بقلم: ماءالعينين لكحل

الحدث: “شغل وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، المغاربة، وجزء من الرأي العام الأفريقي، بأنشطة غريبة على العمل السياسي والدبلوماسي العالمي، تمثلت في تسهيل فتح “قنصليات” لبعض الدول الأفريقية المصنفة دولا فاشلة، بمدينتي العيون والداخلة المحتلتين (في الصحراء الغربية)، وهو ما حاولت الدعاية المغربية النفخ فيه لإظهاره بمظهر الفتح السياسي والدبلوماسي المبين. ويشابه ذلك، إلى حد كبير قصة الشخصية الرئيسية في رواية الكاتب الإسباني الأشهر، ميغيل دي سيرفانتيس، الذي أبدع في إحدى أولى الروايات العالمية شخصية “دون كيخوتي دي لا مانتشا”، وهو العجوز الذي فقد عقله، وأصبح يختلق ويعيش أوهام انتصارات عسكرية مجيدة في الوقت الذي كان فيه بالفعل يصارع طواحين الهواء والأشجار متكبدا تعب وجهد مناطحتها.”

تحليل الحدث:

خرجت علينا الدبلوماسية المغربية بفتح قنصليات لبعض الدول الأفريقية (كوت ديفوار، غامبيا، جزر القمر، غينيا، والغابون)، المعروفة على المستوى الأفريقي والعالمي بكونها دولا فاشلة، ينخرها الفساد السياسي والمالي، ويشتهر سياسيوها بكونهم مجرد مرتشين، وأتباعا لمن يدفع أكثر. ففي الشهر نفسه الذي افتتح بوريطة قنصليتي جزر القمر وغامبيا، أعلنت الأمم المتحدة تجميد حق الدولتين في التصويت داخل هيئات الأمم المتحدة، لعجزها عن دفع مستحقاتها المالية كأعضاء في المنظمة. وهو الإعلان الذي يبين بوضوح الخلفيات الحقيقية لقبولهما التورط في هذه المغامرة غير القانونية، وغير الأخلاقية وغير الدبلوماسية بامتياز.

من جهتها، تعيش دولة الكوت ديفوار أزمة سياسية عميقة ويعاني رئيسها، العميل الذي أمسك بزمام البلد بمساندة فرنسية، الأمرين بعد تدهور شعبية فرنسا في الدول الأفريقية بشكل عام. أما الغابون، فهي دولة يعيش نظامها العميل لفرنسا سنواته الأخيرة خاصة بعد تعرض رئيسها، الصديق الحميم لمحمد السادس، لأزمات صحية متكررة، ويعاني معارضة قوية لاستمرار حكمه وحكم عائلته.

وبتحليل فعل فتح هذه القنصليات المزعومة، يمكننا استخلاص ما يلي:

• أولا أن هذه القنصليات غير شرعية، ولا تحترم معاهدة فيينا المتعلقة بالعلاقات الدبلوماسية، والتي تشترط أن تفتح التمثيليات الدبلوماسية بموافقة البلد ذي السيادة، وهو ما يفتقده المغرب تماما في الصحراء الغربية.
• ثانيا، من المتعارف عليه أن يتم افتتاح قنصليات في دول وربما في عدة مدن من نفس الدولة لتقديم خدمات قنصلية وإدارية لمواطني البلد صاحب القنصلية في المدن التي تعرف كثافة تواجد جاليات له. وفي حالة البلدان التي افتتحت ما يسمى قنصليات، نلاحظ بسهولة غياب هذا الدافع فلا وجود لمواطني هذه البلدان بالمناطق المحتلة من الصحراء الغربية، اللهم إلا إذا كان نظام الاحتلال ينوي جلب مستوطنين من هذه الدول لمساعدته في الاستيطان اللاشرعي بالصحراء الغربية. وبالتالي، فلا يخفى على أحد أن المغرب هو من يدفع كل تكاليف هذا الانتهاك الجديد، ولم يجد من يلعب معه هذه اللعبة القذرة إلا دولا فاشلة، مستعدة للقيام بأي شيء من أجل بضعة دولارات في جيوب سياسيين، أو فوائد لحكومات هذه البلدان.

