لبعثة المينورسو ، فإنه يلغي المهمة الدولية للبعثة ويعلن الحرب ولكن هذه المرة ضد الشعب الصحراوي والأمم المتحدة على حد سواء” إذ “أن وقف إطلاق النار يصبح لاغيا لارتباطه العضوي قانونيا وسياسيا بعملية إجراء الاستفتاء” ليضيف أن ذلك بمثابة “إعلان نهاية مهمة هذه البعثة”؛

هذا التصريح ليس الوحيد، فقد عبر عن موقف مشابه الوزير الصحراوي للدفاع الوطني عبد الله لحبيب لدى استقباله بتاريخ31 مارس 2016  لقائد قوات “المينورسو”  الباكستاني الجنرال محمد طيب عزام “أن الطرف الصحراوي لا يقبل بغير مكونات المينورسو كاملة” مشددا على “ضرورة امتلاكها كامل قدراتها وصلاحياتها”.

وتتجسد مدعاة هذا الموقف خصوصا في ارتهان الجبهة إلى المنتظم الدولي وعلى رأسه منظمة الأمم المتحدة في إيجاد تسوية نهائية للنزاع، وان كانت المنظمة فشلت مع الطرفين في تنفيذ كامل خطة التسوية التي أقرها مجلس الأمن الدولي (تقرير الأمين العام S/21360  بتاريخ 18 يونيو 1990)، لتدخل المنظمة والطرفين ودول الجوار في مرحلة جديدة عنوانها التخلي عن الحل القانوني المتجسد في الاستفتاء من أجل تقرير المصير، والانتقال إلى الحل السياسي، هذا الأخير الذي أعطى أولى صيغه السيد جيمس بيكر المبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة للصحراء الغربية، باقتراح الاتفاق الإطاري، لترد الجزائر عليه باقتراح تقسيم الإقليم بين الطرفين، قبل أن يعدل بيكر عن مقترحه، واقتراح خطة السلام من أجل تقرير المصير في الصحراء الغربية، غير أن أيا من الاقتراحات الثلاث حصلت على موافقة ورضى الطرفين معا، لنصل في نهاية المطاف إلى مرحلة اقتراحات هذين الاخيرين.

إذ في 10 أبريل 2007، تلقى الأمين العام للأمم المتحدة رسـالة مـن ممثـل جبهـة البوليـساريو في نيويـورك، أحمـد بخاري، يحيل فيها “مقترح مقـدم مـن جبهـة البوليـساريو لإيجـاد حـل سياسـي بالتراضـي يـنص على تقرير شعب الصحراء الغربية لمصيره؛ وفي اليوم الموالي أي 11 أبريـل، اجتمع الأمين العام المذكور مـع الممثـل الـدائم للمغـرب لـدى الأمـم المتحـدة، المصطفى الساهل، الذي سلمه رسـالة مؤرخـة في 10 أبريـل 2007 يحيـل عليه بها وثيقـة بعنوان “المبادرة المغربية للتفاوض على وضع الحكم الذاتي لمنطقة الـصحراء”.

وبعدما تأكد المغرب أن المنظمة الأممية قد فشلت في إيجاد وتنفيذ تسوية تقترحها هي، وبعدما تم جر مجلس الأمن إلى إعلان الإحاطة علمـا بـالمقترح المغـربي وترحيبه بـالجهود المغربيـة التي وسمها بــ”الجديـة والمـصداقية والراميـة إلى المـضي قـدما بالعملية صوب التسوية”؛ فإن المغرب بذلك يستيقن ضعف المنظمة في فرض حل عليه، الشيء الذي دفعه إلى التصدي لعمل بعثتها بالإقليم، بداية مع إعلان المغرب في ماي 2012 لما اسماه “سحب الثقة” من السيد كريستوفر روس المبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، تبعه الاعتراض المغربي على إيفاد السيدة كيم بولـدوك الممثلة الخاصة للصحراء الغربية والرئيسة الجديـدة لبعثـة المينورسو، والتي خلفت سلفها المنتهية مهمـته بتاريخ  31 يوليوز 2014، إذ لم تتولى السيدة بولدك قيادة البعثة من المقر بالعيون إلا بتاريخ  6 فبراير 2015؛ هذا إلى جانب عدم السماح للأمين العام للأمم المتحدة بزيارة العيون/الصحراء الغربية بدون الموافقة القبلية للمغرب على ذلك، الشيء الذي حضّ هذا الأخير على حسم موقفه من ولاية البعثة وحصرها في المهمة العسكرية المرتبطة بمراقبة وقف إطلاق النار.

