المستقبل الصحراوي في ولاية الداخلة، تقف على صبر المواطنين بعد الكارثة الطبيعية

5 نوفمبر / تشرين الثاني 2015 - آخر تحديث 5 نوفمبر 2015 / 14:46

   التعليقات 0

ـ إعداد: أحمد باب لحبيب أبعيا (مخيم الداخلة).

العودة إلى مرابض الصبا:

لم يسبق لولاية الداخلة بمخيمات اللاجئين الصحراويين أن شهدت كارثة طبيعية مثل الكارثة الأخيرة، حيث سببت الأمطار الغزيرة لعدة أيام أضرارا كبيرة، أعادت كل شيء تقريبا إلى بداياته.

بعد غياب طويل عن ولايتي ومسقط رأسي وحياة الطفولة، شاءت الأقدار أن أعود إليها في هذا الوقت بالذات لأراها بشكل مختلف تماما بعد أن سوت الأمطار منازل الطين بالأرض، وشتتت سكان الولاية على أطرافها المرتفعة.

الداخلة بعد أن مر السيل:

ولجت ولاية الداخلة من مدخلها الشمالي حديث العهد، وأول ما تراه العين نخلها الباسق الذي يميزها عن غيرها من الولايات بقي صامدا كما هو رغم زوال العين التي كانت تسقي النخيل كي يظل واقفا.

فوجئنا ونحن ندخلها ببطء على متن سيارة النيسان رباعية الدفع بحجم الدمار الذي حل ببيوت المواطنين والمؤسسات والهيئات العمومية؛ وبدأ كل منا ينادي على الآخر “أنظر إلى هذا البيت ماذا حل به”، فيقول الأخر “أنظر أنت إلى ذلك كيف سقط على الأرض”، وأنت شاهد ماذا حدث لهذه “الكيكوطا” إنك لا تدري كم كلفت لتشييدها بهذا النموذج وقد يكون صاحبها خسر فيها ما ملكت يمينه وإن لم يكن يتبعه دين بعدها فهو محظوظ؛ وهؤلاء ليس لديهم إلا هذه الخيمة الصغيرة إنها لا تستطيع إحتواء كل ما كان في بيوت الطين المنهارة.

كانت مشاهد الدمار متشابهة على طول الطريق الذي سلكناه؛ مواطنون يلملمون أغراضهم في صمت وينشرون ما ابتل منها على الأرض، منهمكون في ما بين أيديهم، ويسترقون النظر للسيارات المارة بقربهم وكأنهم يتطلعون لمن يسأل عنهم أو يساعدهم في حمل وترتيب أشيائهم، فالكل في ورشة عمل تبدو إلى أجل غير مسمى.

بعد الاستراحة من السفر واحتساء الشاي مع جلسة لا حديث فيها إلا عن الأمطار وما خلفته واستفسار ملح عن الطقس والأحوال الجوية في الأيام القادمة وكثرت الشائعات حولها، وهي المواضيع التي نالتْ حصة الأسد في الأخبار المتداولة هذه الأيام.

وبعد الظهيرة بقليل نظم لي أصدقائي الذين نزلت ضيفا عليهم جولة لعلمهم المسبق بعملي في مجلة المستقبل الصحراوي التي نالت هي الأخرى نصيبها من الحديث.

كانتِ الجولة الميدانية في دوائر الولاية؛ سلكنا طرق فرعية ضيقة وأخرى وعرة لأجل الوقوف عن كثب على آثار الكارثة؛ الصورة أبلغ من أي كلام، مشاهد مختلفة وجه واحد لطبيعة تأكل طينها الذي أذابتِ الغيوم سنوات عنفوانه الطويلة؛ اقتربتُ من المواطنين أحمل أسئلتي التي كانت هي ذاتها أسئلتهم، والإجابة في جلها هي الواقع الماثل أمامنا والذي لا تخطئه العين؛ كيف حالكم؟، هو ما ترون على الأرض ومعنوياتهم في السماء.

وماذا عن بيوت الطين مستقبلا؟.. هنا يجب إعادة النظر، فبعد هذه الأمطار أصبحنا ملزمين جميعا في البحث لهؤلاء عن شكل آخر يصمد أكثر في وجه الأمطار الغزيرة.

