ــ بقلم: ماءالعينين لكحل

أصدر مجلس السلم والامن، يوم الجمعة 12 أغسطس الماضي، مقررا (بيانا ختاميا) عقب اجتماعه العادي ال617، المنعقد بأديس أبابا، أثيوبيا، شدد فيه على ضرورة احترام أي دولة أفريقية راغبة في الانضمام للاتحاد الأفريقي للحدود الموروثة غداة الاستقلال، واحترام المبادئ الأساسية الواردة في القانون التأسيسي للاتحاد.

وقد جاء هذا المقرر، الذي يكتسب أهميته من واقع صدوره عن مجلس السلم والأمن الأفريقي عقب الاستماع إلى رأي المستشار القانوني للاتحاد حول موضوع التحركات والدعايات المغربية التي ملأت الدنيا خلال الشهر الماضي حول “عودة” محتملة للمغرب للمنظمة القارية الأفريقية.

حقائق ومواقف أصر الاتحاد على توضيحها

ويمكن من قراءة نص مقرر مجلس السلم والامن، وايضا رأي المستشار القانوني الخروج يالحقائق التالية:

• لم يتوصل الاتحاد حتى الساعة بأية إجراءات رسمية وقانونية من المغرب بشأن هذه العودة المزعومة، حيث أن مناقشة الاجتماع للموضوع لم تشر إلى المغرب بالاسم بتاتا رغم أنه البلد الأفريقي الوحيد غير العضو في الاتحاد. كما أن تشديد المستشار القانوني في مداخلته، وأيضا المقرر على ضرورة احترام المسطرة والإجراءات القانونية لطلب الإنضمام دليل إضافي على عدم توصل الاتحاد حتى الآن بطلب رسمي، وربما جاء المقرر ليذكر المغرب بأن رسالة ملك المغرب التي سلمها لرئيس الاتحاد الرئيس اتشادي لا تعني شيئا بتاتا ولا يمكن اعتبارها طلبا للانضمام، بل مجرد إعلان نية.
• موقف الاتحاد واضح مبدئيا، حيث أنه ليس ضد تقدم المغرب بطلب انضمام، لكونه دولة أفريقية لها الحق في تقديم الطلب، إلا أن المقرر وأيضا مداخلة المستشار القانوني أشارا بالتحديد لضرورة توقيع الدولة الراغبة في الانضمام على القانون التأسيسي للاتحاد واحترامه إجمالا، وخاصة احترام المبادئ العامة الواردة في المادة 4 من هذا القانون التي تنص من بين جملة أمور على: “احترام الحدود القائمة عند نيل الاستقلال… منع استخدام القوة أو التهديد باستخدامها بين الدول الأعضاء في الاتحاد… حق الاتحاد في التدخل في دولة عضو طبقا لمقرر المؤتمر في ظل ظروف خطيرة متمثلة في جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية… حق الدول الأعضاء في طلب التدخل من الاتحاد لإعادة السلام والأمن… الخ“. وعليه، يمكن القول أن الاتحاد الأفريقي أراد توجيه رسالة واضحة للمغرب مفادها أن بإمكانها تقديم طلب الانضمام، ولكن عليها ان تستعد للتخلي عن سياساتها الاستعمارية التوسعية قبل كل شيء.
• لم يفوت مجلس السلم والأمن الفرصة لتوجيه رسالة توبيخ واضحة لجميع الدول التي تدور في فلك المغرب وتخدم دعاياته، حيث دعا “جميع الدول الأعضاء الى الامتثال لأحكام القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي باعتباره الإطار القانوني الوحيد الذي ينبغي أن يوجه عملية انضمام أية دولة للاتحاد الأفريقي“. وهنا يمكن القول أن المجلس يعبر عن رفضه واستهجانه للمساعي التي بذلها المغرب وبعض الدول الخاضعة للتأثير الفرنسي خلال قمة الاتحاد الأفريقي الأخيرة في كيغالي، وهي الدول التي سعت إلى التشويش على القمة بإثارة موضوع رغبة المغرب في الإنضمام للاتحاد، في حين أن الصيغة القانونية الوحيدة هي التي ذكر بها مقرر مجلس السلم والأمن حين أشار إلى المواد 27 و 29 من القانون التأسيسي وضرورة التقيد بهما من قبل أي دولة راغبة في الانضمام.

