ــ بقلم: زيني علي طالب

“عليّ وعلى أعدائي” هي مقولة اشتهر بها شمشون الجبار الذي تغلب على اعدائه جميعهم بفضل قوة خارقة يوجد سرها في شعره فلما تمكن اعداؤه منه عن طريق زوجته التي قصت شعره فاستحالت قوته الجبارة الى قوة عادية، ثم داهموه في داره وتغلبوا عليه وشدوا وثاقه وادخلوه السجن فجلبوه الى قاعة كبيرة فعمد الى عمود وسط القاعة فاقتلعه وصرخ قائلاً (عليّ وعلى اعدائي يا رب) فأطبق سقف القاعة على الحاضرين وماتوا جميعهم، وذهب قوله مثلاً يضرب لتمني الانسان الشر له، ولأعدائه.

منذ الوهلة الأولى عرفنا ان رجوع المغرب للاتحاد الافريقي مكرهاً لا بطل وانه قبل ذليلا بما رفضه منذ عقود وهو الجلوس الى جنب الدولة الصحراوية بنفس الصفة والحقوق ويرى العلم الوطني خفاقا وهو تنازل منه بطعم الاعتراف لنا، ولكن وراء الاكمة ما وراءها.

المغرب الان يدخل بنفس استراتيجية شمشون الجبار أي انه سيعمل بأسلوب خاسر-خاسر، حيث سيعمل على احداث المشاكل بشتى أنواعها ليتم اخراج الدولة الصحراوية من الاتحاد الافريقي او تجميد عضويتها حتى لو كلفه ذلك ان يخرج هو أيضا من الاتحاد ولكن المهم بالنسبة له ان تخرج القضية الصحراوية من اهتمامات الصرح الافريقي.

وقد بدى واضحا منذ بداية التحضير لهذه القمة واثناء انعقادها كيف يعمد الاحتلال عبر ممثليه وداعميه الى اثارة المشاكل والاعتراض على كل شاردة وواردة تتعلق بالقضية الصحراوية حتى ولو بأثر رجعي مثلما حدث بطلبه حذف ومناقشة مصطلحات وفقرات لقرارات كانت قد اتخذت بالموافقة سابقا وهو امر شديد الخطورة وبداية انزلاق غير موفقة للاتحاد الافريقي وصرامة قراراته.

هدف المغرب من كل ذلك هو اثارة غضب وضجر الأفارقة من هذه القضية بحيث يرونها معطلا لسير الاشغال ومراجعة القضايا الأخرى الاقتصادية والأمنية المهمة بالنسبة لهم، حيث ان اغلب الدول الافريقية هي دول فقيرة يهمها الاقتصاد أكثر من السياسة وحتى إذا كان بعض حلفائنا يقدمون المبادئ على المصالح فان اخرين لهم موازين رخوة بين المصالح والمبادئ تتأرجح على كف عفريت ويمكن لأي بسط او ضم لهذا الكف ان يرجح احدى الكفتين.

وإذا نجح المغرب في هدفه هذا فان هناك سيناريوهات تجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا خوفا من خسارة مكتسبات تحققت بشق الانفس وبتضحيات جسام، وهذه السيناريوهات حسب رأيي كالتالي: ان يتم تسليم القضية الصحراوية للأمم المتحدة وابعاد الاتحاد الافريقي من التعاطي مع القضية من جانبها السياسي او السعي لإيجاد الحلول او حتى التوسط لحل المشكل.

السيناريو الاخر هو دعوة الطرفين لحل المشاكل العالقة فيما بينهم واحداث نوع من تجميد لعضوية البلدين لحين فض هذه النزاعات على شاكلة سابقة في النموذج الاثيوبي الاريتري وهي سيناريوهات ستحقق للمحتل اهم أهدافه الخفية.

نعم نقولها بكل حسرة انه كان بالإمكان أفضل مما كان وأكبر خطأ ما زلنا ندفع ثمنه هو اتباعنا لسياسات دفاعية في انتظار ما سيقوم به العدو بينما من الواجب علينا نحن أصحاب الأرض والحق والمكتوون بنار الاستعمار واللجوء ان نكون المبادرين في الهجوم في كل المجالات والخروج من حالة الجمود وانتظار الأسوأ التي اثبتت فشلها لعقود باعتراف حتى الممثل السابق كريستوفر روس بمنطق انه يجب ان تحدث بعض الضجيج لتحصل على حقك.

وحتى لا نشخص الداء ونغفل عن الدواء فإننا سنذكر ما يمكن ذكره هنا وهي ضرورة مراعات حاجات الدول وتوجهاتها والتعامل معها على هذا الأساس بالتنوع ما بين الترغيب بجزرة الشراكات الاقتصادية المستقبلية وفتح افاق التكامل والتعاون الإقليمي والترهيب بعصى الاثار المدمرة لاستمرار الاحتلال المغربي على السلم والاستقرار السياسي والاقتصادي في منطقة شمال افريقيا وأوروبا وانعكاسات أي حرب في المنطقة على ملفات الامن والهجرة والتكتلات وتعطيل السير لعجلة الاتحادات بين دول المنطقة.

أيضا لا بد من الضرب في كل الاتجاهات وتشتيت تركيز العدو على ملف معين حيث يريد الاحتلال ان يحشرنا في الزاوية ويجعل كل جهودنا صوب وجهة محددة فتاتينا الضربة من حيث لم ندري بل نحن من يجب ان يمارس هذه السياسة واللعب على كل نقاط ضعف العدو من اقتصاد وثروات وحقوق انسان ورياضة وثقافة واعلام وفتح جبهات جديدة يغفل عنها العدو.

حتى العدو بدأ يعترف بأخطائه ويحدث التغييرات في السياسات والأشخاص اللازمة لتحقيق التغيير لصالحه والتعاطي مع المستجدات بينما نحن نراوح مكاننا بالتعاطي مع متغيرات السياسة العالمية والخطط الاستعمارية بنفس عقلية السبعينيات ونحاول البحث عن مسوغات وانتشارات للأخطاء بدل مواجهتها بكل شجاعة لتصحيح الاختلال ووقف التدهور والانتقال لتحقيق الانتصارات وحتى لا نصحو يوما فنجد أنفسنا نضرب اخماس بأسداس ونتحسر على امجاد اضعناها بأيدينا.

مواضيع من نفس الفئة

سذاجة لقجع أم سخرية القدر؟

21 أبريل / نيسان 2024

العلاقات الجزائرية-الروسية تتجاوز التعاون العسكري

20 يناير / كانون الثاني 2024

ندوة الإعلام.. إستفاقة أم تكريس للفشل؟

31 ديسمبر / كانون الأول 2023

تاريخ حافل بالمتاجرة والمقايضة السياسية المشبهوة.. ماذا تخفي زيارة محمد السادس إلى ...

17 ديسمبر / كانون الأول 2023