محمد عبد العزيز: من ساحة المعركة إلى النضال السياسي

8 يونيو / حزيران 2016 - آخر تحديث 8 يونيو 2016 / 18:11

   التعليقات 0

ــ تأليف: بابلو خورفي لييال (صحفي ومحلل دولي من الشيلي)

ــ ترجمة: منصور إبراهيم السالم (مدير المركز الصحراوي للإعلام والتواصل)

……………………………

توفي الثلاثاء الماضي 31 من شهر مايو (2016) رئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية، بعد معاناة طويلة مع المرض.

ويعتبر محمد عبد العزيز زعيما للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة دوليا باسم جبهة البوليساريو. عمل هذا الطبيب على قيادة شعبه انطلاقا من مقر الحكومة الصحراوية المتواجد في الرابوني في مخيمات تندوف. إلا إن إيمان هذا الزعيم المقاتل بفكرة أن المسار السياسي هو الخيار الأنسب لتقرير مصير شعبه، جعله ينخرط في صراعات داخل المجتمع الصحراوي، وتحديدا مع الأجيال التي تؤمن بضرورة العودة للكفاح المسلح ضد الاحتلال المغربي بعد أربعين سنة من اللجوء و الإنتظار.

ولد محمد عبد العزيز في مدينة السمارة، وكما أشار في مقابلة معه في مدينة التفاريتي المحررة في شهر يوليوز من سنة 2014: “ولدت في منطقة شبه قاحلة تفصلها مسافة 170 كيلومترا غربا عن الجدار. عشت طفولتي بين الحكونية والسمارة. كان لزاما على عائلتي اللجوء نحو جنوب المغرب في نهايات سنة 1656 وهي السنة التي بدأت فيها حرب التحرير بالجزائر. أنخرط الكثير من الصحراويين في هذه الفترة في النضال ضد الاستعمار. وقد كانت إسبانيا وفرنسا هما القوتان الاستعماريتان في المنطقة. لقد كانت الروح السائدة في هذه المرحلة، سواء في مصر أو تونس أو الجزائر، هي روح النضال ضد استغلال المستعمر وتعزيز الوعي الوطني من أجل تقرير مصير الشعوب. إن هذا الوعي الذي كان سائدا في تلك الفترة هو الذي رسخ في شخصي منذ مرحلة الدراسة الإبتدائية وحتى القرآنية روح النضال من أجل تقرير المصير”. تحول محمد عبد العزيز من مرحلة الطفولة مرورا بالدراسة الجامعية في ميدان الطب إلى قيادة مجتمع طيلة أربعين سنة في اللجوء انطلاقا من خيمته المتواضعة الموجودة في إحدى مخيمات اللاجئين بولاية تندوف.

كان محمد عبد العزيز في سن العشرين عندما كان عنصرا من عناصر الخلية الصلبة التي أفرزت الحركة الوطنية لتحرير الصحراء عام 1968 بقيادة البطل الصحراوي محمد سيدي ابراهيم بصيري (المعروف شعبيا بـ بصيري)، الذي تم اختطافه عام 1970 من طرف كتيبة عسكرية تابعة للجيش الإسباني. أصبح من مؤسسي جبهة البوليساريو عام 1973، وقد تم اختياره في المؤتمر الثالث للبوليساريو أمينا عاما للجبهة في خضم الحرب ضد المغرب وموريتانيا في شهر أغسطس من سنة 1976. في سنة 1982 سيشغل منصب رئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية المعترف بها من طرف 84 دولة أغلبها من القارة الإفريقية وأمريكا اللاتينية.

بموت محمد عبد العزيز مات رجل من طينة نادرة كرس كل حياته للنضال من أجل تقرير مصير شعبه. لقد كان سياسيا قاد عملية البحث عن حرية شعبه باحترام تام للقانون الدولي. لقد مات كذلك أب لسبعة أبناء، وشخص يعتبر مرجعا في مجال قضايا تصفية الاستعمار ومدافع شرس عن العدالة من أجل الشعوب.

تبدو خلافة محمد عبد العزيز أمرا معقدا نوعا ما، في ظرف تعيش فيه عملة تقرير المصير حالة من الجمود في ظل وضع إقليمي أصبحت تتنامى فيه الجماعات التكفيرية، وهو ما يفرض على جبهة البوليساريو التحلي بأقصى درجات الحذر عند تحليل الوضعية الحالية والتعامل السياسي معها. تكمن صعوبة مسألة خلافة الزعيم الراحل في كونه نجح في عملية التوليف ما بين المواقف الأكثر محافظة والأخرى الأكثر راديكالية لشعب تعب من اللجوء لمدة أربعين عاما. ستكون خلافته بدون شك مهمة معقدة، حيث من اللازم تجنب الانشقاقات القبلية التي يمكن ترجمتها من خلال المواقف المختلفة لمجتمع ينافح من أجل الاستمرار في احترام القانون الدولي مهما كلف ذلك من ثمن، أو العودة للكفاح المسلح لنزع حقه في تقرير المصير.