هاجس الاستقرار حديث الأهالي المتضررين:

بعد كل الذي حدث تكاد تقرأ في عيون البسطاء سؤالا ملحا يتعلق بالسكن في هذه الولاية؛ هنا القضية فيها وجهات نظر متباينة بين من وجد في هذه الكارثة حجة للرحيل بعد سقوط البيوت الطينية ليبدأ من جديد حياة أخرى أكثر استقرارا في أي من الولايات الأخرى؛ بينما يفضل آخرون البقاء في الولاية طالما يميزها عن غيرها الكثير، هدوءها من ضوضاء السيارات ولهم فيها ذكريات جميلة؛ سؤال آخر متجدد لم يخفه البعض الذي ذهب أبعد من ذلك، ففي حوار جمعني مع آخرين تحت خيمة صغيرة نصفها مفروش والباقي على الرمل طرحت أسئلة حول المصير من قبيل: أين نحن؟، وماذا قدمنا؟، وإلى أين وصلنا؟ وإلى متى ننتظر بعد أربعين عاما؟، وكأن الطبيعة نفسها ملت منفانا الطويل لتقول لنا يكفي؛ تغير واقع كل شيء حولنا إلا نحن؛ هل نستوعب حقا رسائل المكان ورسل الطبيعة؟.

الكارثة امتحنت جاهزية سلطات الولاية:

في جولتنا الميدانية في اليوم الموالي وبينما نحن في طريقنا بين دائرتي “أجريفية” و”العرقوب”، ظهرتْ سيارة رباعية الدفع بيضاء اللون، فقال أحد رفقائي: “هذه سيارة الوالي فهل تريد لقاءه؟”، فقلت له: “أكيد”؛ فأشار على السائق بالتوقف، وحين توقف نزلتُ فتوجهتُ نحوه، قبل أن أصله لفت انتباهي عدد الركاب في السيارة، مما جعلني ألقي عليهم نظرة خاطفة قبل أن ألقي التحية على الوالي الذي كان يقود السيارة فإذا بالركاب هم عدد من المسؤولين الرسميين الصحراويين، فقدمت له نفسي ومهنتي وطلبت لقاءه، وقلت له: “كنت أريد لقاءك ولحسن الحظ وجدت معك هؤلاء المسؤولين والأن صرت أريدكم جميعا”، تبسم الرجل وقال: “طيب نلتقي بعد ساعتين من الآن في مقر التشريفات، هناك اجتماع عام مع الهيئات الجهوية”.

وبعد أن أخذ كل منا طريقه طلبت من رفاقي العودة ومرافقة سيارة الوالي في جولته هذه فصارت سيارتنا المتواضعة ثالث سيارة في الموكب؛ محطة جولتهم هذه المرة كانت المستشفى الجهوي في الولاية أين تفقد الوفد كل أجنحة المستشفى الذي فعلت الأمطار بجدرانه الكثير من التصدعات والشقوق، وقد بنيت أمامه قاعة من الحجم الكبير بها فريق طبي جاهز، ويبدو من حوار الوفد مع القائمين على المستشفى أن الوضع الصحي للمواطنين تحت السيطرة ولا شيء يدعو للقلق، بعدها انتقلنا رفقة الوفد الرسمي إلى مقر التشريفات، وعندما وصلنا باب المقر منعوني بداية من الدخول، حيث طلب مني حراس المكان الانتظار حتى يسألوا هل يسمح لي بالدخول أم لا، وبعد فترة قصيرة لاحظنا فيها أحد الحراس يسأل على ما يبدو أحد المسؤولين في المقر فذهب الآخر إلى الداخل، بعدها بقليل عاد وبرفقته والي الولاية الذي رحب بنا وقال لنا: “باب الولاية مفتوح لكم زوروا ما شئتم واطلعوا بأنفسكم على الوضعية واسألوا الناس مباشرة، والآن لدينا إجماع مع الوفد والهيئات الجهوية إذا شئتم الانتظار حتى ننتهي من الاجتماع وإذا شئتم الحضور فيه مرحبا”، فقلنا له أننا نريد المشاركة فوافق، وبالمناسبة يوجه له فريق المستقبل الصحراوي جزيل الشكر على كل التسهيلات والترحيب بنا أثناء الاجتماع، وهو المسؤول الوحيد الذي رحب بالمجلة في كلمته ونقدر له ذلك.

استهل الاجتماع بقراءة فاتحة الكتاب على أرواح شهداء الشعب الصحراوي، بعدها كلمة والي الولاية وكانت صريحة وموجهة للوفد الرسمي، ومفادها أنه على الدولة أن تثبت للمواطن في هذه المرحلة بالذات وبالفعل لا القول بأنها خلفه وقادرة على توفير كل متطلباته وعلى عجل وأن تأخذ برأيه وتتشاور معه وتترك له بصمته في عملية إعادة الإعمار.

