يذكرني لسان حال المغرب الآن بالأغنية “إني أغرق، أغرق، أغرق”

تلك هي الكلمات التي تتبادر إلى الذهن بعد قراءة بيان وكالة المغرب العربي للأنباء (الوكالة الرسمية المغربية) حول زيارة الأمين العام للأمم المتحدة الأخيرة للمنطقة. هذا البيان يمكن تلخيص مضمونه في ثلاث نقاط أساسية:

مغالطات سياسية، قانونية وتاريخية كما عودنا المغرب،

• تخبط كبير ومحاولة لصرف النظر عن اعتبار الأمم المتحدة قضية الصحراء الغربية قضية تصفية استعمار،
• بعض الرسائل الضمنية وغير المباشرة.

1. فبالنسبة للمغالطات :   

–أ) “سجلت حكومة المملكة المغربية، يضيف البلاغ، بذهول أن الأمين العام استعمل عبارة “احتلال” لوصف استرجاع المغرب لوحدته الترابية معتبرة أن ذلك  يتناقض بشدة مع القاموس الذي دأبت الأمم المتحدة على استخدامه في ما يتعلق بالصحراء المغربية”.

ونورد أسفله بعض المعلومات والدلائل والقرائن التي تثبت استعمال عبارة احتلال في قاموس الأمم المتحدة، مما قد يزيد من ذهول الحكومة المغربية:

أ) بالنسبة لمجلس الأمن :

– دعت لائحة مجلس الأمن رقم 379 المؤرخة في 02 نوفمبر 1979، في فقرتها الأولى، وبلغة شديدة، كل الأطراف إلى الامتناع عن أي عمل أحادي الطرف (المسيرة الخضراء) يمكن أن يزيد من حدة التوتر في المنطقة”.

– دعت لائحة مجلس الأمن رقم 380 المؤرخة في 06 نوفمبر 1975 المغرب بلغة صريحة وشديدة في آن واحد إلى الانسحاب من الصحراء الغربية، واعتبرت بذلك المسيرة الخضراء تصرفا باطلا في نظر القانون الدولي.

– صحيح، كلمة “محتل” غير موجودة صراحة في لوائح مجلس الأمن، لكن اعتبار المسيرة الخضراء عملا منافيا للقانون الدولي يؤكد ذلك بوضوح.

ب) بالنسبة للجمعية العامة للأمم المتحدة: 

• يرد وصف المغرب بالمحتل للصحراء الغربية بوضوح في اللائحتين 34/37 الصادرة في 21 نوفمبر 1979 (فقرة 5) و 35/19 الصادرة في 11 نوفمبر 1980 (فقرة 5) عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ما هو غائب فعليا وكليا من قاموس الأمم المتحدة، هو عبارة الصحراء المغربية (بإضافة الميم)، ولا يسعنا هنا إلا تحدي الوكالة المغربية بأن تثبت العكس.

ج) وردت فقرة تتحدث عن: “الاختلاس المؤكد، ومنذ أربعة عقود، للمساعدات الإنسانية الموجهة لساكنة المخيمات والذي أكدته تقارير المفوضية السامية للاجئين وبرنامج الغذاء العالمي”.

وكتصويب بسيط للقراء، وجبت الإشارة إلى أن التقارير التي تكلمت عن “شبهات” في تسرب المساعدات الغذائية، وأقول شبهات، كانت صادرة عن جهات أوروبية، وليس أممية، بدفع من أطراف منحازة للطرح المغربي، لهدف واضح وبسيط، وهو الضغط على جبهة البوليساريو لتقديم معلومات حول إحصاء اللاجئين واستغلالها من طرف المغرب نفسه.

هذه التقارير سرعان ما يتم تفنيدها من طرف الجهات الأوربية الوصية.

ويا حبذا لو يقدم لنا المغرب ولو دليلا واحدا (تقرير رسمي) لمنظمة أممية (وهنا لا أقصد الجهات الأوروبية والمنظمات غير الحكومية) يتكلم عن تهريب المساعدات بشكل ممنهج وغير مقبول كما تدعيه وكالة الدعاية المغربية.

2. بالنسبة للتخبط:

يكمن التخبط في إشارة البيان إلى ما وصفه “أن الأمين العام لم ير داعيا لإثارة قضية الخروقات المكثفة لحقوق الإنسان في مخيمات تندوف بالجزائر”، وكذا “ضرورة إجراء إحصاء للساكنة “.

بعض الملاحظات: 

– الحملة المغربية الجديدة هي مجرد محاولة بائسة لصرف النظر عن كون الأمم المتحدة لازالت وستظل تعتبر قضية الصحراء الغربية قضية تصفية استعمار وتعترف وتطالب بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره،

– وهي إهانة واضحة لمختلف الوكالات الأممية الموجودة بمخيمات اللاجئين الصحراويين وكذا المنظمات الدولية التي تزورها بانتظام،

– وهي بمثابة رصاصة في رجل المغرب نفسه، الذي يعترض على توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة وضع حقوق الإنسان والتقرير عنها في مخيمات اللاجئين وكذا المناطق المحتلة من الصحراء الغربية،