يشعر الصحراويون بحالة من الإحباط سواء في مخيمات اللاجئين الصحراويين أو في المناطق المحتلة بفعل الانسداد الحاصل في عملية تقرير المصير. كم يلزم من الزمن لينال شعب ما حريته؟ هل يستطيع مجتمع ما تحمل العيش في أرض الحمادة القاحلة دون إمكانيات لتحقيق التنمية؟ إلى متى سيتحمل العيش من خلال المساعدات الدولية؟ إلى متى نطلب الصبر من شعب أبان عن رغبته في السلم واحترام الشرعية الدولية؟ لقد عبر الصحراويون، شبابا ونساء ورجالا، عبروا عن رأيهم بكل وضوح أمام قادتهم بمن فيهم الزعيم الراحل: إذا لم يعد الاستفتاء، الذي أصبح يتحول رويدا رويدا لمسألة طوباوية، الوسيلة الأنسب للخروج من الوضع الراهن، أو في غياب خيار آخر للدفع بعملية تقرير المصير نحو الأمام، أمام هذا الانسداد فإن الشعب الصحراوي سيعمل دون تردد لإبطال اتفاق وقف إطلاق النار الموقع سنة 1991.

والسبب في ذلك يعود إلى أن المقاومة السلمية لها حدودها، فهي ليست أبدية ومن شروطها تفعيل الآلية المتفق عليها لتنظيم الاستفتاء بهدف تأسيس الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية وجعلها واقعا على كامل ترابها الوطني. سيظهر الخداع جليا إذا لم يتم تفعيل تلك الآلية الضامنة لتقرير مصير الصحراويين، خصوصا إذا علمنا أن منظمات مثل الأمم المتحدة ومن خلال بعثتها المينورسو لم تقدم ولم تؤخر في الأمر شيئا، وتحولت بعثتها إلى بعثة عقيمة ووسيلة لجمع المال، بالنسبة لمئات من الموظفين الأمميين المدنيين والعسكريين، والعمل المريح دون مخاطر تذكر، على عكس الحال الذي توجد عليه بعثات أممية أخرى. إن التحليل الصائب للوضع سيقود حتما للنتيجة التالية: لا يكمن إجراء عملية الاستفتاء.

إن رمزية وفاة قائد من طينة محمد عبد العزيز ظل طيلة واحد وأربعين سنة يناضل دون أن يرى حلمه بتقرير مصير شعبه قد تحقق على أرض الواقع، إن هذا الأمر قد يكون مدعاة لدق ناقوس الخطر لاحتمال ظهور التوجهات الراديكالية. في هذه الأثناء يخيم جو من الهدوء على مخيمات اللاجئين الصحراويين في انتظار انقضاء مهلة الأربعين يوما للشروع في تنظيم المؤتمر الاستثنائي لاختيار خليفة للزعيم الراحل، وذلك في ظل انتقادات وجهت للشهيد محمد عبد العزيز نفسه ولقيادة البوليساريو، من قبيل تجنب القيام بإصلاحات داخل التنظيم السياسي، والتخلي شبه التام عن خيار الكفاح المسلح، أمام نظام ملكي متعنت تجاه أي خيار قد يضمن تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير.

يميل الناس للنضال المتطرف لنيل حريتهم كلما اقتنعوا بصعوبة إيجاد إمكانية لتطبيق الاستفتاء أو أي خيار آخر سلمي آخر يضمن تمتعهم بالحق في تقرير المصير. هكذا إذن من الممكن أن تتحول الصحراء الغربية إلى ساحة للصراع، في إطار مناخ دولي جديد هذه المرة ومختلف عن السيناريو الدولي الذي كان سائدا في القرن العشرين، مناخ غير مسبوق يتسم بالخطورة والدموية نظرا لهشاشة الوضع في منطقة المغرب العربي وحالة انعدام الاستقرار الخطيرة في كل من مصر وليبيا.

