ــ هيئة تحرير الصحراوي

نظرا لدخول جيل جديد من المناضلين الصحراويين معمعة الدفاع عن القضية الوطنية، خاصة في المنابر الإعلامية الدولية، ارتأى موقع “الصحراوي” إعادة نشر رأي سبق له نشره، يستعرض فيه بعض الحجج التي يتبارى المدافعون عن الإحتلال المغربي في استخدامها لتضليل الرأي العام الدولي، وفي نفس الوقت يُفند هذه الدعايات المغربية بالحجج القانونية الشرعية التي يتوجب على مناضلينا الاستفادة منها قدر الإمكان، وعدم الركون إلى المحاججات اللفظية الخالية من الأدلة.

فبالفعل، لعبت الدبلوماسية المغربية منذ اندلاع النزاع حول الصحراء الغربية دورا يمكن تشبيهه بتأثير وسائل الإعلام العالمية الكبرى في صقل الآراء و توجيهها لخدمة أهداف سياسية معينة؛ إن هذه المناورات لها تأثير قوي على مواقف الدول مع مرور الزمن، وأدى ذلك على سبيل المثال إلى التراجع عن فكرة فرض الاستفتاء من طرف مجلس الأمن، عبر لوائحه المتتابعة منذ سنة 2007.

لمزيد من التوضيح، يمكن أن نسرد بعضا من هذه المناورات القانونية، و كذا الدفوع التي تدحضها:

1- القول بأن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية يؤكد سيادة المغرب على الصحراء الغربية:

الجواب بسيط: لا يسعنا هنا إلا تشبيه وجهة النظر المغربية هذه باختصار الآية القرآنية الكريمة من سورة الماعون في كلمتي “ويل للمصلين”؛ الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية واضح لا غبار عليه، لو سلمنا أم المحكمة أقرت بوجود بعض الروابط (دعونا نسطر على كلمة بعض) بغض النظر عن طبيعتها، مع بعض مكونات الشعب الصحراوي (دعونا كذلك نسطر على كلمة بعض)، إلا أنها أقرت بأن هذه الروابط لا يمكن تأويلها بسيادة المغرب (وموريتانيا كذلك، ودعونا أيضا نسطر على كلمة موريتانيا) على الصحراء الغربية، وأن مقتضيات اللائحة 1514 للجمعية العامة للأمم المتحدة يستوجب تطبيقها في هذا السياق.

2- الدعاية بأن الأمم المتحدة لا تعتبر المغرب محتلا للصحراء الغربية:

الجواب بسيط: لائحة مجلس الأمن رقم 380 المؤرخة في 06 نوفمبر 1975 تدعو المغرب بلغة صريحة وشديدة في أن واحد إلى الانسحاب من الصحراء الغربية، وتعتبر بذلك المسيرة الخضراء تصرفا باطلا في نظر القانون الدولي.

وقبل ذلك، دعت لائحة مجلس الأمن رقم 379 المؤرخة في 02 نوفمبر 1979، في فقرتها الأولى، وبلغة شديدة كذلك، كل الأطراف إلى الامتناع عن أي عمل أحادي الطرف (المسيرة الخضراء) يمكن أن يزيد من حدة التوتر في المنطقة.

صحيح، كلمة “محتل” غير موجودة صراحة في لوائح مجلس الأمن، لكن اعتبار المسيرة الخضراء عملا منافيا للقانون الدولي يؤكد ذلك بوضوح.

كما أن حقيقة أن الأمم المتحدة لا تعترف للمغرب بالسيادة على الاقليم، وحقيقة أن محكمة العدل الدولية أثبتت أن لا حق سيادي للمغرب على الصحراء الغربية، وحقيقة أن قضية الصحراء الغربية تناقش سنويا في اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار، كلها إشارات واضحة بأن الصحراء الغربية ليست جزءا من المغرب، وأنها على العكس من ذلك خاضعة للائحة 1514 المتضمنة لإعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، وهذا يعني أن الشعب الصحراوي من هذه الشعوب المستعمرة، بكل بساطة.