الأهم من كل ذلك، هو أن ننظر إلى عمق الحدث لنتحقق من أبعاده، وتأثيراته. فما هي الفوائد الحقيقية للاستثمار في فتح قنصليات لدول آيلة للسقوط، ولا يعتد بها على الصعيد الدولي؟

لا يختلف إثنان أن المغرب لا يملك أية سيادة على الصحراء الغربية حتى يمنح غيره حقا في فتح سفارة أو قنصلية. وبالتالي، تبقى هذه القنصليات مجرد كيانات للدعاية الآنية، لا تمتلك الشرعية، ومرتبطة كلية بتواجد دولة الإحتلال في الصحراء الغربية، ولا تمتلك أية قيمة قانونية، أو دبلوماسية، أو سياسية، كما أنها غير ملزمة لا للجمهورية الصحراوية مستقبلا، ولا للشعب الصحراوي، ولا حتى لأي دولة أخرى تحترم نفسها.

من جهة أخرى، يمكن إدراج تفسير هذا الفعل المغربي على أنه دليل قاطع على عجز نظام الاحتلال عن تحقيق أية انتصارات فعلية، لا داخل الأمم المتحدة، ولا في الاتحاد الأفريقي، ولا أيضا في المنتديات السياسية والاجتماعية الأخرى، ولذلك تضطر الرباط لصناعة فقاعات دعائية توهم رأيها العام، وربما بعض الرأي العام الدولي، بأنها تحقق انتصارات تقربها من السيطرة على الصحراء الغربية.

وتدخل خطوة فتح القنصليات، وتنظيم الأنشطة الرياضية والثقافية في المناطق المحتلة، لإثارة الضوضاء الإعلامية. لا شيء أكثر.

الخلاصات:

بالنتيجة، لا يمكن قراءة هذا الفعل المغربي اليائس إلا في إطار مساعي الرباط المستميتة للحصول على شرعية ما، أو سراب سيادة مفقودة لم يتمكن من الحصول عليها بعد خمس عقود من الاحتلال.

ولكن، يبدو أن بوصلة بوريطة، مثل بوصلة دونكيخوتي، لجأت إلى الوهم، وإلى صناعة معارك وانتصارات لا وجود لها إلا في مخيلة منفذيها، لأن الحقائق على الأرض ما تزال لم تتغير، فالصحراء الغربية بلد محتل جزئيا، والمغرب دولة احتلال لا قيمة ولا شرعية لأي فعل يقوم به في الأراضي التي يحتلها، والمالك الوحيد للسيادة وللسلطة في البلد هو الشعب الصحراوي، والشعب الصحراوي وحده، وليس حكومة غامبيا، أو جزر القمر، أو أي هيئة أو دولة أخرى صغيرة أو كبيرة.

من جهة أخرى، ينبغي للمناضل الصحراوي أن ينتبه لعدم الانجرار إلى المعارك الصورية التي يخلقها المغرب، والتركيز دائما وأبدا على المعارك التي نصنعها نحن ضد الاحتلال. ولكن، هذا لا يعني طبعا أن لا نبحث عن أساليب وخطوات لمواجهة هذه الدعايات المغربية، ولكن المهم، أن نختار نوع الرد الذي يفيدنا، لا أن ننجر إلى ردود الفعل التي تريد الرباط دفعنا إليها.

مواضيع من نفس الفئة

رئيس المجلس الدستوري الصحراوي يشارك في دورة لرؤساء المحاكم الدستورية الأفريقية

2 ماي / أيار 2024

إفتتاح أشغال الندوة الإعلامية الأولى للتضامن مع الشعب الصحراوي

2 ماي / أيار 2024

بريطانيا تجدد تأكيد دعمها لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير

2 ماي / أيار 2024

مديرة المخابرات الوطنية الأميركية: الحرب في غزة ستحدد مستقبل المنطقة

2 ماي / أيار 2024