المتدخلون من أعضاء الهيئات الجهوية أجمعوا على ضرورة السرعة في التنفيذ والتواجد المستمر والمباشر للمسؤولين الرسميين على مختلف المستويات في الولاية لمعاينة كل البرامج كل حسب قطاعه وتقدموا بالشكر لكل من ساهم في إغاثة ولاية الداخلة وسكانها سواء من الخواص الذين هبوا بسرعة بجمع بعض المساعدات المختلفة وتقديمها للمواطنين، كما أشادوا بمجهودات الدولة التي قامت مباشرة بعد الكارثة، مثل رش المستنقعات بالأدوية الخاصة وردم البعض منها واختبار مياه الحنفيات للتأكد من صلاحيتها ونقل مخلفات البيوت لمن أراد ذلك، والتوعية الصحية والنصائح والحرص على الأطفال من اللعب في المستنقعات أو السباحة فيها عبر النشريات الورقية والمهرجانات الشعبية والسرعة في توزيع كل ما وصل من معونات ومساعدات للولاية المنكوبة.

أعضاء الوفد الرسمي أقروا بحجم الكارثة، ووصفها بعضهم بـ”الزلزال”، وثمنوا صبر ومعنويات المواطنين المرتفعة، وذكر أحدهم بقول لأحد أعضاء وفد جزائري زار الولاية وقال للوالي وهو يقصد المواطن الصحراوي “ليت معنوياتكم وصبركم يمكن أن نعبدها ونوزعها قطعا على شعوب أخرى”، وقال أحد الأعضاء أن الشائعات كثيرة لتضليل المواطن بالأخبار الكاذبة مثل أن العالم أرسل الكثير من الدعم والمساعدات لكنها لم تصل المواطن، وضرب مثلا في ذلك مذكرا بما وصل للحكومة الصحراوية إلى لحظة هذا الاجتماع من مساعدات، منبها إلى العمل على عدم مغالطة المواطن المتضرر واللعب على معنوياته.

هول الكارثة يؤخر الحديث عن المؤتمر دون الجزم بتأجيله:

قليلا ما سمعنا خلال جولتنا هذه وحتى في الاجتماع الذى حضرته المستقبل الصحراوي حديثا عن المؤتمر الرابع عشر لجبهة البوليساريو، ربما لانشغال الناس بهمومها الخاصة وأضرار الكارثة الطبيعية التي حلت بهم، وخلال تجوالنا في الولاية لمعاينة ما خلفته الأمطار الغزيرة على المؤسسات الرسمية، زرنا القاعة الضخمة قيد الإنشاء المخصصة للمؤتمر والتي لاحظنا أنها لم تتضرر كثيرا، بل هي الأقل تضررا من بين كل المؤسسات بالولاية، رغم أنها مازالت في طور الإنجاز، كما لاحظنا بالقرب منها كما كبيرا من مواد البناء المخصص لاستكمال عملية البناء، فهل ستوفر الدولة للمواطن المتضرر ما حرصت على توفيره لقاعة المؤتمر؟، وهل سيعقد المؤتمر في وقته المحدد حتى ولو بقي المواطن المتضرر على وضعه الحالي الذي سيشغله عن كل شيء ما لم يحقق ولو القليل من المطالب المرتبطة باستقراره وحياته اليومية؟؛ ما سيعيد له الحياة العادية إلى طبيعتها.

أسئلة كثيرة تحاصر ذاكرتي وأنا الملم أوراقي عائدا من الداخلة، وقد تركت واحة نخلها الشهيرة، تحكي قصة صمودها في وجه العاصفة لزوارها.

ــ المصدر: مجلة المستقبل الصحراوي

أحدث الإضافات

الاتحاد المغاربي

30 أبريل / نيسان 2024

الجزائر– كرس عقد تأسيس المبادرة الثلاثية، الجزائرية-التونسية-الليبية، دبلوماسية البراغماتية، إذ شكل ظهور هذا التكتل الإقليمي الجديد دليلا على أن الحركة في السياسة مثلما هو الشأن في الحياة دائما ما تكون أفضل من الجمود. وقد إختلف الملاحظون حول تسمية القمة التي جمعت الرؤساء الثلاثة، الجزائري والتونسي والليبي، بين “اتفاق قرطاج” و”اتحاد المغرب العربي مكرر” و”ثلاثي تونس”. […]