والاختلاف الجوهري في تفسير ولايـة البعثـة بين المغرب الذي يعتـبر أن هـذه الولايـة تقتصـر علـى وقـف إطـلاق النـار والمسـائل العسـكرية، وإزالـة الألغـام وتقـديم الـدعم اللوجستي لتدابير بناء الثقة؛ وبين جبهة البوليساريو، التي ترى أن تنظيم استفتاء لتقرير المصـير يبقـى هو العنصر المحوري للولاية، دفع إلى كل طرف حسم موقفه بهذا الشأن، وتأسيسا على ذلك بدأ المغرب بالأجرأة العملية لهذا التفسير، بالإبقاء على المكون العسكري للبعثة وطرد المكون السياسي والإداري، الشيء الذي يستلزم بالمقابل من الجانب الصحراوي، بناء على مبدأ المعاملة بالمثل في القانون الدولي والعلاقات الدولية، استصدار قرار يمنع على المكون العسكري للبعثة من دخول أراضي إقليم الصحراء الغربية شرق الجدار الرملي، ومنعه من ممارسة أي نشاط مراقبة في هذا الصدد.

وبعدما تم، في حلقة سابقة، مناقشة عدم ارتكاز القرار المغربي لأي سند شرعي، فإن ذلك يطرح عديد الاستفهامات التي تستنبأ عن لماذا استجابت الأمم المتحدة لقرار الترحيل هذا؟ ولما قبل أمينها العام شرط الموافقة القبلية للمغرب لزيارة الجزء الغربي من الإقليم؟ وعلى أي أساس منح هذا “الأمين”، في وقت سابق، ضمانات للحكومة المغربية في إعداد التقارير حول الصحراء الغربية؟ ولما نفذ المبعوث الشخصي رغبة المغرب في عدم زيارة الإقليم؟ ولماذا انصاعت الممثلة الخاصة لاعتراضات الحكومة المغربية على قيادتها بعثة المينورسو؟

باع طويل للمغرب في فرض شروطه على ممارسة الأمم المتحدة لمهماتها بالإقليم بدأت منذ سنة 1991، حين شَرَطَ عليها إنزال قواتها وعتادها بميناء ومطار اكادير جنوب المغرب، بدل مطار وميناء العيون.

إن منظمة هذا حالها من الصعب جدا وفق هذه الشروط التعويل عليها في إيجاد تسوية نهائية للنزاع، فهي المنظمة التي لم تستطع تنفيذ خطتها التي جاء للإقليم من أجلها، ولا حتى المهمات التي حوّرت عملها، فيما بعد، من قبيل تدابير بناء الثقة، وهي المنظمة التي لم تستطع أن تكفل لبعثتها المذكورة ما كفلته لشبيهاتها في العالم بخصوص مراقبة حقوق الإنسان والتقرير عنها، وهي المنظمة التي وقفت عاجزة عن اتخاذ خطوات عملية لتنفيذ مضمون رأي مستشار أمينها العام للشؤون القانونية بخصوص الثروات الطبيعية للصحراء الغربية؟

إن منظمة دولية لا يزال تشغيل مركبات بعثتها بلوحات أرقـام مغربيـة دون أن تكون لها القدرة للاستعاضة عنها بلوحــات الأمـــم المتحــدة لن يعوِّل عليها في تنظيم الاستفتاء من أجل تقرير المصير إلا من أصابه عطن الرؤى وسفه القول وغبش الخطاب.

الدكتور محمد علي ندور

30 ماي 2016

العيون/ الصحراء الغربية

مواضيع من نفس الفئة

سذاجة لقجع أم سخرية القدر؟

21 أبريل / نيسان 2024

العلاقات الجزائرية-الروسية تتجاوز التعاون العسكري

20 يناير / كانون الثاني 2024

ندوة الإعلام.. إستفاقة أم تكريس للفشل؟

31 ديسمبر / كانون الأول 2023

تاريخ حافل بالمتاجرة والمقايضة السياسية المشبهوة.. ماذا تخفي زيارة محمد السادس إلى ...

17 ديسمبر / كانون الأول 2023