بالمقابل، يرد وصف المغرب بالمحتل للصحراء الغربية بوضوح في اللائحتين 34/37 الصادرة في 21 نوفمبر 1979 (فقرة 5) و35/19 الصادرة في 11 نوفمبر 1980 (فقرة 5) عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، بمعنى أن كافة دول العالم، بما فيها المغرب تقر بأن الصحراء الغربية مستعمرة، وأن المغرب بلد مستعمر لا يمتلك حتى حق إدارة الإقليم لأنه لا يرد أيضا في لائحة السلطات المديرة للاقاليم المستعمرة. في حين أن آخؤ دولة مديرة للصحراء الغربية كانت إسبانيا.

3- التنصل من الالتزام بلوائح مجلس الأمن الأممي بصفة عامة:

تنص المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة على أنه: “يتعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق”، أي أن قرارات ولوائح مجلس الأمن (بما فيها تلك المتعلقة بالصحراء الغربية) ملزمة وتستمد قوتها الإلزامية من الميثاق نفسه، عكس قرارات الأجهزة الأخرى، التي يمكن أن تكون لها قوة أدبية أو معنوية فقط.

لقد صادق المغرب على ميثاق الأمم المتحدة يوم 12 نوفمبر 1956، ومنذ ذلك الحين وهو ملزم بالاحترام الصارم لمختلف مواده، بما فيها تلك المذكورة أعلاه؛ بدون تعليق.

4- التأويلات المختلفة للحق في تقرير المصير:

لقد طور المغرب حساسية منقطعة النظير تجاه جملة “الحق في تقرير المصير”، رغم تكريسها من طرف ميثاق الأمم المتحدة عبر مواده 1 وَ55، وكذا العهدين الدوليين لحقوق الإنسان عبر المادة الأولى المشتركة منهما.

يعارض المغرب بشدة إدراج هذه الجملة في أي نص أو لائحة من لوائح الأمم المتحدة، مهما كان موضوعها وسياقها.

وبما أن الحق يعلو ولا يُعلى عليه، عندما تُحشر الدبلوماسية المغربية في زاوية ضيقة، تضطر في بعض الأحيان إلى الاعتراف بالحق في تقرير المصير ولكن مع التأكيد على عدم اختزاله في فكرة الاستفتاء، مُبرزة بذلك أن مشروع الحكم الذاتي (الحلم غير الآتي) يعتبر طريقة من طرق تطبيق تقرير المصير، مستشهدة ببعض التجارب المطبقة هنا وهناك، في كاليدونيا الجديدة وكاتالونيا وإقليم أتشه (إندونيسيا)، متناسية تجارب أخرى حديثة كجنوب السودان وتيمور الشرقية.

بالرجوع إلى البلاغة القرآنية، يمكن أن نقول هنا أن المغرب “يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض”.

إن مقتضيات اللائحة 1514 للجمعية العامة للأمم المتحدة لا تحتاج إلى تعليل أو تفسير؛ تتكرر كلمة “حر”، أو “حرية” في هذه اللائحة سبع مرات، وهنا يطرح السؤال: أي حرية تركت للشعب الصحراوي في تقرير مصيره بفرض خيار واحد وأوحد هو الحكم الذاتي في إطار الجهوية الموسعة؟

5- محاولات ضرب فكرة الحق في تقرير المصير باللجوء إلى مبدأ “ضرورة احترام الوحدة الترابية للدول”:

بادئ ذي بدء، فكرة احترام الوحدة الترابية للدول مكرسة من طرف القانون الدولي، ولا يسعنا هنا إلا دعم الوحدة الترابية للمملكة المغربية… لكن في إطار حدودها الجغرافية المتعارف عليها دوليا.