– فيما يتعلق بإحصاء اللاجئين الصحراويين، فالمغرب والأمم المتحدة وكل المتتبعين للقضية الصحراوية يعون جيدا أن القيام بهذه العملية لا يمكن أن يتم بمنأى عن تنظيم استفتاء تقرير المصير. فالمغرب نفسه هو من قام بتعطيل عمليات الإحصاء التي أشرفت عليها الأمم المتحدة بتراجعه عن التزامه الأدبي والقانوني بتنظيم استفتاء تقرير المصير. وإذا أراد أن تفتح جبهة البوليساريو الباب واسعا للأمم المتحدة لاستكمال هذا الإحصاء، عليه أن يقبل أن يكون ذلك في إطار استكمال عملية السلام التي يعرقلها منذ ازيد من عقدين بمماطلاته. أما أن تطالب الرباط بمعرفة عدد الصحراويين وأعمارهم ومعلوماتهم في هذه الظروف فهي محاولة بائسة وضحك على الذقون، وسعي للحصول على معلومات استخباراتية مفضوحة للتجسس على اللاجئين الصحراويين عن طريق المنظمات الدولية، وهو للأسف ما وقعت فيه عدة منظمات تكرر دون تمحيص مطالب نظام الاحتلال متجاهلين أن كل مطالب قوى الاحتلال غير شرعية ولا تستحق الانتباه.

وبالرجوع إلى الرسائل الضمنية: نذكر منها ما يلي:

– “كما أنها (تصريحات بان كي مون) مسيئة وتمس بمشاعر الشعب المغربي قاطبة”

هذا بمثابة تجييش للشعب المغربي وراء المخزن، في قضية لا ناقة له فيها ولا جمل، وصرف نظره عن قضايا أخرى أكثر أهمية. بمعنى آخر، توجيه البيان إلى الاستهلاك الداخلي.

– “خرق للالتزامات والضمانات المقدمة للمغرب من قبل أقرب مساعديه بالوقوف في وجه أي استغلال لتنقلاته”

هنا، ومن دون أدنى شك، تهدف هذه الفقرة إلى تبرئة ذمة سفير المغرب بالأمم المتحدة بنيويورك (عمر هلال) والإيحاء بأنه قام بدوره على أكمل وجه، ووجه “أوامره الصارمة” لمساعدي بان كي مون، بان تتم الزيارة على ذوق المغرب وبمراعاة مصالحه.

هذه المحاباة الكبيرة من طرف الوكالة أو الحكومة المغربية نفسها تأتي خوفا من أن يلقى هلال مصير السفير السابق (محمد لوليشكي) الذي تم إبعاده بطريقة مهينة بعد صدور تقرير للأمين العام للأمم المتحدة يوصي بتوسيع صلاحيات المينورسو.

– “مصلحة المسلسل الأممي لتسهيل التوصل إلى حل تفرض الأمل في يكون (استعمل عبارة “احتلال”) الأمر مجرد زلة لسان“.

تهديد واضح وصريح للأمين العام للأمم المتحدة بالعدول عن تصريحاته، تحت طائلة إيقاف التعاون مع المنظمة، وتهديد مبطن أيضا للمبعوث الشخصي للأمين العام، كما سبق وأن قام المغرب بذلك.

– على بعد بضعة أشهر من انتهاء ولايته (الأمين العام للأمم المتحدة).

محاولة للتهوين من حدة وقع الصدمة الناتجة عن تعاطي الأمم المتحدة بشكل يتوافق، إلى حد ما، مع وضعية إقليم الصحراء الغربية (قضية تصفية استعمار)، ومحاولة تذكير من قبل الوكالة بأن ولاية بان كي مون على وشك الانتهاء، وأنه لا يمكن أن يضر أكثر بمصالح المغرب نظرا لهذا السبب.

خلاصة

إن تعاطي الأمم المتحدة مع قضية الصحراء الغربية لطالما تأرجح بين الايجابية (الدفع بتصفية الاستعمار) والسلبية (الرضوخ لضغوط المغرب). هذا الأمر جعل مصداقية المنظمة تتأثر أمام الرأي العام الدولي وخاصة تجاه الصحراويين نفسهم.

ليس من المستبعد أن يقوم الأمين العام بتصريحات “هدفها تلطيف الجو” مع المغرب، وهو نفسه من أكد في تقريره الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أنه قدم ضمانات للمغرب بعدم الدفع بتوسيع صلاحيات المينورسو (قضية المكالمة الهاتفية مع الملك).

يبقى القرار حاليا بين أيدي المنظمة الأممية. هل سترضخ لتهديدات المخزن مرة أخرى؟ أم هل ستنفض الغبار عن نفسها وتفرض مصداقيتها على كل المشككين في ذلك؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجاة عن تساؤلنا المشروع.

مواضيع من نفس الفئة

سذاجة لقجع أم سخرية القدر؟

21 أبريل / نيسان 2024

العلاقات الجزائرية-الروسية تتجاوز التعاون العسكري

20 يناير / كانون الثاني 2024

ندوة الإعلام.. إستفاقة أم تكريس للفشل؟

31 ديسمبر / كانون الأول 2023

تاريخ حافل بالمتاجرة والمقايضة السياسية المشبهوة.. ماذا تخفي زيارة محمد السادس إلى ...

17 ديسمبر / كانون الأول 2023