ــ بقلم: ابن البوليساريو

زيارة شخص الأمين العام إلى أي مكان تحمل معها عبئا أمنيا وبروتوكوليا وتنظيميا كبيرا للدول محل الزيارة، وهنا لابد من الاعتراف أن زيارة بان كي مون لمخيمات اللاجئين الصحراويين وبئر لحلو المحررة كانت ناجحة بكل المقاييس، بالنظر إلى حداثة تجربتنا في هذه الأمور، وتبرهن مختلف الصور الملتقطة أنه تم التخطيط لها بشكل جيد، إلا أنه وبرغم ذلك فقد شهدت هاته الزيارة بعض الهفوات هنا أو هناك جمعتها في هذه الملاحظات التالية:

ــ الملاحظة الأولى: كثيرا ما رأينا صورة اجتماعات الأمانة والحكومة ومختلف اللقاءات الرئاسية ووراءها تلك الخلفية ذات اللون الأزرق الذي يقترب من اللون الذي تستعمله الأمم المتحدة في شعارها الرسمي والمعبرة عن الشعار الرسمي للدولة الصحراوية، إلا أن ما أثار انتباهي في الصورة الوحيدة التي تناقلتها وسائل الاعلام والتي وثقت لقاء الرئيس الصحراوي والأمين العام للبوليساريو السيد محمد عبد العزيز  مع الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كيمون هو غياب تلك الخلفية التي ترمز إلى مشروع الدولة الصحراوية، ولا أظن أن أخذ صورة تذكارية أمام تلك الخلفية كان سيضر بان كي مون في شيء بل من شأنه أن يعزز احترام ضيف الشعب الصحراوي لهذا الشعب ولحركته التحررية ولإجراءاتها البروتوكولية المرعية مع كل ضيف.

أما وأن تختفي تلك الخلفية فجأة واللقاء عقد بالرئاسة وهي أهم مؤسسة ترمز للبوليساريو وللدولة الصحراوية وقد دخلها بان كي مون واجتمع مع حكومتها، فأظن أن الأمر يحتاج إلى تدبير آخر في المستقبل.

إننا كصحراويين لسنا في حاجة إلى خلفية تظهر لنا فقط في اجتماعاتنا الداخلية ويظهرها التلفزيون وبقية وسائل الاعلام، بينما تختفي كلما حل علينا زائر أو ضيف؟ يجب أن نعي جيدا أن الرموز لا تفاوض بشأنها وأن الشعار الرسمي الموثق في تلك الخلفية أحد هذه الرموز التي لا يجب التلاعب بها فنظهره مرة ونخفيه مرات، وكأننا في لعبة غميضة!!! وإن كانت إجراءات البروتوكول تفرض منطقا آخر فنحن في غني عنه؛ فإما أن نكون أو لا نكون.

والسير مستقبلا بهذه الشاكلة قد يقوض ليس فقط من ثقة الآخرين في دولتنا بل قد يقوض من ثقتنا نحن في أنفسنا، ونحن نرى صورة رئيسنا المنتخب مع الأمين العام للأمم المتحدة ووراءهما خلفية أشبه بخلفيات المنازل أو أسواق الأثاث، وقد حاولت جاهدا أن أجد حتي ما يعبر رمزيا في تلك الخلفية عن البوليساريو كحركة تعترف بها الأمم المتحدة في كل قراراتها فلم أستطع أن أجد رمزا طبعا غير صورة الأمين العام للجبهة.

أكتب هذه الملاحظة لأنه حز في نفسي غياب ذلك الرمز عن تلك الصورة، كما أني أعرف أن القائمين على الشأن العام عندنا أكثر دراية مني بالبروتوكول وإجراءاته، وآمل أن لا يكونوا قد وضعوا في تلك الخلفية مكرهين هم أيضا كما أنا مكره على كتابة هذه الملاحظة.

ــ الملاحظة الثانية: التي رأيتها من خلال الصور هو أن المبعوث الخاص كريستوفر روس ترك وحيدا وراء بان كي مون وبالرغم من تفهمي لمرافقة المكلف بالمينورسو للأمين العام للأمم المتحدة إلا أن ترك السفير كريستوفر روس وحيدا أمر كان يمكن تلافيه، خاصة في مثل هذه الزيارات التي ينشغل الجميع فيها بالترحيب واستقبال الشخصية الأهم وينسون بعض الشخصيات المهمة، وكنت أتمنى مثلا على الأمينة العامة للنساء أن لا تزاحم المكلف بالمينورسو في استقبال بان كي مون، وإن كانت هناك رسائل وراء ذلك من قبيل إظهار دور المرأة الصحراوية، إنما كان الأفضل مرافقتها لضيف الشعب الصحراوي الآخر السفير كريستوفر روس، والأمر نفسه ينطبق على الشخصيات الأخرى المهمة التي رافقت الأمين العام وكان الأجدر تخصيص سفير أو وزير مرافقا لكل شخصية من وفد بان كي مون ونحن هنا إذ نذكر بهذا إنما نريد أن يشعر ضيوف الشعب الصحراوي أنهم وسط حركة ودولة وشعب مضياف بكل معنى الكلمة، وأنهم قد أخذوا كل التفاصيل الدقيقة بعين الاعتبار للتعبير لبان كي مون ووفده عن حسن الاستقبال وكرم الضيافة المعهودة للشعب الصحراوي.