أبرز الأخبار

30 أبريل / نيسان 2024

كاركاس(فنزويلا)– وقعت الجمهورية الصحراوية وجمهورية فنزويلا البوليفارية، أمس الاثنين، اتفاقية للتعاون الدولي في مجال التدريب وتطوير التكوين التقني والمهني. وفي هذا الإطار، وقع عن الجانب الصحراوي السفير بفنزويلا، محمد سالم الرقيبي، نيابة عن وزارة التربية التعليم والتكوين المهني، وعن الجانب الفنزويلي رئيس المعهد الوطني للتكوين والتعليم الاشتراكي، ويكلمان باريديس، وذلك بحضور نائب الوزير الفنزويلي لشؤون أفريقيا […]

كتائب القسام

30 أبريل / نيسان 2024

غزة (فلسطين)– وجهت كتائب عز الدين القسام، اليوم الثلاثاء، رسالة مقتضبة للجمهور الإسرائيلي بشأن مصير الأسرى الذين تحتجزهم في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023. وعلى حسابها في تليغرام، بثت القسام صورة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وخلفها قضبان زنزانة، وكتبت عليها بالعربية والعبرية “بسبب المصالح السياسية لنتنياهو ما زال أبناؤكم في الأسر”. ويأتي ذلك بعد تصريحات لنتنياهو بشأن […]

أبرز الأخبار

30 أبريل / نيسان 2024

واشنطن (الولايات المتحدة الأمريكية)– قال البيت الأبيض إن المقترح الأخير لصفقة التبادل بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل يتضمن وقف القتال 6 أسابيع، في حين تعكف الحركة على بحث ردها على مقترح لوقف إطلاق النار، بعد أن غادر وفدها القاهرة. وأوضح مستشار اتصالات الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي أن مقترح صفقة التبادل الموجود لدى حماس تم […]

أبرز الأخبار

30 أبريل / نيسان 2024

تل أبيب (إسرائيل)– قال رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، إنه لا تغيير في أهداف الحرب على قطاع غزة، وإن إسرائيل لن تقبل بتسوية بخصوص رفح، مؤكدا أن القوات الإسرائيلية ستدخلها سواء تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار وصفقة تبادل أم لا. وأكد نتنياهو -خلال لقائه ممثلين عن عائلات المحتجزين في غزة حسبما نقل عنه مكتبه- أن “فكرة […]

حرب الصحراء الغربية

29 أبريل / نيسان 2024

بئر لحلو (الجمهورية الصحراوية)- نفذت وحدات جيش التحرير الشعبي الصحراوي هجمات جديدة ضد مخابئ وجحور جنود الإحتلال المغربي بقطاعي المحبس والفرسية، حسب ما أفاد البلاغ العسكري الصادر عن المديرية المركزية للمحافظة السياسية للجيش. وأبرز البلاغ أن مفارز متقدمة من الجيش الصحراوي نفذت أقصافاً متنوعة ومتفرقة، استهدفت عدة مواقع وقطاعات من جدار العار وقواعد ونقاط إسناد ومراكز […]

أبرز الأخبار

29 أبريل / نيسان 2024

ولاية الشهيد الحافظ (الجمهورية الصحراوية)– استقبل وزير الاعلام الصحراوي، حمادة سلمى، اليوم الاثنين، وفدا عن المؤسسة الباسكية للتعاون “إوسكال فوندوا”، تقوده رئيسة المؤسسة ناتي لوبيث دي موناينر، رفقة مسؤولة وحدة التنسيق الخاصة بالصحراء الغربية إتساسو أندوريثا. وخلال اللقاء الذي حضره مديرا التعاون والأرشيف الإعلامي بوزارة الإعلام، قدم الوفد عرضا حول الاهتمام الذي توليه المؤسسة الباسكية للمرأة […]

الاتحادية الصحراوية لكرة القدم

29 أبريل / نيسان 2024

ولاية الشهيد الحافظ (الجمهورية الصحراوية)– أشادت الاتحادية الصحراوية لكرة القدم، بقرار نادي اتحاد الجزائر تجاه القضية الصحراوية، خلال مواجهته نادي مغربي ضمن نهائيات الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم.  الاتحادية وفي بيان لها، وبعد أن أشادت بالقرار الشجاع لنادي اتحاد العاصمة الجزائرية، أعربت عن إدانتها لمحاولة الدوس على القوانين الدولية للفيفا. كما ثمن البيان قرار سلطات نادي اتحاد […]