من خلال المقابلات التي أجراها كاتب هذا المقال مع العديد من الصحراويين في مخيمات اللاجئين من مختلف الأجناس والأعمار والمجالات، يكمن القول أن هناك إجماع بين الصحراويين أن السيل بلغ الزبى وأن الصبر قد نفد، وأن التحرك العسكري المسلح أصبح حاجة ملحة لصون الكرامة الوطنية، كما أن المغاربة لا يفهمون إلا لغة القوة. تلوح السلطات الصحراوية بإمكانية وضع حد لهذه الاستفزازات بعد أن ملت من التأجيلات والخداع من طرف إسبانيا، المغرب والمنظمات الدولية من قبيل منظمة الأمم المتحدة، وذلك من خلال العمل على تغيير التعامل مع البعثة والمطالبة بوجوب تبني المينورسو لرؤية جديدة في العمل.

عمل الزعيم الصحراوي الراحل على تطبيق هذه الرؤية الجديدة التي يجب أن تؤطر عمل الأمم المتحدة في ملف الصحراء الغربية. وحسب السلطات الصحراوية، التي اتصل بها كاتب هذا المقال، فإن الرؤية الجديدة قيد الحديث، تعني أنه يجب على الأمم المتحدة وهيئاتها الشرعية إلزام المغرب باحترام حقوق الإنسان في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية، وهو ما سيؤدي إلى تغيير جذري في مهام البعثة وسيعري لا محالة سياسية الكيل بمكيالين المنتهجة من طرف حلفاء المغرب مثل فرنسا التي تتحدث عن ضرورة احترام حقوق الإنسان في العلن إلا أنها في المقابل تدعم المغرب في انتهاكاته لحقوق الشعب الصحراوي.

تنتهج الدولة المغربية سياسة القمع والتنكيل الشديدين في حق الصحراويين المطالبين بالاستقلال، وذلك لضمان استمرار احتلالها للإقليم. لهذا السبب يهدد المغرب بوقف التعامل مع الأمم المتحدة وطرد بعثة المينورسو كلما تحدثت هيئة من هيئات الأمم المتحدة أو جهات أخرى عن ضرورة أن تضطلع المينورسو بمهمة مراقبة حقوق الإنسان. لقد نفذ المغرب هذا التهديد في مطلع مارس من السنة الجارية عندما طرد المكون المدني للمينورسو كرد على تصريحات للأمين العام للأمم المتحدة أثناء زيارته لمخيمات اللاجئين الصحراويين أكد فيها أن “المغرب يحتل الصحراء الغربية”، وهو تصريح أغاظ ملك المغرب ما دفعه لاتخاذ قرارات من بينها طرد جزء من مكون المينورسو من المناطق المحتلة.

إنها سياسة ألاعيب غير مقبولة بتاتا، إلا أنها مقبولة في حالة المغرب، ما دام ينتهج بإخلاص سياسة الدفاع عن المصالح الغربية في المغرب العربي، ويدفع ملايين اليوروهات والدولارات لشراء ذمم الحكومات الغربية والزعماء السياسيين الفرنسيين والإسبان على وجه الخصوص.

لقد أشارت السلطات الصحراوية غير ما مرة، و أشار الزعيم الراحل نفسه، إلى أن الأمم المتحدة تستطيع، بل يجب عليها في إطار هذا التوجه الجديد أن تفرض عقوبات اقتصادية على المغرب من خلال الانتقال من البند السادس للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وهو ما يعني الجنوح لاستخدام القوة ضد المغرب لإلزامه باحترام حقوق الإنسان.

كل يوم يعلو صوت الشعب الصحراوي من أجل العودة للحرب، مدفوعا بتجربة عسكرية استمرت ما بين سنة 1975 وسنة 1991، إلى جانب عدم الرغبة في الانتظار أكثر من اللازم. وفي انتظار حل هذه المعضلة، يبكي الشعب الصحراوي، في مخيمات اللاجئين، وفي المناطق المحتلة، يبكي فقدان زعيمه التاريخي الذي جسد في حياته نضال شعب شجاع وكريم، كما تبكيه حكومات في كوبا وفنزويلا، وجمعيات الصداقة مع الشعب الصحراوي في إسبانيا، إيطاليا، السويد، وفرنسا وفي بلدان أخرى.