خلاصة:

يمكن القول أن الاتحاد الأفريقي قد انزعج كثيرا من المحاولات المغربية الرامية لفرض رؤية استعمارية تجاوزها الدهر على القارة، وإعادتها إلى جاهلية الاستعمار. لذلك سعى الاتحاد عبر مسؤولين مختلفين خلال الشهرين الأخيرين إلى توضيح الأمور للجميع، بما فيهم الدول الصديقة للمغرب الراغبة في فرض انضمام نظام استعماري، توسعي في منظمة تأسست وقامت على مناهضة ومكافحة الاستعمار. وهنا يمكن التذكير بتصريح نائب رئيسة مفوضية الاتحاد خلال القمة نفسها، ثم البيان الرسمي الصادر عن مكتب رئيسة الاتحاد نهاية شهر يوليو، وهاهو الموقف يصبح أكثر قوة مع هذا المقرر.

وبطبيعة الحال، مازلنا ننتظر اتخاذ المغرب خطوات جدية وجادة لتجسيد رغبته في الانضمام للاتحاد الأفريقي، رغم أننا نتوقع أنه سيواجه تحديات، وصعوبات جمة لو استمر في مسعاه الغريب هذا. وفي كل الأحول، أعتقد شخصيا أن هذه الخطوة، والطريقة التي تم إخراجها بها، شكلت أكبر تجسيد للصبيانية السياسية وقلة المهنية من قبل المغرب الذي كان يتوقع أن تفتح له الأبواب على مصراعيها غازيا لقلعة الاتحاد الأفريقي بعد أن يطرد منها الجمهورية الصحراوية. لكنه نسي على ما يبدو أن هذه الجمهورية وشعبها ليسا حقيقة “وهمية” كما تعودت أبواق الرباط وأزلامه الترديد حتى صدقت أكاذيبها، بل هي دولة مؤسسة للاتحاد، كما أن الصحراء الغربية وممثلها الشرعي جبهة البوليساريو عضو في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا حيث باتت تضيق بعضويتها هذه على التواجد المغربي بهذه اللجنة التي يوجد مقرها بأديس ابابا، أثيوبيا. لهذا، لتستعد الرباط لمواجهة الأسوأ في معركتها الخاسرة القادمة ضد رغبة أفريقيا في التحرر من جميع أشكال الاستعمار، والعنصرية والقهر. ونتوقع أن يحمى وطيس المواجهة السياسية والدبلوماسية من الآن فصاعدا، ولربما تصل إلى حد انفجار الأوضاع من جديد على الجبهة العسكرية لأن المغرب لن يستطيع تحمل المزيد من الضغط الدولي. فعلينا أن نضع في الحسبان أيضا ما يواجهه الآن في المحكمة الأوروبية، وفي مجلس الأمن الدولي، وفي المنتديات الاجتماعية وغيرها، حيث يمكن تشبيه المرحلة التي يعيشها نظام الرباط بالمرحلة التي مر به نظام الأبارتايد في جنوب أفريقي في نهاية ثمانينيات القرن الماضي قبل أن ينهار في 1994.

هامش:

للاطلاع على نص مقرر مجلس السلم والأمن، إليكم الرابط على موقعنا:

الاتحاد الأفريقي يصدر قرارا بشأن تحركات المغرب للانضمام له ويطالبه باحترام الحدود القائمة عند نيل الاستقلال

مواضيع من نفس الفئة

لقاء قرطاج: الاتحاد المغاربي من تكتل الشعارات إلى الأفعال حب من أحب ...

30 أبريل / نيسان 2024

الجمهورية الصحراوية وفنزويلا توقعان اتفاقية تعاون في مجال التدريب التربوي

30 أبريل / نيسان 2024

كتائب القسام تبعث رسالة مقتضبة للجمهور الإسرائيلي

30 أبريل / نيسان 2024

واشنطن تحث حماس على قبول صفقة التبادل وتحذر نتنياهو من اجتياح رفح

30 أبريل / نيسان 2024