ــ الملاحظة الثالثة: أن صورة بان كي مون مع أطفال صحراويين كانت رائعة ومؤثرة وكنت أتمنى أن يكون التنظيم جيدا لدرجة يتمكن معها الأمين العام للأمم المتحدة من استكمال برنامجه في 17 يونيو للوقوف على أحد أهم إنجازات البوليساريو والدولة الصحراوية وهي تعليم 4 أجيال في تلك الظروف الصعبة وهو ما عجزت عنه حتى الدول المستقلة منذ أربعين سنة، مرة أخرى لازال التنظيم والتسيير لدينا لهذه الأحداث المهمة يشوبه خلل على المعنيين تداركه، كما أن رؤية تلك الطفولة البريئة كان سيترك أثرا بالغا في نفسية الزائر ووفد الأمم المتحدة.

ــ الملاحظة الرابعة: الصورة التي أغضبتني حقا وقد أخذت بالرئاسة وهي تظهر تزاحم الصحافة على بان كي مون وأفراد الأمن يحاولون وسعهم السيطرة على الموقف دون توفيق، وإن كنت أتفهم حدوث هذا في أي مكان آخر إلا أني لا أستطيع تفهمه في مؤسساتنا الرسمية وبمناسبة حدث مهم كهذا كان يفترض أن يخطط له بكل عناية وبأدق التفاصيل، ولكن عسانا من العبرة نعتبر لقادم الأيام.

ــ الملاحظة الخامسة: من يدير البروتوكول في الرئاسة؟ في إحدى الصور التي التقطتها عدسات التصوير، يظهر مدير البروتوكول بالرئاسة وهو يستقبل بان كي مون قبل نزوله من السيارة ثم في صورة أخرى يظهر الأمين العام للرئاسة وهو يرافقه ووراءه مدير البروتوكول الرئاسي، وهو أمر لا أعرف إن كان متماشيا مع أعراف البروتوكول المرعية إذ كان من الواجب عدم مزاحمة مدير المراسم الرئاسية وأن يترك في استقبال ومرافقة الضيف حتى تسليمه للسلطة المعنية وهي هنا الأمين العام للرئاسة أو الوزير الأول. هذه أمور صغيرة ولكنها تعطي انطباعا سيئا عنا لدى الآخرين، ونفس الأمر ينطبق على بعض الصور التي يظهر فيها بعض رجال الحماية في غير محلهم وقد خرج الأمر من يدهم.

ــ الملاحظة السادسة: في اللقاء الصحفي الذي أجراه بان كي مون بوسائل الاعلام ربما في الرئاسة، لم أرى أي مسؤول صحراوي يرافق الأمين العام، وكان المسؤول الصحراوي الوحيد الذي التقطته عدسات التصوير هو رئيس الهلال الأحمر الصحراوي، وكان يقف في الصورة وبجنبه “موتشيلة” و”يلبس معطفا أحمر غير مناسب تماما لهذه الزيارات، وكان في صورة أخرى أكثر أناقة وتمثيلا لنا. أين ذهب الآخرون من أعضاء أمانة ووزراء ووو… الله أعلم قد يكونون في تلك الحشود الخلفية وهو بالتأكيد ليس مكانهم ولكن على رأي المثل الصحراوي “أنا ننترك الفوك ومولانة ينترك التحت واجهد ماهو سياني”.

ــ الملاحظة السابعة: يبدو واضحا شعار الأمم المتحدة خلف بان كي مون في ندوته الصحفية بينما لا أثر لشعار البوليساريو؟

ــ الملاحظة الثامنة: الصور التي تم التقاطها لزيارة بان كي مون في بئر لحلو مع ممثل بلادنا بنيويورك والأطفال والسلطات المدنية والعسكرية هناك واحتساء الشاي الصحراوي ربما لأول مرة في هذه الزيارة تظهر أن التنظيم كان جيدا ومحكما فيه، عكس بعض صور الزيارة إلى ولاية السمارة أو بعض الصور في مقر الرئاسة.

وأخيرا مبروك لنا جميعا بهذه الزيارة الأممية التي أبانت فيها القيادة عن قدر كبير من التخطيط والتنظيم وأبان فيها الشعب عن غضب عارم من نسيانه من قبل المجتمع الدولي وبالرغم من مختلف الانطباعات والآراء حول الزيارة إلا أنه من حقنا ومن حق شعبنا أن يحظى بهذه الفرصة ليسمع الجميع معاناته وصورة حتى بدون خبر تنقلها رويترز خير من آلاف المجلدات التي نكتبها، فما بالك والأمين العام قد اطلع بنفسه على صمود شعب أسطوري جعل بان كي مون يعبر أنه سيتخذ خطوات ملموسة لفائدة اللاجئين الصحراويين في القمة الإنسانية المزمع عقدها أول ماي من السنة الجارية بإسطمبول، تركيا.

هذا أبسط ما تحقق وبالتأكيد هناك غيره الكثير الذي تحمله ذاكرة الأمين العام وسيحمله إن شاء الله تقريره في أبريل القادم إلى مجلس الأمن الدولي؛ وأكاد أجزم أن المغرب سيتحسر على تأجيله لزيارة الأمين العام بعد رؤيته للانتصارات الدبلوماسية والسياسية التي حققتها البوليساريو من ورائها، فهل يطلب المحتل المغربي من بان كي مون زيارته قبل أبريل أيضا؟؟؟ ذلك ما سنعرفه في قادم الأيام.

مواضيع من نفس الفئة

سذاجة لقجع أم سخرية القدر؟

21 أبريل / نيسان 2024

العلاقات الجزائرية-الروسية تتجاوز التعاون العسكري

20 يناير / كانون الثاني 2024

ندوة الإعلام.. إستفاقة أم تكريس للفشل؟

31 ديسمبر / كانون الأول 2023

تاريخ حافل بالمتاجرة والمقايضة السياسية المشبهوة.. ماذا تخفي زيارة محمد السادس إلى ...

17 ديسمبر / كانون الأول 2023