ــ لقراءة المقال من مصدره الأصلي، اضغط هنـــــــــــا

أحدث الإضافات

أخبار الصحراء الغربية

2 ماي / أيار 2024

ولاية الشهيد الحافظ (الجمهورية الصحراوية)– إنتقل الى رحمة الله سفير الجمهورية الصحراوية بكولومبيا، أماه يحظيه، حسب ما أعلن بيان لوزارة الخارجية.  وجاء في البيان “ببالغ الأسى والأسف وعميق الحزن والتأثر، وبقلوب خاشعة مؤمنة بقضاء الله وقدره، علمنا في وزارة الشؤون الخارجية بنبأ وفاة الأخ والصديق، المناضل، المثالي، الوفي، الطيب المرحوم بإذن الله تعالى، أماه يحظيه […]

أبرز الأخبار

2 ماي / أيار 2024

ولاية الشهيد الحافظ (الجمهورية الصحراوية)– شارك رئيس المجلس الدستوري الصحراوي، محمد بوزيد، اليوم الخميس،  في إفتتاح الدورة التدريبية القضائية الأفريقية المخصصة لرؤساء المجالس والمحاكم الدستورية.  الدورة المنظمة من طرف المحكمة الدستورية الأوغندية، عرفت مشاركة عدة رؤساء محاكم ومجالس دستورية إفريقية وأساتذة جامعيين متخصصين في مجال الفقه الدستوري والقانون الدولي. وتناولت جلسة الإفتتاح التي تمت عبر […]

أبرز الأخبار

2 ماي / أيار 2024

ولاية بوجدور (الجمهورية الصحراوية)– إنطلقت صباح اليوم الخميس بولاية بوجدور أشغال الندوة الإعلامية الأولى للتضامن مع الشعب الصحراوي، وسط حضور رسمي وإعلامي كبير وطني ودولي. الندوة افتتحت بكلمة ترحيب من الأمينة العامة لاتحاد المرأة الصحراوية السيدة الشابة سيني، تطرقت فيها إلى أهمية الندوة في التعريف بقضية الشعب الصحراوي العادلة من خلال التواجد الدولي الكبير في […]

أبرز الأخبار

2 ماي / أيار 2024

لندن (المملكة المتحدة)– أكدت المملكة المتحدة على انسجام موقفها مع موقف الأمم المتحدة الذي يؤكد حق الشعب الصحراوي الغير قابل للتصرف في تقرير المصير. جاء ذالك من خلال جواب مكتوب في الموقع الرسمي للبرلمان البريطاني، على لسان ديفيد روتلي، بإسم وزارة الخارجية والتعاون والكومنويلث. كما أكد روتلي على أن الأمم المتحدة لا تعتبر المملكة المغربية […]

أبرز الأخبار

2 ماي / أيار 2024

واشنطن (الولايات المتحدة الأمريكية)– قالت مديرة المخابرات الوطنية الأميركية، أفريل هينز، إن الصراع في قطاع غزة هز الشرق الأوسط وإن مستقبل المنطقة سيتحدد نتيجة لهذا الصراع، وتطرقت في شهادة لها أمام لجنة القوات المسلحة في الكونغرس إلى دور إيران بالمنطقة والحرب الروسية الأوكرانية. وأشارت هينز في شهادتها إلى أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة هزت المنطقة، وتسببت فيما أسمته “تحديات أمنية […]

أبرز الأخبار

2 ماي / أيار 2024

غزة (فلسطين)– أجرى رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية اتصالين هاتفيين مع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد عبد الرحمن آل ثاني ومدير المخابرات المصرية عباس كامل لبحث تطورات المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار في غزة، مشيرا إلى أن وفد الحركة سيتوجه إلى مصر قريبا. وثمّن هنية الدور الذي تقوم به دولة قطر في الوساطة، مؤكدا […]

أبرز الأخبار

2 ماي / أيار 2024

أنقرة (تركيا)– أوقفت تركيا جميع الصادرات والواردات من وإلى إسرائيل اعتبارا من اليوم الخميس، حسبما نقلت وكالة بلومبيرغ عن مسؤولين مطلعين، ولم تعلن أنقرة الخطوة رسميا. وقيّدت تركيا خلال الشهر الماضي تصدير 54 سلعة إلى إسرائيل، واشترطت الوقف الفوري لعدوانها على قطاع غزة لرفع القيود. وشمل حظر التصدير وقود الطائرات وحديد الإنشاءات والفولاذ المسطح والرخام والسيراميك، وغيرها. رد إسرائيلي وفي أول […]

الاتحاد المغاربي

30 أبريل / نيسان 2024

الجزائر– كرس عقد تأسيس المبادرة الثلاثية، الجزائرية-التونسية-الليبية، دبلوماسية البراغماتية، إذ شكل ظهور هذا التكتل الإقليمي الجديد دليلا على أن الحركة في السياسة مثلما هو الشأن في الحياة دائما ما تكون أفضل من الجمود. وقد إختلف الملاحظون حول تسمية القمة التي جمعت الرؤساء الثلاثة، الجزائري والتونسي والليبي، بين “اتفاق قرطاج” و”اتحاد المغرب العربي مكرر” و”ثلاثي تونس”. […]