منذ اعتبارها إقليما غير مستقل ذاتيا من طرف الجمعية العامة سنة 1963، إلى غاية اجتماع مجلس الأمن الأخير حول الصحراء الغربية بتاريخ 08 نوفمبر 2015 والأمم المتحدة تؤكد أن الوضع القانوني النهائي للإقليم لم يتم بعد الفصل فيه؛ فكيف يمكن التشبث بفكرة الوحدة الترابية على إقليم لم تثبت بعد ملكيته أو السيادة عليه؟

في هذا المجال، يمكن إسقاط قصة سيدنا نوح عليه السلام مع قومه على التعنت المغربي تجاه موقف الأمم المتحدة، ولله المثل الأعلى، فطوال 52 سنة، بينت الأمم المتحدة للمغرب أن الوضع القانوني النهائي للصحراء الغربية لم يتم بعد الفصل فيه ليلا ونهارا، ثم دعته جهارا، ثم أعلنت له وأسررت إسرار، فاستغشى ثيابه وأصر واستكبر استكبارا.

6- الاستشهاد باتفاقية مدريد:

يقول المغرب أن تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية تم الفصل فيها عبر اتفاقية مدريد الثلاثية، تغمدها الله بواسع رحمته.

تنص المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة على أنه: “إذا تعارضت الالتزامات التي يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة وفقا لأحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي آخر يرتبطون به، فالعبرة بالتزاماﺗﻬم المترتبة على هذا الميثاق”.

هذا معناه أنه في حالة تعارض اتفاق دولي معين مع مقتضيات ميثاق الأمم المتحدة، تكون الغلبة للميثاق على حساب هذا الاتفاق؛ ميثاق الأمم المتحدة كرس الحق في تقرير المصير، واتفاقية مدريد كرست تقسيم أرض شعب وثرواته بين القوة المستعمرة وبعض جيرانه.

للإشارة، ينص ميثاق الأمم المتحدة في مادته الأولى على مقاصد أو أهداف هذه المنظمة العالمية، والتي من بينها: “إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام”.

كخلاصة،

يمكننا القول أن هذه الأفكار السابقة الذكر لا تخفى على أي صحراوي مؤمن بعدالة قضيته، مع هذا، ونظرا لحساسية الظرف والاستحقاقات المقبلة، ارتأينا ضرورة التطرق لها في مقال واحد، من باب تذكير الصحراويين نفسهم، إضافة إلى أعدائهم قبل أصدقائهم أن القانون الدولي يقف بجانب قضيتنا.

لكن لسوء الحظ، سيطرة النظرة الواقعية على العلاقات الدولية وأجهزة الأمم المتحدة وخصوصا مجلس الأمن، وكذا تغليب لغة المصالح على سيادة القانون، تقف حاجزا أمام تمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير المفضي إلى الاستقلال.

من جهة أخرى، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننفي أن هذه المناورات المتعددة أدت إلى التأثير على مواقف بعض الدول أو المنظمات الدولية، أو جعلتها تحجم عن التطرق لقضية الصحراء الغربية احيانا.

إن عامل الوقت، وزمن اللاحرب واللاسلم، إضافة إلى اعتبار النزاع حول الصحراء الغربية “كنزاع ضعيف الشدة” مقارنة ببؤر التوتر الأخرى الموجودة في العالم حاليا، كلها تعتبر رياح تهب في صالح المناورات المغربية الغير مؤسسة، في شتى المجالات، ولذلك فمن واجب المناضلين الصحراويين وأصدقاءهم تشديد الخناق على المحتل، وعدم تمكينه من ترك القضية الصحراوية طي النسيان.

مواضيع من نفس الفئة

رئيس المجلس الدستوري الصحراوي يشارك في دورة لرؤساء المحاكم الدستورية الأفريقية

2 ماي / أيار 2024

إفتتاح أشغال الندوة الإعلامية الأولى للتضامن مع الشعب الصحراوي

2 ماي / أيار 2024

بريطانيا تجدد تأكيد دعمها لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير

2 ماي / أيار 2024

مديرة المخابرات الوطنية الأميركية: الحرب في غزة ستحدد مستقبل المنطقة

2 ماي / أيار 2024